بقلم : مشاري الذايدي
الشيخ محمد المانع من النُخب السعودية التي عملت مع الملك المؤسس عبد العزيز، في بواكير النهضة السعودية، وبحكم ثقافته ونشأته الخاصّة في مدينة الزبير «النجدية» بالعراق، وعلاقات والده التجارية المتنوعة، وبحكم إجادته اللغة الإنجليزية، عمل مترجماً لدى الملك عبد العزيز، ورافق الملك في كثيرٍ من أنشطته، وقد كان أول سعودي يؤلف باللغة الإنجليزية، كتاباً رائعاً عن الملك والمملكة، بعنوان «توحيد المملكة العربية السعودية».
يقول المانع في كتابه الممتع ذلك: «قليلٌ جداً من الأجانب هم أولئك الذين يعلمون أن البلاد التي يشملها الآن اسم المملكة العربية السعودية كانت حتى القرن الحالي بلاداً متفرقة مكوّنة من ممالك صغيرة ومناطق نفوذ إمبريالية وقبائل متحاربة يتغيّر ولاؤها وحدودها بالسرعة نفسها وعدم الانتظام اللذين تتغيّر بهما رمال الصحراء. لقد تكوّنت هذه المملكة الحديثة من عدم، خلال الجزء الأول من هذا القرن، نتيجة المهارة العسكرية والحنكة السياسية لرجل واحد فذّ هو جلالة الملك عبد العزيز بن سعود».
ولأن المانع المولود 1903 عايش الظروف الصعبة للعرب في الجزيرة العربية، وتفرّق شملهم وانعدام دولتهم، فهو يعرف حقّ المعرفة قيمة المنجز الاستثنائي الذي صنعه الملك عبد العزيز، يقول عن ذلك: «ولكي يقدّر المرء المدى الكامل لإنجازات ابن سعود العظيمة، عليه أن يعرف شيئاً عن مجريات السياسة في جزيرة العرب عند مستهل هذا القرن، فقد كان معظم الجزيرة سنة 1900 تحت نفوذ أو حكم الإمبراطورية العثمانية التي كانت حينذاك لا تزال قوية رغم قرب نهايتها. ففي الشرق كان الأتراك يحتلون منطقة الأحساء على شاطئ الخليج العربي، وفي الغرب كانوا يحكمون الحجاز بواسطة الشريف حسين المنتمي إلى الأسرة الهاشمية، أمّا في الشمال فكانوا يسيطرون على الهلال الخصيب المشتمل على فلسطين وسوريا والعراق».
من أجمل الملامح التي رسمتها ريشة المانع، الذي عمل مع عبد العزيز، عن شمائل الملك الشخصية - بعيداً عن الحسابات السياسية - ملمح الإنسانية ومدّ يد العون، لفريق من الناس، على نهج: «ارحموا عزيز قومٍ ذل».
يقول: «رغم أن ابن سعود لم يكن لديه ما يجنيه من وراء مساعدة أمان الله (ملك الأفغان الذي أُطيح به) فقد تعاطف مع ذلك المسلم الذي ذلّ بعد عزّ، وذهب شخصياً وهو في مكة للسلام عليه. وقد ذهبتُ مع جلالته مترجماً، وأذكر أنه بدأ حديثه مع أمان الله بقوله: إني سعيدٌ أن أراك في هذه المدينة. وبعد أن استقبله استقبالاً ملكياً هيأ له مكاناً يقيم فيه، وأمر أن تُقدَّم له كل الخدمات اللائقة بملِك. وقد ساعد اهتمام جلالته بأمان الله على إزالة الشُبهة عنه، فغادر البلاد وهو عظيم الامتنان لما أبداه الملك من لطف».
إنه عبد العزيز، كبير المقام والأخلاق والرؤية والسياسة: «وليس كبيرُ القوم من يحملُ الحِقدا».
من أمتع وأصدق الكُتب التي كُتبت عن الملك عبد العزيز، كتاب الشيخ محمد المانع، باللغة الإنجليزية، ومُترجمٌ للعربية.