بقلم - زاهي حواس
هناك الكثير من المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية التي تتمتع بسحر خاص. وأحياناً، إن لم يكن حقيقة في غالب الأمر، يكون هذا السحر نابعاً من الغموض، بمعنى أن كثيراً من المواقع الأثرية في المملكة لا تزال بكراً، في حاجة إلى دراسات كثيرة متخصصة للكشف عن تاريخها ووظيفتها، وإعادة تصور ما كانت عليه في العصور القديمة.
ومن تلك المواقع الساحرة موقع الرجاجيل أو أعمدة الرجاجيل، الذي يعد واحداً من أقدم المواقع الأثرية في منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية. ويقع في ضاحية قارة جنوب سكاكا. وقد كتبت عن هذا الموقع من قبل، ولكني أعتقد أنه يستحقّ أن نكتب عنه كثيراً نظراً لأهميته كموقع أثري فريد تستعد هيئة التراث بالمملكة لإجراء مزيد من أعمال المسح الأثري والحفائر به. هذه الحفائر ليست بالسهولة التي قد يتصورها البعض نظراً لتلال الرمال التي تغطي المكان، بالإضافة إلى ضخامة الموقع الذي يتكون من خمسين مجموعة من الأعمدة الحجرية التي لا يزال الكثير منها منتصباً في موقعه الذي أُقيم به، والبعض الآخر ملقى على الرمال.
أما عن التسمية (الرجاجيل) فقد أطلقها السكان المحليون نظراً لشكل وهيئة الأعمدة التي نُحتت من الحجر الرملي المحلي، ويصل ارتفاع بعض الأعمدة القائمة إلى أكثر من 3 أمتار ويصل سمكها إلى نحو 60 سنتيمتراً. ويحتوي الموقع على نحو ما يقرب من 50 مجموعة من الأعمدة الحجرية المنتظمة والكثير من الأعمدة المحطَّمة الملقاة على الأرض التي تتوزع في مجموعات دائرية كبيرة. ويشرف الموقع على سهل رمليّ كبير، وتتكون كل مجموعة من الأعمدة من عمودين إلى 10 أعمدة. وكما أشرنا فإن الغموض لا يزال يحيط بماهية وجود هذه الأعمدة. وكل ما كُتب عنها لا يزال مجرد افتراضات من العلماء والباحثين، تشير إلى أن الموقع يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، إذ إن تلك الأعمدة تشبه إلى حد بعيد الأحجار الضخمة الشهيرة الموجودة في بريطانيا والتي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. ويعتقد البعض الآخر أن هذه الأعمدة عبارة عن مجموعة من المعابد المختلفة.