ليس دفاعًا عن الفراعنة

ليس دفاعًا عن الفراعنة!

ليس دفاعًا عن الفراعنة!

 العرب اليوم -

ليس دفاعًا عن الفراعنة

بقلم - زاهي حواس

ضرب الفراعنة العظام بسهم وافر فى تطور الحضارة الإنسانية على الأرض، وكانوا سببًا رئيسيًا فى نهضة وتطور حياة الإنسان على الأرض. هذا ليس مجرد حديث مرسل وكلمات رنانة لا معنى حقيقى لها ولكنها حقيقة تثبتها الأدلة الأثرية المادية التى تم اكتشافها على مدار قرن ونصف مضى وهو عمر علم الآثار، ولا تزال الأدلة الأثرية التى تؤكد تفرد وتأثير الحضارة الفرعونية تكتشف تباعًا إلى يومنا هذا.

إن تقدم علوم الهندسة والعمارة والفلك والحساب والطب والزراعة يعود إلى علماء الفراعنة، ويكفى النظر إلى أهراماتهم ومعابدهم ومسلاتهم ومقابرهم ومومياواتهم وكتبهم المحفوظة على أوراق البردى وجدران المعابد للتدليل على العبقرية الفرعونية. والغريب أن وجود هؤلاء المشككين والحاقدين على الحضارة الفرعونية، الذين ما تركوا من عيب أو نقيصة إلا وحاولوا لصقها بالفراعنة، هم فى حد ذاتهم دليل على مدى رقى وعظمة حضارة أجدادنا العظام؟!، ولو أن هذا غير صحيح فكيف نفسر حملات التشكيك فى أن الفراعنة هم بناة الحضارة؟، وأن سكان الفضاء أو النجميين هم من هبطوا على مصر فى مركبات فضائية ليبنوا الحضارة ثم ينصرفوا عائدين من حيث أتوا!، وكيف نفسر سبب نسب حضارتنا إلى سكان الأطلانتس المفقودة؟!، بل ولماذا قالوا بأن اليهود المستعبدين هم من بنوا الأهرامات؟!. ومنهم من اتهم الفراعنة بأنهم كانوا أقواما كافرة وثنية!، وكأن التوحيد وفكرة الإله الخالق، والبعث والحساب والجنة والنار لم تكن من معتقدات الفراعنة!، وهى المصورة على جدران مقابرهم، وكتبهم الدينية والجنائزية، وترانيمهم الدينية مثل أنشودة أخناتون الفرعون الموحد.

ولعظمة الحضارة الفرعونية وتأثيرها الممتد إلى يومنا هذا تحرص مناهج التعليم فى كل بلدان العالم، خاصة الدول المتقدمة فى العلوم والثقافة على تعليم أبنائها تاريخ الحضارات الإنسانية ومراحل تطور الإنسان على الأرض من كائن يجمع غذاءه مما تجود به الطبيعة من فواكه برية وما يصيده من حيوان، إلى إنسان يصنع أدواته ويزرع ويرعى وينمى قطعانه من الحيوانات والطيور المستأنسة. وبالطبع تحتل الحضارة الفرعونية المساحة الأكبر من مناهج تدريس الحضارات لكافة الأعمار. ولقد اعتادت المدارس الأمريكية بكافة مراحلها الاتصال بى لإعطاء محاضرات عامة عن بعد لتلاميذها عبر تقنيات برامج المحاضرات والاتصال عن عبد. بل وكثيرًا ما تم دعوتى إلى المدارس والجامعات هناك للقاء التلاميذ والحديث معهم عن حضارة المصريين القدماء. ولكم يدهشنى التلاميذ والطلبة ومنهم من تتراوح أعمارهم من ست إلى عشر سنوات بمقدار معلوماتهم التاريخية عن الحضارة الفرعونية!. إن لديهم من المعلومات الصحيحة عن الفراعنة أكثر من تلك التى لدى الطالب المصرى خريج الجامعة وهذه للأسف حقيقة لمستها بنفسى من خلال المناقشات مع هؤلاء الأطفال الصغار.

أعتقد أن الوقت قد حان لتحديث مناهج ووسائل التعليم فى مصر، ونهتم بتدريس التاريخ والآثار واللغة المصرية القديمة فى كل مراحل التعليم المختلفة. إن العلم بالتاريخ والحضارة من وسائل حماية الآثار فى أى بلد، فأعمال التخريب والتشويه والسرقة تتم نتيجة الجهل بقيمة الأثر. وكما ذكرت سابقًا هناك تشويه متعمد للحضارة الفرعونية ومفاهيم خاطئة لا بد من تصحيحها وقد كتبت كثيرًا فى هذا الموضوع ونظرًا لأهميته من وجهة نظرى فلا مانع من الكتابة فيه مرارًا وتكرارًا، وكثيرًا ما يوجه لى هذه الأسئلة أينما ذهبت داخل مصر أو إلى أى بلد عربى.

- هل كان الملوك الفراعنة طغاة يستعبدون البشر؟

ـ هل عبد الفراعنة الحيوانات والأوثان؟

ـ هل زيارة الآثار حرام؟

ـ هل سرقة الآثار المخبأة فى باطن الأرض حلال؟

ـ هل كان الفراعنة يدفنون كنوزهم الثمينة من الذهب والمجوهرات معهم؟

إن المفاهيم الخاطئة إضافة إلى الطمع والبحث السريع عن الثراء مقدمة الأسباب التى تدمر آثارنا على يد المجرمين، وكثير منهم لقوا حتفهم بعد أن دفنوا فى باطن الأرض التى حفروها بحثًا عن الآثار. والمحزن أن أطفالا أبرياء ذبحوا بدعوى إرضاء الجن وفك الرصد وظهور الكنوز. إن الجهل هو أبشع آفة للجنس البشرى ولا يجوز السكوت عليه ليستشرى فى المجتمع فيحرق الأخضر واليابس.

والجهل هو المجرم الحقيقى الذى جعل إصدار الفتاوى الظالمة عن الفراعنة بغير حق وبدون علم أمرًا ممكنًا. إن فتاوى التحريم الخاصة بالفن المصرى القديم وخاصة التماثيل والتصاوير على جدران المقابر والمعابد هى إحدى صور الجهل بالتاريخ والحضارة. ويبقى السبيل الوحيد لعلاجه هو التعليم والمعرفة.

إن الوثن هو التمثال أو الصورة التى تعبد والتى يعتقد فى جلبها النفع أو الضرر وهى المحرمة فى الدين الإسلامى؛ وليس ما خلفته الحضارات القديمة من تماثيل وفنون من نقوش ومنحوتات لا يعبدها أحد ولا يعتقد فى نفعها أو ضرها أحد!. لقد أمرنا المولى عز وجل أن نسير فى الأرض وننظر لآثار الأولين لنعتبر من سيرهم ولنتعلم من تاريخهم. وعلى الرغم من ذلك لا يجد كل جاهل ومدع للعلم حرجا من أن يفتى ويحرم على الناس ما لم يحرمه الله؛ ووصل بهم الحال إلى تحريم لعب الأطفال التى على شكل دمى بشرية وحيوانية بدعوى أنها تمثيل لخلق الله!.

أما عن وهم الكنوز الدفينة والمخبأة؛ فالحقيقة أن أكثر من ٩٠٪ من طبقات الشعب المصرى القديم لم تدفن معها فى مقابرها ذهبا أو فضة بل عتادا جنائزيا بسيطا مما تستطيع توفيره أسرة المتوفى وعلى حسب مكانته ودرجته الاجتماعية. لم يتعد المتاع الجنائزى لمعظم المصريين القدماء جرة من ماء أو نبيذ ورغيفى خبز!. ولقد قمت بحفر مئات المقابر للعمال الذين بنوا الأهرامات ولم أجد ذهبا أو فضة بل جرارا وأوانى من الفخار. حتى مقابر المهندسين والفنانين كانت تتصف بالبساطة والجمال. وليعلم كل مجرم تسول له نفسه البحث عن كنوز الفراعنة للاتجار بها أن مصيره لن يتعدى واحدة من اثنتين لا ثالث لهما إما الموت أو السجن. أما عن الإشاعات التى تنتشر بين الناس بأن فلانا هذا وهذا وذاك كانوا فقراء ثم هبطت عليهم الملايين بعد عثورهم على آثار وبيعها فهذه أكاذيب يروجها النصابون الذين يطلقون على أنفسهم لقب سحرة وهم فى حقيقة الأمر مجرد محترفى نصب يصطادون الطامعين.

إن الهوس بسرقة الآثار وصل إلى حد الجنون الذى جعل رجلا فى إحدى مدن الصعيد يقوم بحفر نفق يمر أسفل منازل وشوارع المدينة!!، ولم يتم للأسف الكشف عن جريمته الشنيعة إلا بعد تصدع المنازل والكشف عن النفق أسفلها!. لقد استمر الرجل فى الحفر لسنوات وسنوات ولم يصل إلى شىء ولم يتوقف يومًا واحدًا عن الحفر. ولو كان استغل جهده والمال الذى أنفقه فى عمل مفيد حلال كان بمقدرته أن يكون ثروة كبيرة تكفيه هو وأسرته.

نأتى إلى السؤال؛ هل كان الفراعنة طغاة بنوا آثارهم باستعباد البشر؟، لقد رد علماء الآثار بالأدلة والبراهين على كذب هذا الادعاء. ولقد أجمع العلماء، ومنهم الراحل العظيم الدكتور عبد العزيز صالح، أن الاستعباد يمكن أن يبنى عمائر ضخمة ولكن يستحيل أن يبنى عمائر جميلة مثل عمائر الفراعنة المتسقة الجمال التى تنم عن روح متذوقة للجمال ولعناصره فى البيئة التى عاشوا فيها. إن المتأمل لآثار المصريين القدماء يجد السلام والهدوء يشعان من كل جوانبها. وقد قمت بالكشف عن مقابر العمال بناء الأهرامات وأثبت بالدليل القاطع أنهم لم يكونوا عبيدًا بل عمالا مهنيين وصناعا وفنانين سمح الملك لهم ببناء مقابر لهم بجوار هرمه، وقد تمتعوا برعاية طبية فائقة سواء فى مواقع عملهم أو أماكن إقامتهم. وقد كشفنا عن بعض هياكلهم العظمية التى أكد بعضها وجود كسور وجروح ملتئمة تثبت أن أصحابها نالوا رعاية طبية إلى حد أن بعضهم أجريت لهم عمليات جراحية ناجحة. وكان من ضمن ألقاب النساء اللاتى عشن فى قرية العمال بالجيزة لقب «القابلة» أى «الداية» التى تساعد النساء الحوامل على الولادة.

إن القرآن الكريم والتوراة يخبراننا عن فرعون واحد، زمن سيدنا موسى، هذا الفرعون نال جزاء طغيانه. وفى نفس الوقت أخبرنا المولى عز وجل عن زوجة فرعون المؤمنة وعن كهنته من السحرة الذين آمنوا برسالة موسى، بل وعن رجل مؤمن من قوم فرعون. ومن قبل موسى حدثنا القرآن الكريم عن سيدنا يوسف وحياته فى مصر وكيف كانت مصر تعطى جيرانها من البدو الغذاء والمأوى وقت العسرة والجفاف. وحدثنا عن ملك عادل أنصف سيدنا يوسف وأخرجه من السجن. وبالعودة إلى الجد الأكبر لسيدنا يوسف؛ وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ فنعلم أن ملك مصر أكرم وفادته وقد خرج منها ومعه زوجة مصرية هى أمنا هاجر التى من نسلها ولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. إن مصر بلد عظيم له حضارة متفردة أكسبتها مكانة عظيمة بين الأمم والحضارات القديمة والحديثة، يجلها الناس فى كل مكان بالعالم، وأحرى بنا نحن المصريين احترام حضارتنا والاعتزاز

بها وحمايتها من الجهل

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس دفاعًا عن الفراعنة ليس دفاعًا عن الفراعنة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab