بقلم - زاهي حواس
يبعد موقع هضبة مصيقرة الأثري عن مدينة الرياض نحو 140كم باتجاه الغرب وعن مدنية القويعية 50كم باتجاه الشرق، وبالقرب من طريق الرياض – مكة المكرمة. وتشتهر هضبة مصيقرة بوجود خمس عشرة واجهة صخرية مختلفة الأشكال والأحجام، تحمل نقوشاً ثمودية إضافة إلى ألوان مختلفة من الفنون الصخرية التي تعرض أشكالاً منحوتة على الواجهات الصخرية تمثل حيوانات وعناصر آدمية ونباتية، وبعض الأدوات التي استخدمها الإنسان في حياته اليومية وأشكالاً لوسوم ورموز مختلفة الحجم، منها ما هو متناهي الصغر وأخرى كبيرة نسبياً. وبذلك تعد مصيقرة واحدة من أهم وأقدم مواقع الفنون الصخرية بالمملكة العربية السعودية والتي يعود تاريخها إلى نحو 8000 سنة ماضية. هذا ما أكده الفريق العلمي المشترك من جامعة الملك سعود ومعهد ماكس الألماني. استطاع هذا الفريق العلمي القيام توثيق الفنون الصخرية بموقع مصيقرة، وكذلك إعداد دراسات مهمة على الموقع، شملت أخذ عينات وتحليلها بواسطة الكربون المشع لمعرفة العمر الزمني للنشاط السكاني بالموقع.
وبالنظر إلى النقوش والفنون الصخرية بموقع مصيقرة، والتي تضم واحدة من أضخم الواجهات الصخرية المغطاة بفنون النحت الصخري، نجدها تتفرد كذلك بوجود أشكال نادرة لأنواع من الأسود وأنواع أخرى من الأبقار ذات القرون الطويلة والتي كانت تعيش بالجزيرة العربية في الأزمنة المطيرة، حيث توفر الغطاء النباتي الكثيف، بعد انحسار الجليد عن المنطقة ودخولها في العصور الدفيئة. وبذلك تكون النقوش الصخرية بمصيقرة والتي تصور حيوانات وعناصر آدمية مختلفة معيناً مهماً لدراسة الظروف المناخية المختلفة التي مرّت بها الجزيرة العربية خلال الحقب الزمنية القديمة، ومدى تكيف الإنسان معها.
ومن أسرار مصيقرة التي كشفت عنها أعمال التسجيل والتوثيق الأثري بالموقع، أن صور الجمال على واجهات الصخور تحتل المرتبة الأولى بنسبة 11% بين كل الحيوانات والأشكال الأخرى المصورة سواء كانت نباتية أو بشرية. بينما تمثل صور الخيول نسبة 2% فقط من الأشكال المصورة على الواجهات الصخرية، متساوية مع أشكال الأسود وغزلان المها، ويسبقها جميعاً صور الكلاب التي جاءت بنسبة 3% الأمر الذي يشير إلى أهميتها للإنسان في ذلك الوقت للحراسة أو أعمال الصيد أو كلاهما معاً. واحتلت صور الأبقار والحمير والنخيل نسبة 1% فقط من الأشكال المصورة على الواجهات الصخرية. ولا تزال هناك العديد من العناصر الزخرفية والحيوانية والنباتية غير المعروفة على وجه اليقين ويتم دراستها ومقارنتها بمواقع أخرى؛ وذلك في محاولة للكشف عن هوية تلك الأشكال.
ويبقى السؤال المهم دائماً عند التعرض لموضوع الفنون الصخرية والتي تنتشر بكل ربوع المملكة العربية السعودية وتعدّ أحد أهم عناصر التراث الأثري بالمملكة، وهو كيف نحمي تلك الكنوز ونحافظ عليها للأجيال القادمة في ظل تلك التحديات المستحدثة وعلى رأسها التغير المناخي وزيادة النشاط البشري وغيرها. وفي حقيقة الأمر، استطاعت المملكة العربية السعودية تقديم نموذج مثالي للحفاظ على الفنون الصخرية، سواء عن طريق التسجيل والتوثيق وتوفير الحماية القانونية للتراث الثقافي بالمملكة، وكذلك عن طريق برامج توعية مباشرة وغير مباشرة لجذب المجتمع بكل طوائفه للاشتراك مع هيئة التراث وعلمائها، وبالتعاون مع مختلف القطاعات العلمية بالمملكة للحفاظ على التراث الأثري والثقافي ونقله سليماً للأجيال القادمة لاستكمال الرسالة وتحمل مسؤولياتها نحو جزء مهم من تاريخ البشرية.