بقلم: دكتور زاهي حواس
منذ أسابيع قليلة قمت بنشر وثيقة للمطالبة بعودة كل من حجر رشيد وحجر القبة السماوية المعروف بزودياك دندرة إلى موطنهما مصر بعد أن نهبا منها مع آلاف القطع الأثرية الأخرى بطرق غير شرعية، وبالتالى فإن استمرار المتاحف الأجنبية في الاحتفاظ بتلك الآثار ورفض إعادتها إلى مصر هو استمرار لأعمال نهب الشعوب من ثرواتها الثقافية واستمرار للأعمال الاستعمارية والتى يظن البعض أنها انتهت بانتهاء عصر الاستعمار! لكن الحقيقة أن توابع هذا الاستعمار وآثاره لاتزال قائمة طالما آثارنا المنهوبة لاتزال خارج الأرض المصرية.
يحتفظ المتحف البريطانى بحجر رشيد، ومتحف اللوفر بحجر الزودياك وتطالب الوثيقة كل عشاق الآثار المصرية الذين يعرفون ويقدرون حق مصر المشروع في المطالبة بعودة آثارها المنهوبة بالتوقيع من أجل مساندة المطلب المصرى. وقد قام بالفعل أكثر من مائة ألف شخص حول العالم بالتوقيع عليها في غضون أيام من نشرها. كان معظمهم للأسف من الأجانب، لكن ما حدث هو أن الإعلامى القدير عمرو أديب قام بدعوة المصريين للتوقيع على الوثيقة وطالب بأن يصل عدد الموقعين إلى مليون شخص، وبالفعل بدأ المصريون يبحثون عن الوثيقة للتوقيع عليها والمطالبة بعودة حجر رشيد من المتحف البريطانى وزودياك دندرة من متحف اللوفر. ومن الأمور الجميلة التي حدثت قيام الإعلامى المتميز شريف عامر بالتوقيع على الهواء مباشرة على الوثيقة، وخصص صديقى الكاتب الكبير حمدى رزق حلقة كاملة من برنامجه على قناة صدى البلد لإلقاء الضوء على موضوع الوثيقة، كما قام أيضا بنشرها كاملة في مقاله بهذة الصحيفة المحترمة «المصرى اليوم».
وطالما أننا نؤمن بأن الحق لا يضيع طالما ظل هناك مطالب به، فلابد من أن نستمر بالضغط والمطالبة بعودة آثارنا وحقوقنا المنهوبة زمن الاستعمار الغاشم وزمن أن كانت آثارنا مستباحة تباع وتشترى دون رقيب ودون وجود قانون يحمى تراثنا من النهب في تلك الأزمان. وعلى الرغم من ذلك وبدلا من أن تتضافر الجهود وتجتمع، خرج علينا من يقوم بدق إسفين الفشل عن طريق قيام جهة المفروض أنها أكاديمية مصرية بنشر وثيقة أخرى غير التي قمنا بنشرها وتطالب أيضًا بعودة حجر رشيد! وادعت السيدة التي تعمل بها وقامت بنشر وثيقتها أننا سرقنا الفكرة منها؟! وأنا لا أعلم هل هذا الادعاء مقصود أم عن جهل منها بما قمت به على مدار سنوات تتخطى عمرها بالعمل على عودة الآثار المسروقة إلى مصر، ونجحت بفضل العمل المضنى من جانبى ومن جانب الزملاء الذين عملوا معى من مصريين وأجانب في عودة آلاف القطع إلى مصر من مختلف دول العالم.
لقد سلكنا، ومنذ سنوات طويلة، كافة السبل القانونية والدبلوماسية واتبعنا كل الطرق المشروعة واستعملنا علاقاتنا الوثيقة بمدراء ورؤساء المتاحف العالمية ورجال السياسة والثقافة بالدول المعنية ممن يدعموننا في المساعدة في عودة الآثار المسروقة إلى مصر وحققنا نجاحاً جعل بعض الدول تلجأ إلينا لمساعدتها هي الأخرى في عودة آثارها المسروقة أذكر منها دولة بيرو، وقد قمنا بالفعل بتقديم المشورة وساعدناها في أن تستعيد مئات القطع الأثرية التي كانت إحدى الجامعات الأمريكية قد قامت بالاستيلاء عليها.
ليس من المفترض أن يقوم أي إنسان سواء مصرى أو أجنبى بأن يستغل عودة الآثار المنهوبة للمزايدة ولتحقيق شهرة زائفة، فالموضوع يمس تراثنا وهو أغلى ما نملك، بل أغلى من أي مجد زائف، لذا وجب التنبيه بأن يعرف كل إنسان قدر نفسه الحقيقى، وليعلم أن التاريخ سيذكر فقط من عملوا وحققوا بجهدهم نتائج على الأرض ولن يذكر هؤلاء الأبطال من ورق بل إن الورق أحيانا يكون أغلى وأثمن قدرا منهم أنفسهم.
بدأت في عام ٢٠١٠ وكنت وقتها مسؤولا عن الآثار في مصر، وأعددت برنامجاً طموحاً لاسترجاع ست قطع أثرية فريدة إلى مصر لكى تنضم وتعرض لأول مرة في المتحف المصرى الكبير عند افتتاحه. كان أولى القطع الأثرية الست رأس الملكة الجميلة نفرتيتى والموجود بمتحف برلين، وتمثال مهندس الهرم الأكبر حم ايونو الموجود بمتحف هيلدسهايم بألمانيا، وتمثال مهندس الهرم الثانى هرم الملك خفرع، المهندس المعمارى القدير عنخ حاف، الذي أشرف قبل ذلك على إنهاء العمل بالهرم الأكبر. ويوجد التمثال النصفى البديع للمهندس عنخ حاف بمتحف بوسطن للفنون الجميلة. أما رابع القطع الأثرية فهو حجر الزودياك الذي نهب من سقف معبددندرة ومعروض في متحف اللوفر بباريس، وتمثال الملك رمسيس الثانى بمتحف تورين بإيطاليا، وهو آية من آيات الإبداع والجمال في فن النحت. وأخيراً حجر رشيد الذي سيظل هو الأيقونة ومفتاح سر التاريخ المصرى القديم وموجود كما ذكرنا بالمتحف البريطانى. قمت في البداية بمخاطبة رؤساء المتاحف ومطالبتهم بفتح حوار مع مصر من أجل بحث السبل التي تؤدى إلى استعادة مصر للقطع الست والتى خرج بعضها بشكل قانونى لكن أهميتها تحتم علينا عودتها وتعويض المتاحف الأجنبية عنها بقطع أخرى. ومثال على ذلك عندما وافق متحف بوسطن قبل نحو مائة عام على إبقاء كل كنوز الملكة حتب حرس أم الملك خوفو في مصر بعدما قامت بعثة المتحف بقيادة العالم الأمريكى العظيم جورج رايزنر بالكشف عن مقبرة الملكة، قامت مصر بتعويض المتحف بإهدائه التمثال النصفى للمهندس عنخ حاف. فليس هناك ما يمنع مصر من التفاوض مع المتحف مرة أخرى وتعويضه بشكل آخر من أجل عودة أثر فريد لا يوجد مثيل له في مصر، وبالتالى لا يجوز التفريط فيه!.
كان هذا فقط مجرد مثال لما كنت أفكر فيه في عام ٢٠١٠ وبدأت بالفعل ومعى لجنة قومية من هامات في الفكر والسياسة والثقافة بالإعداد لخطة ومنهج يتبع في عودة آثارنا سواء التي سرقت أو التي لا يجوز للمتاحف الأجنبية أن تحتفظ بها بينما لا يوجد مثيل لها في موطنها مصر. لكن الأقدار كتبت ألا تستمر هذه الجهود بعد أحداث يناير المؤلمة والتى عصفت بالأمور في مصر. وهنا يجب أن يعلم الجميع كم نحن محظوظون بالخروج ببلدنا سالمة من تلك العاصفة التي كان المخطط من ورائها تقسيم مصر وإنهاء وجودها كدولة موحدة كما بدأت منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، ولذلك لابد من أن نبدأ مما انتهينا إليه في ٢٠١٠ ونواصل المطالبة بعودة آثارنا.
لايزال لدى أمل وحلم أن أرى رأس الجميلة نفرتيتى تعود إلى مصر لكى تعرض أولاً في المتحف المصرى الكبير وبعدها نقوم بتخصيص قاعة لها بالمتحف الأتونى بالمنيا لكى تنضم إلى زوجها أخناتون وبناتها وعائلتها وتظل معهم للأبد كما كانت ترغب وتتمنى. إن وجود رأس الملكة نفرتيتى بالمتحف الأتونى بالمنيا كفيل بإعادة الحياة لآثار المنيا وانتعاش السياحة بها، بل وإحداث نهضة سياحية تتمثل في بناء الكثير من الفنادق وتوفير آلاف من فرص العمل، كل هذا إذا نجحنا في استعادة أحد أجمل الآثار الفرعونية التي سرقت من مصر بيد المهندس الألمانى لودفيج بورخارت الذي كان يقود الحفائر في تل العمارنة سنة ١٩١٢م، ولدينا كل الأدلة على سرقتها وخروجها بشكل غير شرعى من موطنها مصر.
هل من العدل أن يحتفظ متحف اللوفر بزودياك معبددندرة الأصلى، بينما تحتفظ مصر بنسخة مقلدة من الزودياك نضعها في موضع الحجر الأصلى بسقف إحدى قاعات المعبد؟! بالطبع لا! لذلك أطالب الحكومة الفرنسية التي تدهشنا دائماً بمناصرتها لحقوق الإنسان بأن تنضم لنا وتناصر حق المصريين في عودة زودياك دندرة المغتصب من قبل متحف اللوفر لكى تثبت حقا أن موقفها من حقوق الإنسان لا يتجزأ وليس مجرد شعارات سياسية. ولمن لا يعرف فإن زودياك دندرة عبارة عن نقوش غاية في الجمال للأبراج السماوية من العصر البطلمى ولا يوجد له مثيل آخر من ذلك العصر، وكثير من المصريين بل والناس حول العالم لا يعلم أن العالم الشاب شامبليون الذي زار مصر سنة ١٨٢٨م كان يخطط للقيام بنشر (قطع نقوش) مقبرة الملك سيتى الأول بوادى الملوك ونقلها إلى متحف اللوفر لكى يعاد بناؤها كاملة هناك! ومن ضمن النقوش التي كانت ستنقل إلى باريس سقف حجرة دفن الملك سيتى والمزينة بالنجوم والأبراج السماوية. والحمد لله أن المقبرة نجت من يد شامبليون وظلت في مصر.
إذا كان المستعمرون وشعوبهم قد أعطوا لأنفسهم الحق في فعل ما فعلوه بتراثنا وآثارنا، فلماذا يستكثرون علينا الآن ويغضبون عندما نطالب باسترداد ما نهبوه منا ومن شعوب أخرى؟! سؤال أطرحه للمناقشة، علنا نفهم تلك العقلية التي تزن الحقوق بأكثر من ميزان.