بقلم -زاهي حواس
فى ٢٨ أكتوبر العام الماضى أعلن مارك اليوت زوكربيرج ـ المؤسس والرئيس التنفيذى لـ فيسبوك ـ تغيير العلامة التجارية لشركته من فيسبوك إلى ميتا. وللأسف الشديد لم ينتبه سوى عدد قليل من البلدان حول العالم، بل ومن الناس لأبعاد هذا التغيير! وهو بالطبع ليس مجرد تغيير اسم منصة للتواصل الاجتماعى إلى منصة أخرى، لكنه إعلان رسمى بدخولنا إلى عالم جديد نسميه الآن العالم الافتراضى، لكنه سرعان ما سيتحول إلى أسلوب حياة جديدة ستغير العالم الذى نعرفه الآن. ولنبدأ القصة من كلمة ميتا نفسها ومعناها فى اللغة اليونانية القديمة «ما وراء» أو بمعنى ما لا يوجد فى الواقع. وميتافيرس أو العالم الافتراضى لزوكربيرج لا يتطلب الدخول إليه تأشيرة سفر وتذكرة طيران، لكن يتطلب فقط نظارة VR اختصارا لكلمة واقع افتراضى، وإنشاء حساب ليس فقط باسم مستخدم وكلمة سر لكن بـ«خلق أفاتار» أو توأم افتراضى يمثلك فى هذا العالم. وليس من المطلوب أن يكون هذا الأفاتار يشبهك تماما، لكنه من الممكن أن يكون مختلفا من ناحية الجنس والسن والشكل، بمعنى أنك حر فى تصوير قرينك فى العالم الافتراضى، وبعدها تدخل إلى هذا العالم لتمارس حياتك، تشترى وتبيع وتتعرف إلى ناس من مختلف الثقافات والبلدان، بل وتقوم بعملك داخل الشركة أو المؤسسة التى تعمل بها إذا كانت تتيح هذا. حياة هى الآن فى بدايتها لكنها سرعان ما ستتعقد وتتشابك، ومن المتوقع أن يكون لهذا العالم الجديد قوانينه الخاصة!.
هذه ليست مجرد مزحة أو دعابة، لكنه أمر خطير سيغير شكل الحياة على الكوكب فى غضون سنوات قليلة قادمة، ففى أقل من ثلاثة شهور من الإعلان عن «ميتا» وصل حجم الاقتصاد فى هذا العالم الافتراضى إلى أكثر من ٨٠ مليار دولار، ووصل الأمر إلى شراء منازل وقصور لا وجود لها سوى فى العالم الافتراضى بملايين الدولارات، ونشطت حركة بيع الأراضى فى مناطق بعينها فى هذا العالم، وقام العديد من المتاجر الشهيرة بشراء فروع لها فى الميتافيرس تباع فيها منتجات إما حقيقية تشتريها وتصلك إلى باب منزلك أو منتجات افتراضية تشتريها وتجربها وتستخدمها فقط فى الميتافيرس عن طريق الأفاتار الخاص بك، وكل المعاملات تتم بعملات الميتافيرس أو العملات المشفرة التى تشتريها مسبقا بعملتك المحلية، سواء كانت الدولار أو الجنيه المصرى أو أى عملة أخرى.
ما يهمنى فى هذا المقال هو دق ناقوس الخطر، أو فلنقل من قبيل التخفيف جرس إنذار للتهديدات التى ستنال بلا شك من صناعة مهمة لنا، وهى صناعة السياحة. فغدا سنسمع عن شركات سياحة من نوع جديد غير تلك التقليدية فى عالمنا، والتى تقوم من خلالها بحجز رحلة سياحية، سواء كانت داخلية أو خارجية تتطلب السفر والانتقال، وحجز فنادق وتذاكر دخول لمناطق سياحية ومتاحف. شركات السياحة الجديدة سيتم تأسيسها فى العالم الافتراضى وستتنافس فيما بينها على عمل برامج سياحية افتراضية إلى كل مكان على كوكبنا، بل وإلى خارج الكوكب، حيث ستتيح لمن يرغب السفر عن طريق الأفاتار الخاص بالسائح زيارة أى مكان على الأرض، بالإضافة إلى تجربة المشى على القمر فى حال أراد ذلك. وهذا ليس ضربا من الخيال لكنه يحدث بالفعل ويحتاج منا كل الاهتمام والدراسة لمعرفة مصيرنا فى هذا العالم الجديد.
ولتوضيح خطورة الأمر دعونى أقص عليكم ما حدث معى فى زيارتى الأخيرة لمدينة هيوستن فى نوفمبر الماضى، لافتتاح معرض الفرعون رمسيس الثانى، المقام حاليا بمتحف هيوستن للعلوم والفنون: بعد أن انتهيت من زيارة أجنحة المعرض ورؤية آثار الملك رمسيس وهى تبهر الأمريكان وعند باب الخروج وجدت منظمى المعرض يصطحبوننى إلى جناح الـVR أو ما يمكن أن نسميه هنا جناح السياحة الافتراضية. أجلستنى الفتاة على مقعد مريح بعد أن طلبت منى خلع حذائى وترك كل ما بيدى!.. بعدها وضعت نظارة الـVR على عينى وقالت لى: «سيدى! ستسافر الآن إلى أبوسمبل لزيارة معبدى الملك رمسيس الثانى والملكة الجميلة نفرتارى. أتمنى لك سفرا آمنا ورحلة ممتعة!»، اعتقدت أنها تمزح معى، لكن ما حدث بعد ذلك جعلنى أتنبه أن العالم تغير بالفعل وليس سيتغير! شعرت بأن الكرسى يرتفع بى عن الأرض ثم يميل إلى الخلف قليلا وما هى إلا ثوان، وإذا بالكرسى يندفع إلى الأمام بسرعة، لكنها سرعة مريحة للنفس وليست مفزعة، ورأيت الصحراء أمامى تطوى وأنا طائر على كرسىَّ المريح، ومن بعيد بدأت أرى معبد أبوسمبل وبدأت الاقتراب منه حتى توقفت عند مدخل المعبد الكبير، ولدهشتى وجدت الملكة نفرتارى تخرج من المعبد مرحبة بوصولى، وهى ترتدى رداء من الكتان الأبيض وحزاما مزركشا بديع النقوش. ودخلت مع نفرتارى إلى داخل المعبد، وهى تقص على قصتها مع الفرعون العظيم رمسيس الثانى.. وأثناء الجولة داخل المعبد كنت أشم رائحة البخور التى لم تجعلنى أشك للحظة أننى فى مصر، وتحديدا فى أبوسمبل أقصى جنوب مصر. انتهت الزيارة الافتراضية ونزعت النضارة لأجدنى فى مكانى وحذائى فى موضعه بجوار الكرسى، وتطلب الأمر منى بضع دقائق لأستوعب ما حدث، بعدها كنت أراقب الأطفال والشباب والشيوخ وهم يتركون كراسيهم المجاورة لى!.. فى تلك اللحظة تأكدت أن السياحة كما نعرفها فى خطر، وعلينا أن نتحرك وبسرعة الضوء لحجز مكان لنا فى سياحة الميتافيرس.
أعلم أن هناك كثيرا من الناس ممن هم للأسف من جماعة «محلك سرك»، وأنه لا شىء سيتغير، وآخرين من أنصار «عدم تقدير البلا قبل وقوعه»، ولننتظر حتى تقع المصيبة وبعدها نرى ما يمكن فعله، وأؤكد أن هدفى هو أن نستبق الأحداث، وأن نحتاط للحفاظ على حقوقنا فى العالم الافتراضى الجديد. ولا أعنى بحقوقنا الحقوق الأدبية لاستخدام مفردات حضارتنا أو أدواتنا السياحية وتوظيفها فى الميتافيرس من أهرامات ومعابد ومقابر وحتى متاحف!، لكنى أتحدث عن حق مصر، بمقوماتها، أن تكون موجودة وفاعلة فى الميتافيرس، وأن تكون لنا شركاتنا السياحية وبرامجنا السياحية المتميزة، وأن تكون للدولة المصرية حقوق محفوظة من دخل وناتج من سياحة الميتافيرس.
أذكر أننى منذ أكثر من عشر سنوات نشرت مقالا أنبه فيه إلى ما تواجهه المتاحف من تحديات فى ظل عصر التكنولوجيا وعصر الهاتف الذكى «smartphone»، وأشرت إلى دراسة أجرتها مجموعة بحثية قامت بتصوير زوار متحف اللوفر من مراحل عمرية مختلفة، وكانت المفاجأة صورا لشباب تحت سن العشرين منشغلين بهواتفهم الذكية وأمامهم أهم الأعمال الفنية فى تاريخ البشرية، ومنها الموناليزا، وهم لا ينظرون إليها بل ينظرون إلى شاشات هواتفهم!، والآن هناك فرصة لكل من يريد خوض تجربة السياحة والسفر والهروب من هموم العمل والحياة، والأمر لا يتطلب سوى نضارة فقط ،فما المانع؟!. بالطبع هذه السياحة ستكون أكثر راحة وأمانا، وأسرع من السياحة العادية، وأقل تكلفة، ولها متعتها الخاصة. وعلى كل مشكك أن يخوض التجربة أولا ثم يشكك كما يحلو له. وإلى جانب نضارة الـVR ظهرت القفازات الخاصة بالميتافيرس ووظيفتها نقل الإحساس إلى مرتديها بمعنى أنه أصبح فى الإمكان زيارة أبوالهول ولمس التمثال وأنت جالس فى منزلك بمدينة طوكيو اليابانية!، ليس هذا فقط، بل سيكون فى إمكان بعض السائحين الراغبين فى السفر عبر برامج سياحية تسمى VR Royal Tour أو الرحلة الملكية الافتراضية، السفر إلى مصر ومقابلتى، أقصد مقابلة الأفاتار الخاص بى بالبرنيطة الشهيرة، ليستمتعوا بمحاضراتى عن الفراعنة وأسرارهم.
هذا عن السياحة الثقافية التى تعتمد على زيارة المتاحف والمواقع الأثرية، فهل السياحة الترفيهية أو سياحة الشواطئ بمنأى عن خطر سياحة الميتافيرس؟ للأسف الإجابة بـ لا. ولتوضيح الأمر علينا الانتباه إلى ما تقوم به بريطانيا الآن من تطوير ما يسمى الشمس الصناعية لتوليد طاقة غير محدودة! ففى غضون سنوات قليلة من الآن سيتمكن ساكن الإسكيمو من الضغط على لوحة تشغيل تضىء منزله بأشعة شمس وحرارة شمس صناعية محمولة بديلا عن مصادر الإضاءة التقليدية. إننا بالفعل دخلنا بأقدامنا إلى عالم يتطور بسرعة مذهلة، ولن يرحم هذا العالم من يتخلف عن هذا التطور أو ينكره، بل إن المتأخر عن مواكبة ما يحدث لن يجد لنفسه مكانا فى هذا العالم. اللهم إنى بلغت، اللهم فاشهد.