الفراعنة يحترمون التاريخ

الفراعنة يحترمون التاريخ

الفراعنة يحترمون التاريخ

 العرب اليوم -

الفراعنة يحترمون التاريخ

بقلم: دكتور زاهي حواس

ساد اعتقاد خاطئ بين الناس بأن ملوك الفراعنة هم مَن ابتدعوا وتفننوا فى إزالة أسماء مَن سبقوهم من ملوك على تماثيلهم ومعابدهم، ووضع أسمائهم بدلًا منها؛ فيقوم ملك على قيد الحياة بمحو اسم مَن سبقه وينسب آثاره إلى نفسه!، والغريب أننا إذا ما صدقنا هذا لا نستطيع أن نفسر سبب وجود كل هذه الآثار على أرض مصر وحفظ أسماء ملوكها، ومَن شيدوها!، فلو صدقنا بأن ملوك الفراعنة كان الواحد منهم يمحو آثار مَن سبقه لمَا كان قد وصلنا من تاريخهم شىء على الإطلاق، بل إن العكس كان هو الصحيح، فلقد حفظ لنا التاريخ كثيرًا من الحالات التى يقوم فيها الملوك الفراعنة بترميم آثار أسلافهم وإصلاحها، بل استكمال ما لم يُستكمل منها فى عهود الأسلاف، بل إننا رأينا ملوكًا أخذوا على عاتقهم ترميم آثار الأجداد التى مر عليها آلاف السنين، وذلك تقديرًا منهم لتاريخ مصر وتاريخ أسلافهم.

لقد كان واجبًا مقدسًا على كل ملك يجلس على عرش مصر أن يشرف بنفسه على مراسم دفن الملك المتوفى سواء كان ينتسب إليه أو لا يمت له بصلة قرابة. وعلى الرغم من أن هذا التقليد كان واجبًا على الابن الأكبر الشرعى، وفى حال لم يكن للملك المتوفى وريث ذكر يقوم أحد كبار رجال الدولة بذلك. وقد شاهدنا مثل تلك الأحداث عندما مات الملك توت عنخ آمون، وتولى من بعده الملك أى الذى لم يكن سوى أخ لجدة الملك توت عنخ آمون، الملكة العظيمة تى. وتولى الملك العجوز أى مراسم دفن توت عنخ آمون، وتأمين مقبرة له، وذلك قبل أن يجلس على عرش مصر، بل إن دفن الملك كان شرطًا أساسيًّا ليتمكن من الجلوس على عرش مصر. ولكى يدعم الملك أى شرعيته قام بالزواج ولو صوريًّا من أرملة الملك توت عنخ آمون التى كانت تصغره بعشرات السنين. وقبل حالة الملك توت عنخ آمون بأكثر من ألف سنة، رأينا الملك شيبسسكاف، آخر ملوك الأسرة الرابعة، يقوم باستكمال المجموعة الهرمية للملك منكاورع، صاحب الهرم الثالث من أهرامات الجيزة، والذى تُوفى قبل أن يستكمل المجموعة الهرمية التى دُفن بها. وأشرف شيبسسكاف على مراسم دفن الملك، وتولى بعد ذلك الحكم منهيًا عصر الأسرة الرابعة. والسؤال لماذا يعتقد الناس أن ملوك الفراعنة كان الواحد منهم يمحو اسم مَن سبقه ويقوم باغتصاب آثاره ونسبتها لنفسه؟!، والحقيقة أن الملك رمسيس الثانى قام بوضع اسمه على بعض التماثيل الملكية التى لم يقم بنحتها، بل نُحتت لملوك سبقوه. وبالبحث والدراسة اكتشفنا أن هذه التماثيل كانت بالفعل إما لملوك من الهكسوس المحتلين للبلاد، وإما أنها كانت لملوك مصريين قام الهكسوس باغتصابها ونسبتها إلى أنفسهم وبالتالى ضاعت أسماء أصحابها الأصليين. وعندما حكم رمسيس الثانى قام المهندسون المعماريون والنحاتون الملكيون بمحو أسماء الهكسوس المحتلين، ولم يجدوا غضاضة فى نسبتها إلى ملكهم رمسيس الثانى. ولا يمكن الجزم بأن ذلك تم بعلم وموافقة الملك أو بدون علمه. ولكن فى كلتا الحالتين نحن أمام ملك مصرى يقوم من وجهة نظره أو من وجهة نظر رجاله بتصحيح أوضاع كانوا يرونها غير مناسبة!، فالأحجار التى نُحتت منها هذه التماثيل هى من أرض مصر، والفنانون الذين قاموا بنحتها مصريون، ولا يجوز للمحتلين المغتصبين وضع أسمائهم عليها.

كذلك هناك فى التاريخ المصرى القديم محاولات انتقامية لها أسبابها السياسية التى لا يمكن مناقشتها هنا، وسنقوم بتناولها فى مقالات تالية بإذن الله. من تلك الحالات معضلة الملك تحتمس الثالث، الذى قام لأسباب لا تزال إلى يومنا هذا موضع دراسة من قِبَل العلماء فى أواخر عهده، وتحديدًا بعد العام الثانى والأربعين من حكمه، بمحاولات لإزالة اسم الملكة حتشبسوت من التاريخ!، فطوال ما يقرب من 22 عامًا بعد موت حتشبسوت لم يكن هناك ما يشير إلى وجود عداء بين تحتمس الثالث والملكة حتشبسوت، التى هى زوجة أبيه وعمته فى ذات الوقت، والتى شاركته فى الحكم ما يقرب من العشرين عامًا. أما عن سبب قيامه فى أواخر عهده بمحاولات لمحو ذكرى حتشبسوت فالإجابة عن ذلك تحتاج إلى مقال خاص ننشره فيما بعد. للأسف الشديد، أضر كثير من الهواة، وبعضهم يمنحون أنفسهم ألقابًا مثل عالِم الآثار فلان!، ويذيل كل منهم اسمه بلقب الدكتور أو المؤرخ أو باحث الآثار دون رادع أو وازع من ضمير!، وهؤلاء أبعد ما يكونون عن العلم. وقد ساعدوا فى كثير من الأحيان بقصد أو بدون فى الإضرار بالتاريخ المصرى القديم وتصوير الفراعنة على أنهم طغاة استعبدوا المصريين لبناء مجدهم، وهو ما لم يحدث. وتبقى حقيقة واحدة، وهى أننا لو أخلصنا فى العمل مثلما فعل أجدادنا الفراعنة لكنا الآن فى مكانة أخرى بين الأمم.

كان الفراعنة يحكمون بالحق والعدل والنظام (ماعت) من خلال أسرات ملكية يحكم فيها الأب ومن بعده ابنه البكر. وكان كل فرعون يتباهى بأنه شيد هذا الأثر أو ذاك لأبيه، بل يذكر السبب، وهو لكى يبقى اسم أبيه حيًّا وليكون بحق الابن النافع لأبيه، وهو لقب فرعونى توارثه الملوك وغير الملوك من المصريين. نعم أصبحنا فى زماننا نرى مسؤولين لا يجدون غضاضة فى نسبة أعمال ومجهودات مَن سبقوهم لأنفسهم دون وجه حق، ودون حتى ذكر مَن عمل وشارك فيما ينسبونه لأنفسهم!، بل أصبحت العادة أن يقوم المسؤول بافتتاح مشروع اكتمل قبل أن يأتى هو إلى موقع المسؤولية ويصدر التصريحات الإعلامية الرنانة كما لو كان المشروع الذى يفتتحه هو من نتاج عبقريته وجهده الخارق. وهذا ما لم يحدث فى زمن الفراعنة ولا حتى فى عصور الجهل والظلام.

مصطفى عامر أول مَن عمل على تمصير مصلحة الآثار

الدكتور مصطفى عامر هو عالِم مصرى متخصص فى علم الجغرافيا والآثار، وهو أول مدير عام لمصلحة الآثار المصرية من عام 1953 حتى عام 1956 بعد اعتماد قانون 1953، الذى كان من أهم بنوده ضم كافة الآثار المصرية بمختلف عصورها من بداية عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية القرن التاسع عشر، متضمنًا الآثار القبطية والإسلامية تحت مظلة مصلحة واحدة تكون هى المسؤولة عن حفظ وصيانة الآثار بعد أن كانت مطمعًا للأوروبيين بدون أى قيد أو رقابة مصرية. وللأسف الشديد، لا يذكر أحد فضل هذا الرجل العظيم رغم الدور الكبير الذى قام به فى حدمة الآثار المصرية. العالِم العظيم مصطفى عامر من مواليد محافظة الإسماعيلية، فى السادس عشر من شهر يونيو عام 1869. كان والده عبدالعزيز عامر موظفًا بوزارة الأوقاف. أكمل مصطفى عامر مراحل دراسته بتفوق فى كلية التربية (مدرسة المعلمين العليا) فى عام 1917، وحصل على درجة الدكتوراه فى الجغرافيا من جامعة ليفربول بإنجلترا عام 1923. وبعد عودته تم تعيينه محاضرًا بالجامعة، ثم ترقى إلى درجة أستاذ لتدريس مادة الجغرافيا بجامعة القاهرة، وتم تعيينه نائبًا لمدير جامعة الإسكندرية من 1942 حتى عام 1946 ثم أستاذًا بجامعة القاهرة عام 1946 وفى عام 1948 تم تعيينه عميدًا لكلية الآداب ونائبًا لمدير جامعة القاهرة. وفى عام 1950 أستاذًا لجغرافية مصر القديمة فى معهد المصريات فى كلية الفلسفة. وبعد ذلك أصبح رئيسًا لجامعة الإسكندرية. وفى نفس العام عُين وكيلًا بوزارة التربية والتعليم ثم رئيسًا لجمعية الأثريين بالإسكندرية عام 1952 حتى 1954. وفى مايو 1955 أصبح أول مدير لمركز الوثائق الذى تم إنشاؤه بالقاهرة، وتقلد العديد من الوظائف الأخرى، فكان مستشارًا لجامعة الرياض. وتُوفى، رحمه الله، فى 16 مارس عام 1974، بعد عمر طويل من العطاء.

arabstoday

GMT 17:42 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

سر الرواس

GMT 17:40 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

حلّ «إخوان الأردن»... بين السياسة والفكر

GMT 17:38 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

دارفور وعرب الشتات وأحاديث الانفصال

GMT 17:37 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

أقصر الطرق إلى الانتحار الجماعي!

GMT 17:35 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بعثة الملكة حتشبسوت إلى بونت... عودة أخرى

GMT 17:34 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

بقايا «حزب الله» والانفصام السياسي

GMT 17:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

الهادئ كولر والموسيقار يوروتشيتش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفراعنة يحترمون التاريخ الفراعنة يحترمون التاريخ



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 05:07 2025 الجمعة ,25 إبريل / نيسان

مقتل وإصابة 4 جنود إسرائيليين في كمين شمالي غزة
 العرب اليوم - مقتل وإصابة 4 جنود إسرائيليين في كمين شمالي غزة

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025

GMT 03:24 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

قتلى وجرحى في انفجار لغم أرضي شرقي حلب

GMT 01:13 2025 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

جليد القطب الشمالي يسجل أصغر مساحة منذ 46 عاماً

GMT 03:46 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي لـ23 شخصًا

GMT 12:58 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (103) رحيل الحبر الأعظم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab