بقلم - زاهي حواس
أعلنت هيئة التراث في شهر يونيو (حزيران) الماضي، الكشف عن نقش عربي عُثر عليه على صخر جبل الحقون في منطقة حمى الثقافية، التي هي جزء من منطقة نجران جنوب المملكة العربية السعودية. الخبر قد يكون بالنسبة إلى البعض خبر كشف أثري عادي. ولكن بالنسبة إلى الدارسين خصوصاً المتخصصين في مجال اللغة هو بالطبع خبر مهمّ للغاية، يمكن من خلاله إضافة شيء جديد إلى التاريخ.
وبالفعل فنقش جبل الحقون مؤرَّخ، وهو نقش تذكاري، بمعنى أن صاحبه أراد توثيق حدث أو ذكرى كما سنرى، حيث يعود إلى شخص يسمى كعب بن عمرو بن عبد مناة الذي سجله وختمه بتاريخ نقشه على صخر الجبل، وذلك وفق التقويم النبطي وباستخدام القيم العددية النبطية المستخدمة في كتابة الأرقام والتواريخ. ومن خلال النقش نتبين أن صاحبه كان تاجراً مرَّ بالمكان وهو في طريقه إلى موطنه في شمال غربي الجزيرة العربية، التي كان من المألوف بها في ذلك الوقت استخدام التقويم المشار إليه، وفيه تعادل سنة 380 بتقويم بصرى سنة 485 ميلادية، وذلك بعد إضافة 105 سنوات (تاريخ سقوط مملكة الأنباط).
من ناحية قِدم نقش الحقون فهو يحتل الآن المركز السادس كأقدم نقش عربي يُعثَر عليه في الجزيرة العربية، حيث تسبقه ثلاثة نقوش عربية قديمة كُشف عنها في محافظة العلا، وهي المعروفة بـ: نقش رقوش سنة 267م، ونقش قرح المؤرخ بسنة 280م، ونقش ذو آل بن زريق سنة 312م. وكذلك يسبقه نقش آخر في نجران، وهو المعروف بنقش ثوبن 469م. وهناك الكثير من الكتابات والنقوش المكتشَفة التي كتبت بخطوط مختلفة وتنتمي إلى عصور مختلفة أيضاً سواء قبل أو بعد الإسلام. ومن أشهر المناطق في المملكة العربية السعودية الغنية بالنقوش بالطبع محافظة العلا، ومنطقة الجوف، ومنطقة تبوك. وتعد النقوش العربية المبكرة حلقة مهمة للغاية من حلقات تطور الكتابة العربية، ولذلك يعد الكشف عن نقش الحقون مهماً للغاية بوصفه إضافة علمية إلى سجل الكتابات العربية المبكرة بجنوب الجزيرة العربية، التي من المؤكد أن الكتابة العربية تطورت بها أيضاً ولم يكن موضوع تطور الكتابة العربية حكراً على المناطق الشمالية فقط بالجزيرة العربية.
لم يُكشف نقش الحقون بالمصادفة ولكن جاء في أثناء أعمال المسح والتسجيل الأثري التي تقوم بها هيئة التراث في المنطقة، وذلك ضمن خطتها للبحث وتوثيق وتسجيل التراث السعودي كخطوة مهمة للحفاظ على تراث المملكة العربية السعودية.