بقلم: دكتور زاهي حواس
تلقيت دعوة كريمة من الصديق العزيز السفير صالح بن عيد الحصينى، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية، وذلك لحضور لقاء ترحيب وتكريم صاحب السمو الملكى الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة فى المملكة العربية السعودية. وقد تم توجيه الدعوة إلى نخبة من السياسيين والمثقفين المصريين لحضور هذا الحفل الذى حضره كل من الدكتور بدر عبد العاطى، وزير الخارجية، والدكتور محمود كمال عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، والمهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية، والدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، وصديقى المفكر السياسى الكبير مصطفى الفقى.
لقد كانت رغبة الأمير عبد العزيز بن سلمان أن يكون هذا اللقاء غير تقليدى بين الأشقاء وأن يتم فى أحد المطاعم على ضفاف نيل القاهرة، وهناك وجدت نفسى كأثرى يجلس مع بوتقة من عظماء فى السياسة والفكر وعلماء فى تخصصات مختلفة؛ الكهرباء والبترول والثروات المعدنية وعلوم البيئة. وقد يتضح من الوهلة الأولى أن معظم الحاضرين لهم علاقة وثيقة بثروات الأرض؛ يحفرون إما بحثاً عن بترول أو معادن أخرى أو للكشف عن الآثار! وعلاقة البحث عن ثروات الأرض المختلفة واستخراجها واستخدامها وإدارتها بما لا يضر البيئة التى تعانى منذ عصر الثورة الصناعية.. بعد ذلك نأتى لأهمية السياسة والثقافة فى إدارة وتعزيز الاقتصاد. كان اللقاء ممتعاً ومهماً للغاية امتد لعدة ساعات مرت سريعة.
كانت هذه هى المرة الأولى التى ألتقى فيها الأمير عبد العزيز الذى كنت قد سمعت عنه الكثير من صديقى صاحب السمو الملكى الأمير سلطان بن سلمان، والحقيقة أننى وجدت نفسى أمام رجل على مستوى راقٍ من التعليم والثقافة. تخرج فى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن حاصلاً على درجة البكالوريوس عام ١٩٨٢، ثم نال درجة الماجستير فى إدارة الأعمال من نفس الجامعة. وقد تولى إدارة الدراسات الاقتصادية والصناعية بمعهد البحوث بجامعة الملك فهد. وقد تدرج الأمير عبد العزيز بن سلمان فى الكثير من الوظائف بوزارة البترول والثروة المعدنية بالمملكة العربية السعودية؛ حيث عمل منذ عام ١٩٨٧ مستشاراً لوزير البترول والثروة المعدنية، وكذلك عمل وكيلاً لوزارة البترول ومساعداً لوزير البترول ثم نائباً لوزير البترول والثروة المعدنية ثم وزير دولة لشؤون الطاقة وذلك قبل أن يحمل حقيبة وزارة الطاقة عام ٢٠١٩.
يقوم الأمير عبد العزيز بن سلمان بإدارة ملف الطاقة فى المملكة العربية السعودية، ونحن نعلم أن ملف الطاقة هو أحد أهم الملفات المليئة بكثير من التحديات سواء ما يرتبط بمحيطنا الإقليمى أو الدولى. أضف إلى ذلك أن البترول هو أهم مصدر للدخل فى المملكة العربية السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط فى العالم، وقد بدأت السعودية منذ سنوات على يد خاتم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولى العهد صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان تحويل المملكة العربية السعودية من دولة مصدرة للنفط فقط إلى دولة تتمتع باقتصاد متنوع تسعى بالعلم والدراسة إلى توطين الصناعات الحديثة والمتقدمة على أرض المملكة وجذب استثمارات متنوعة ليس فقط فى القطاع الصناعى ولكن فى مختلف القطاعات ومنها السياحة، وإدخال التكنولوجيا الحديثة المتطورة فى كل أوصال ومفاصل الاقتصاد السعودى. وبدأت المملكة العربية السعودية بالفعل فى جنى ثمار هذا التحول المحورى الذى وضع المملكة فى مصاف الدول المتقدمة والأكثر تحقيقاً للنمو بالإضافة إلى تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية بين دول العالم.
تحدث الأمير عبد العزيز عن ملف الطاقة ورؤية المملكة العربية السعودية وما تطمح للوصول إليه وتحقيقه فى عام ٢٠٣٠. ووسائل تحقيق تلك الأهداف الطموحة والتى يأتى على رأسها الاعتماد على الشباب السعودى وتعزيز قدرتهم العلمية والثقافية من أجل بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل ومجارات هذا التقدم الرهيب فى استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى.
ومن المعروف عن الأمير عبد العزيز بن سلمان حبه للثقافة المصرية، وهو متحدث متمكن يخرج حديثه من القلب، ولذلك فهو يصل بسهولة إلى قلوب الحاضرين. وكلنا نذكر كلمته الطيبة ومشاعره الصادقة التى أثارت مشاعرنا ومست قلوبنا عندما تحدث أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى عن العلاقة بين الشقيقتين مصر والسعودية، وحبه وعشقه لبلده الثانى مصر ولكل ما هو مصرى. كان الأمير يتحدث بلهجة مصرية تعكس عشقه لكل ما هو مصرى.
كلنا يعلم أننا نعيش فى مرحلة دقيقة وحساسة للغاية، ولا يخفى على أحد أن الشرق الأوسط هو محور الأحداث العالمية الآن. وتمر منطقتنا كلها بظروف تاريخية تجعل من مصر والسعودية قطبى هذا الوطن العربى تواجهان تحديات عظيمة تتطلب منهما الوقوف صفاً واحداً كعادتهما دوماً وتعزيز التعاون والشراكة بينهما لكى نعبر هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا المعاصر. وشرح الأمير عبد العزيز عن مستقبل تلك العلاقة بين الشقيقتين فى مجال الطاقة ومشروعات الربط الكهربائى بينهما. ولعل أهم ما عكسه حوار الأمير عبد العزيز بن سلمان هو تفاؤله المطلق بالمستقبل ويقينه بأن بلادنا قادرة على صناعة الفارق والتأثير ليس فقط فى محيطنا الإقليمى ولكن الدولى أيضاً. وهو على ثقة بأن كل من مصر والسعودية ستعبران إلى مستقبل أفضل. هذا التفاؤل لم يكن مجرد إحساس لكنه نابع من الثقة فى وجود خطط مدروسة علميا للانتقال إلى المستقبل وتعزيز قيم التعليم والثقافة فى نفوس أجيال المستقبل. وقد فوجئت بالأمير عبد العزيز يسألنى عن رأيى الذى قلته من قبل عن أصل المصريين وحدثته بأن هناك الكثير من الدراسات التى جرت وتناولت موضوع أصل المصريين، وذلك فى ضوء الاكتشافات الأثرية والتى أهمها ما قام به عالم الآثار الإنجليزى السير فليندرز بيترى الذى قام بالكشف عن جبانة فى منطقة نقادة بصعيد مصر؛ تعود إلى عصر ما قبل الأسرات أى قبل معرفة الكتابة. وقام بيترى بدراسة ما عثر عليه داخل هذه الجبانة من لقايا أثرية وهياكل عظمية جعلته يقول بأن هؤلاء الناس هم الذين بدأوا ما يعرف بالحضارة المصرية القديمة. وأن سكان الدلتا تأثروا بالجنس السامى القادم من الجزيرة العربية أو من آسيا. بينما سكان الصعيد فى الجنوب تأثروا بإفريقيا والجنس الحامى.
كل التحية والتقدير لمعالى السفير صالح الحصينى على دعوته الكريمة لى لحضور هذا اللقاء بين الأشقاء، وفرصة لقائى الأول عن قرب مع رجل عربى يفتخر ويعتز بثقافته والتقاليد العربية الأصيلة، يعرف عن يقين وثقة قدرات بلده ومدى تأثيره وبالمخاطر التى تواجهنا فى منطقتنا العربية.. شكراً سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان وإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى.