بقلم -زاهي حواس
يبدو أننا على أعتاب حقبة جديدة من العمل الأثري في المملكة العربية السعودية، التي تشهد نهضة شاملة، بصورة متسارعة في تنظيم العمل الأثري وتطويره، والاهتمام بكل ما ينتمي لتراث الجزيرة العربية. ولا يزال هناك كثير من المعلومات التي لا يعرفها سوى المتخصصين عن كنوز المملكة من الآثار القديمة، ولذلك فإن الحاجة لا تزال ماسّة لتصوير عدد من البرامج والأفلام الوثائقية عن كنوز المملكة عن طريق شبكات تلفزيونية عالمية لكي يتعرف العالم على جزء مهم من التراث الإنساني.
ومؤخراً وقع بين يدي دراسة جدّ مهمة؛ خرجت في صورة كتاب ضخم قام على تأليفه 14 باحثاً متخصصاً من قسم الآثار في كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود. صدر الكتاب تحت عنوان «كنوز أثرية من دادان... نتائج تنقيبات المواسم السبعة الأولى»، وهو من إصدارات الجمعية السعودية للدراسات الأثرية، ورئيسها الفخري هو الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز. وقد تولى تحرير الكتاب كل من الدكتور سعيد بن فايز السعيد، عميد معهد الملك عبد الله للدراسات والبحوث، والدكتور عبد العزيز بن سعود الغزي، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للدراسات الأثرية. ويبدو الكتاب من خلال عنوانه أنه يحتوي على النشر العلمي لـ7 مواسم من العمل الأثري بموقع مدينة دادان، التي قامت بها البعثة الأثرية من قسم الآثار في جامعة الملك سعود؛ وخرج في صورة 11 مقالاً علمياً منشوراً بالكتاب. ولكن بمجرد تصفح عناوين المقالات العلمية المنشورة بالكتاب نجدها كاشفة لأسرار جزء ضارب في القدم من حضارة المملكة العربية السعودية، ولذلك حتى القارئ غير المتخصص سيجد متعة في مطالعة هذا الكتاب المهم.
وقد علمت من خلال متابعتي لنشرات الأخبار الثقافية أن الكتاب قد نال جائزة الملك عبد العزيز للكتاب في دورتها الأولى في مجال الآثار. وسوف نخصص إن شاء الله سلسلة من المقالات للتعريف بجزء بسيط مما كشفت عنه البحوث العلمية المنشورة في هذا الكتاب، والتي تنوعت مجالاتها بين بحوث خاصة بجغرافية المكان والنشاط العمراني في دادان؛ وأخرى عن الصناعات الفخارية، ومقال عن الأواني الحجرية، وبحث يوثق أعمال الترميمات العلمية بالموقع، وبحث عن العمارة، وآخر عن المجامر، وبحث عن القصر بمدينة دادان.
ودادان لمن لا يعرف، هي مملكة عريقة قامت قديماً في غرب المملكة العربية السعودية، وتشمل مناطق دادان وتيماء وجبل عكمة. ظهرت مملكة دادان، التي تعرف أيضاً باسم لحيان، قبل عام 700 قبل الميلاد، ودامت نحو 9 قرون، شهدت خلالها فترات فورة الحضارة والتقدم وفترات التراجع والتدهور، مثلها مثل الحضارات الإنسانية كافة. واحترفت دادان الزراعة والرعي، لكن شهرة ساكنيها جاءت من التجارة، ولم يكن لديهم كثير من المنتجات ليتاجروا بها، لكنهم عملوا كوسيط مهم في نقل التجارة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى مصر واليونان عبر محطات تجارية وسيطة.