من الاندثار إلى الازدهار ٣

من الاندثار إلى الازدهار (٣)

من الاندثار إلى الازدهار (٣)

 العرب اليوم -

من الاندثار إلى الازدهار ٣

بقلم: دكتور زاهي حواس

قاربت على الانتهاء من قراءة الكتاب الممتع الذى كتبه الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز؛ الرجل الذى أدار العمل الأثرى فى المملكة العربية السعودية لسنوات طويلة، حقق خلالها إنجازات عظيمة، وقد جمع هذه الإنجازات فى كتابه بعنوان «من الاندثار إلى الازدهار: البعد الحضارى للمملكة العربية السعودية».

الأمير سلطان بن سلمان هو واحد من أهم الشخصيات الثقافية فى عالمنا العربى، يتمتع بتواضع كبير، وهو أول عربى يخرج إلى الفضاء. يعرض لنا فى كتابه ملخصًا هامًا للبعد الحضارى للمملكة العربية السعودية، التى تحتضن أهم مدينتين مقدستين وهما مكة المكرمة، حيث يقع بيت الله الحرام، والمدينة المنورة، التى هاجر إليها النبى صلى الله عليه وسلم وعاش ومات بها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن البعد الحضارى للمملكة لم يكن معروفًا على نطاق واسع فى العالم، لذلك كان لابد من تحديده والتعريف به. فالإسلام لم يأتِ إلى أرضٍ خالية من الحضارات؛ بل تأسس على قيم وحضارات ما قبل الإسلام، حيث كانت هناك طرق للحج، وكان هناك اجتماع للتجار وزبائنهم فى سوق عكاظ. والحقيقة أن حضارة المملكة غنية، وأن إرثها الثقافى محفوظ فى آثارها وتراثها، وهو الرابط المرئى بين ماضى المكان وحاضره ومستقبله.

تقع المملكة عند ملتقى عدد من الحضارات والتيارات الثقافية المتقاطعة بين مصر وبلاد الرافدين وفارس. وتثبت الأدلة الأثرية أن الإنسان سكن الجزيرة العربية قبل مليون ومائتى ألف سنة، وترقى فى سلم الحضارة حتى وصل إلى الرقى فى العصر الحجرى الحديث، وأستأنس الخيل قبل تسعة آلاف عام.

وفى بداية الألفية الخامسة قبل الميلاد، كونت شبه الجزيرة العربية علاقات ثقافية واقتصادية تجاوزت حدودها. وبعد ذلك، ازدادت العلاقات مع مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين، وانتهت إلى تأسيس ممالك عظيمة وتطوير مراكز تجارية كبيرة داخل الجزيرة العربية.

يشير الأمير سلطان إلى أنه مع ظهور الإسلام، بدأت حقبة حضارية جديدة فى الجزيرة العربية، وأصبحت مركز اهتمام العالم المتنامى. سواء نظرنا إلى آثار طرق التجارة القديمة أو إلى آثار طرق الحج، فإن أرض المملكة العربية السعودية تبدو دائمًا ملتقى للحضارات وموطنًا للتداول الثقافى والثروات. ويمثل توحد المملكة تحت راية الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة نقطة تحول أخرى فى تاريخ المملكة الحضارى.

ظهر الإسلام فى مكة المكرمة، التى كانت تمثل وقتها قوة اقتصادية فريدة ومركزًا روحيًا وثقافيًا فى الجزيرة العربية، بوجود الكعبة المشرفة التى أعاد بناءها سيدنا إبراهيم قبل ٢٤ قرنًا من دعوة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، لتصبح مقصدًا للحجاج وملتقى القوافل التجارية. وأسهمت مواسم الحج فى ترسيخ مكانة مكة المكرمة كمركز ثقافى واقتصادى.

ومثلت الجزيرة العربية منذ زمن بعيد موقعًا استراتيجيًا من الناحية الاقتصادية، لوقوعها فى قلب الشرق الأدنى القديم. لذا، فإن وفرة الكنوز والموارد الأثرية التى يتم اكتشافها اليوم، ما هى إلا نتيجة لذلك الحراك والنشاط التجارى. حيث جرى نقل السلع والبضائع والمواد الأولية على طرق التجارة آنذاك، كما هو الحال مع النفط اليوم. فكل محطة على طرق التجارة كانت بمثابة بئر نفط.

إن الاكتشافات الكبيرة التى تحققت تظهر مستوى رقيًا من المدنية والأعمال التى وفرت الثروات على نطاق واسع، مما يجعلنا نقول إن الجزيرة العربية كانت غنية بثرواتها، مثل اكتشاف النفط.

ويقول الأمير سلطان إن ازدهار اقتصاد الجزيرة العربية الذى قام فى الماضى على التجارة ونشاط طرق القوافل والنقل التجارى الدولى بين قارات العالم القديم، وصناعة الخدمات المرتبطة بهذا النشاط، لم يكن من الممكن تحقيقه دون المشاركة الفاعلة لسكانها. وأحفاد هؤلاء السكان هم مواطنو المملكة العربية السعودية اليوم، الذين يعيشون مرحلة التحديث ويقومون بتوظيف الثروة لتحقيق التطور.

إنهم بحق أحفاد أولئك الذين مارسوا التجارة مع القوافل الوافدة من كل حدب وصوب، ومنحوها الحماية على مدى التاريخ، مع عزمهم على بناء حضارة عظيمة.

ولذلك، تأتى أهمية هذا البعد الحضارى الذى دفع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطنى، التى كان يرأسها الأمير سلطان بن سلمان، إلى اتخاذ إجراءات هامة لتنمية هذا التراث. وأطلق على هذه المبادرة اسم «البعد الحضارى للمملكة»، وتهدف إلى تحقيق الآتى:

- تقرير الارتباط بين المواطن وموروث وطنه الحضارى وتحقيق المعرفة والتوعية للأجيال بهذه المكونات والاستفادة منها غير مشروعات ملموسة من أرض الواقع.

- إبراز البعد الحضارى بصفته مكونا أصيلا للملكة إلى جانب الأبعاد الرئيسية الأخرى الإسلامية والسياسة والاقتصاد.

- إحداث نقلة لدى المؤسسات العامة والمواطنين فى التعامل مع التراث الحضارى للمملكة وتعزيز المسؤولية الفردية والاجتماعية فى هذا المجال.

- تنمية الشعور بالانتماء إلى تاريخ المملكة وتراثها الإسلامى والحضارى بشكل عام.

- تعزيز موقع المملكة بين الأمم ذات البعد الحضارى على المستوى العالمى.

- نقل المعرفة وبناء قدرات جميع الشركاء فى كل ما يخدم الآثار والمتاحف والتراث العمرانى والتراث الشعبى.

- إعادة الاعتبار للمواقع الأثرية والتراثية بالمحافظة عليها وتأهيلها وتنميتها.

- تطوير مفاهيم جديدة تحقق الانتفاع المتواصل والمستديم من آثار المملكة وتراثها.

- توطين المعرفة وإنتاج التقنية الحديثة فى التوعية والتعريف بالتراث الحضارى وتعزيز الشراكة مع المؤسسات التربوية والإعلامية.

- تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى التراث الحضارى الوطنى.

- وأخيرا تحويل التراث الحضارى إلى مورد اقتصادى ومصدر لفرص العمل وسبيل لزيادة دخل المجتمعات المحلية.

جاءت المبادرة لتكون بمثابة وثيقة عمل للهيئة لإدارة الآثار والمتاحف والتراث العمرانى والحرف والصناعات اليدوية وقد بدأت الهيئة فى تنمية الوعى والاهتمام والاعتزاز بالتراث الوطنى لدى الشباب لكى يحصنوا آثارهم. وبدأوا فى تنفيذ برنامج حماية المواقع الأثرية وتهيئتها لاستقبال الزوار واهتمت فى البداية بالمواقع التى تم تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمى باليونيسكو وهى مدائن صالح والدرعية التاريخية وجدة التاريخية والرسوم الصخرية بمنطقة حائل وواحة الأحساء. وتم تحويل عدد من المواقع الأثرية لتصبح متاحف مفتوحة وإضافة كتب وأفلام عن الموقع لكى يلم الزائر بمعلومات هامة عن تاريخ الموقع وقد حظيت المواقع الإسلامية بالاهتمام الأكبر وخاصة مكة المكرمة والمدينة المنورة وجاء كل ذلك من خلال برنامج عرف باسم برنامج العناية بمواقع التاريخ الإسلامى. وعلى الصعيد الدولى تم تنظيم معارض تطوف بلاد العالم هذه المعارض هى معرض طرق التجارة فى الجزيرة العربية وكان محطته الأولى باريس وبعد ذلك برشلونة بإسبانيا والى روسيا ثم انتقل إلى واشنطن وبعد ذلك تجول فى أربعةمدن أمريكية هى هيوستن، نسبرج، كنساس وسان فرانسسكو وانتقل إلى الصين وكوريا الجنوبية والى اليونان وبعد ذلك إيطاليا. وكان هذا المعرض خير سفير لأثار المملكة.

لقد حظى البعد الحضارى بدعم خاص من الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، ومن الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، وذلك نظرًا للاهتمام الكبير بالتراث الحضارى للمملكة بوصفه مشروعًا استراتيجيًا.

وقد أولى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، اهتمامًا خاصًا بقضايا التراث، وحرص على تطوير النسيج العمرانى للعاصمة الرياض. كما أولى عناية خاصة بالمعالم التاريخية التى شهدت ميلاد الدولة السعودية وتوحيد البلاد.

وقام الملك سلمان، حين كان أميرًا لمنطقة الرياض، بدعم العديد من الأنشطة والفعاليات التراثية فى الرياض والمناطق الأخرى التى تدعم برامج المحافظة على التراث والعناية به. وقد أكد الملك سلمان فى أكثر من مناسبة أن مجد السعودية يكمن فى الاعتزاز بالموروث الحضارى، وأن التراث هو الذى يجسد الماضى ويبنى عليه مستقبل وحضارات الأمم فى الحاضر والمستقبل.

arabstoday

GMT 06:31 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

هل «يتدمشق» الجولاني؟

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جهود بحثية عربية لدراسات الطاقة

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دمشق والسير عكس المتوقع

GMT 06:15 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الاندثار إلى الازدهار ٣ من الاندثار إلى الازدهار ٣



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 العرب اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 16:33 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تحرك عسكري إسرائيلي قريب ضد الحوثيين في اليمن
 العرب اليوم - تحرك عسكري إسرائيلي قريب ضد الحوثيين في اليمن

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 العرب اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:52 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مسلسل "القدر" أول تجربة تركية معربة لقصي خولي
 العرب اليوم - مسلسل "القدر" أول تجربة تركية معربة لقصي خولي

GMT 07:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 العرب اليوم - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 17:47 2024 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 22 فلسطينياً ففي غارات إسرائيلية على قطاع غزة

GMT 18:28 2024 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

استبعاد راشفورد من ديربي مانشستر يثير الجدل حول رحيله

GMT 06:43 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

إيلون ماسك يطرح برنامجًا حديثًا للدردشة بالذكاء الاصطناعي

GMT 11:04 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

الهلال السعودي يفاوض البليهي لتمديد عقده موسمين

GMT 10:04 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

تحسن ملحوظ لليرة السورية أمام الدولار بعد سقوط الأسد

GMT 11:15 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

تأهل السعودية لنهائيات "خليجي 26" شرط مشاركة سالم الدوسري

GMT 06:27 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 4,9 درجة يضرب الجزائر

GMT 17:12 2024 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

توقف العمل في مصفاة نفط رئيسية في ليبيا جراء اشتباكات

GMT 22:25 2024 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية عنيفة على طرطوس غربي سوريا

GMT 06:31 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

مصرع 11 شخصا في جزيرة مايوت الفرنسية بسبب إعصار

GMT 10:59 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

ريال مدريد ينتظر موقف فيرتز النهائي بعد تقارير تجديد عقده

GMT 17:18 2024 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

التضخم في إسرائيل يهبط لأدنى مستوى في 4 أشهر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab