بقلم - زاهي حواس
تعتبر عصور ما قبل التاريخ من الفترات المهملة في الحضارات الإنسانية، إذ إن العلماء يتسابقون بقوة دائماً للبحث في المراحل التاريخية المثبتة، وذلك لأن الاكتشافات التي تخص تلك المراحل مثيرة، ولها مدلول سياحي وثقافي كبير. ورغم ذلك فإن عصر ما قبل التاريخ يجب علينا أن نوليه قدراً من الاهتمام.
وهذا ما يحدث الآن في المملكة العربية السعودية، حيث قامت بعثة سعودية - بريطانية مشتركة بتنفيذ مسح أثري في مواقع ما قبل التاريخ في جزيرة فرسان وسواحل جنوب غربي المملكة، حيث نجحت تلك البعثة خلال مواسم عملها، التي امتدت أكثر من خمس سنوات، في تسجيل 160 موقعاً أثرياً في كافة أنحاء فرسان، وهي تمثل مجموعة من المواقع التي تضم أدوات من العصر الحجري وبعض المنشآت المعمارية وقطعاً فخارية متنوعة. كما عثرت البعثة المشتركة على عينات من الفحم والعظام في طبقات المجسات التي تم تنفيذها، وقامت البعثة أيضاً بدراسة نتائج فحص تلك العينات.
ومن أهم الاكتشافات التي تمت؛ العثور على أربعة كهوف حول جزيرة قماح تحت مستوى سطح البحر، حيث قامت البعثة بتصويرها ورسم التضاريس حول مواقع الكهوف. كما عثرت في محيطها على بعض أدوات العصر الحجري وقطع من حجر البازلت. وهناك أيضاً العديد من النقوش المهمة التي عثر عليها، ومنها نقوش بالخط المسند الجنوبي الذي يعود إلى النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، بالإضافة إلى نقوش أخرى مكتوبة باللغة اللاتينية تعود إلى القرن الثاني الميلادي. وقد تم الكشف أيضاً عن عدد من الظواهر والعناصر المعمارية من حضارات جنوب الجزيرة العربية والحضارة الرومانية.
وقد قامت البعثة بالغطس تحت الماء وتم خلال ذلك إجراء عملية المسح الأثري في المنطقة المقابلة لجزيرة فرسان، وذلك بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية بالمملكة العربية السعودية. وقد هدفت البعثة من جراء تلك الأعمال إلى تفسير البيئة الجيولوجية والجيومورفولوجية والتضاريس التي ربما مثلت مواقع محتملة للاستيطان البشري قبل غمرها بالمياه. كما قامت البعثة بعمل تحاليل ودراسات على العينات المكتشفة من الرواسب الحجرية ونتج عنها العديد من المعلومات حولها.
وتؤكد أعمال المسح الأثري والتنقيب التي حدثت وتحدث في داخل أراضي المملكة العربية السعودية أن هناك حضارات قديمة في عصور ما قبل الإسلام انتشرت في الجزيرة العربية، كما كانت هناك علاقات تجارية مهمة وقوافل عديدة تمر عبر الجزيرة.