بقلم : دكتور زاهي حواس
في عام 1998 قبل الميلاد قام الملك منتوحتب الثالث أحد ملوك الأسرة الحادية عشرة من الدولة الوسطى بحملة تجارية كبيرة إلى بلاد بونت العجيبة التي تحدثنا عنها في المقالات السابقة. اتخذت البعثة التجارية طريق البحر الأحمر وقد نجحت رغم الصعاب والمشاق في العودة إلى مصر محملة بكميات هائلة من البخور والعطور والزيوت النفيسة والتي كانت بالنسبة للمصري القديم أثمن من الذهب. عرفنا أخبار تلك البعثة التجارية من خلال نص مسجل على جدران مقبرة أحد كبار موظفي الدولة في عصر الملك منتوحتب الثالث.
وكان مسؤولاً عن تأمين طريق القوافل في الصحراء الشرقية وتطهير آبارها وتزويد القوافل بكل ما يتعلق بالأمور اللوجيستية بخاصة تلك البعثات التجارية التي تخرج بأوامر من الملك. كان الهدف الرئيسي بالطبع هو جلب المنتجات الثمينة لخدمة المعابد والقصور الملكية؛ وبخاصة بخور أطلق عليه في مصر القديمة اسم «عنتيو». وكان لا غنى عنه في الطقوس الدينية بالمعابد، وكذلك في عمليات التحنيط والطقوس الجنائزية التي تقام على المومياء. ويبدو أن السفن التجارية التي تبحر في البحر الأحمر كانت تعود أدراجها من وإلى نفس الميناء الذي أبحرت منه، والذي يبدو أنه كان غير بعيد من ميناء القصير حالياً.
تعود أهمية بخور العنتيو الذي يتميز عن بقية أصناف البخور الفاخرة، إلى أسطورة مصرية من عصر الدولة الوسطى والمعروفة باسم «الملاح الغريق»، وتحكي عن قصة ملاح غرقت السفينة التي كان يبحر عليها مع رفاقه، فوجد نفسه ملقى على جزيرة وسط المياه وعليها كائن أسطوري في هيئة ثعبان عملاق جسده من الذهب والزبرجد. بدأ الكائن الأسطوري يسأل الملاح، والأخير يرد عليه ثم بدأ الثعبان يقص عليه قصة المكان. وكيف أن رفاقه الذين عاشوا معه على الجزيرة قد ماتوا بسبب صاعقة سقطت عليهم من السماء، ونجا هو وحده. وقد قام هذا الثعبان بحماية الملاح الغريق حتى جاءت سفينة وحملته إلى مصر مرة أخرى. وقد أهداه الكائن الأسطوري كل خيرات الجزيرة من أفخر أنواع العطور والزيوت واللبان المر.
لقد كان هناك نشاط واضح خلال عصر الدولة الوسطى، وبخاصة الأسرة الثانية عشرة التي أرسلت العديد من الرحلات إلى بلاد بونت، وكانت تسلك طريقاً برياً عبر الصحراء الشرقية من وادي جواسيس إلى ميناء «ساوو». حيث أرسل الملك أمنمحات الثاني رحلة تجارية إلى بلاد بونت. لكنها تعرضت لريح عاتية ويبدو أنهم هلكوا جميعاً. وفي مقبرة خنوم حوتب الثاني منظر فريد يؤكد على وجود نوع آخر من العلاقات التجارية مع شبه الجزيرة العربية في آسيا، التي أطلق المصريون على حكامها لقب «عامو»، الذي يشير إلى الآسيويين بصفة عامة. تشير النصوص وحوليات الحملات إلى أن الكحل الأسود كان من ضمن الهدايا الثمينة التي كانت تأتي من آسيا، أما المنظر المصور على جدران مقبرة خنوم حوتب فيظهر 37 شخصاً من الرجال والنساء والأطفال يرتدون الملابس المزركشة، وزعيمهم يدعى «إبشا»، وقد حاول البعض أن يثبت أن إبشا هو أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ولكن من دون دليل دامغ على ذلك.