بقلم - زاهي حواس
قامت البعثة العلمية بقسم الآثار بكلية الآداب والفنون بجامعة حائل بعدد من التنقيبات الأثرية بموقع فيد التاريخي الذي يقع إلى الجنوب الشرقي من منطقة حائل بالمملكة العربية السعودية. وقد أدت هذه التنقيبات العلمية إلى تحقيق عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة التي تضيف إلى معلوماتنا عن تاريخ موقع فيد وأهميته الحضارية. ولعل من أهم ما تحقق من اكتشافات بالموقع هو الكشف عن آثار المنطقة السكنية التي يرجع تاريخها إلى العصر الإسلامي المبكر خلال العهد العباسي. ويبدو من حجم الموقع الأثري أن العمل به سيستمر لسنوات، وبكل تأكيد ستؤدي هذه الجهود إلى إعادة كتابة تاريخ المنطقة الأثرية. وقد توقفت عند أخبار الكشف عن بقايا أحد أكبر المساجد الجامعة من العصر المبكر، ولا يزال كثير من عناصره المعمارية باقية وتعطي صورة واضحة عن عمارة الجامع الذي يقع بمنطقة القلعة خارج الحصن الذي يعرف محلياً باسم قصر خراش.
وقد تم تحقيق كثير من الاكتشافات في منطقة الحصن؛ منها الكشف عن الأجزاء العلوية من القلعة، والكشف عن دعامات نصف دائرية للسور الداخلي الجنوبي للحصن ومجموعة من عناصر معمارية ملاصقة للسور الجنوبي التي اتضح أنها منطقة خدمية للحصن، وذلك من خلال الكشف عن أفران وحمامات وخزانات مياه وأحواض متصلة بقنوات مائية؛ الأمر الذي يؤكد كونها المنطقة الخدمية للحصن. وقد اتضح بعد دراسة المسجد الذي عثر عليه أنه تم بناؤه من حجر الحرة المعشق بالحجر الرملي أصفر اللون. كذلك تم الكشف عن أن بناء المسجد قد مر بعدة مراحل، وذلك من خلال أشكال الأعمدة والقواعد المشكلة للأروقة، وكان استخدامه لعامة الناس من خارج الحصن من المسافرين والحجاج.
وقد اتضح من خلال دراسة القلعة أنها تمثل أضخم المنشآت المعمارية بالموقع؛ وتبين أنها مبنية بالكامل من حجر الحرة البركاني؛ وتحتوي القلعة على برجين في الجهة الغربية. وكان من أهم اكتشافات البعثة الأثرية بالموقع هو الكشف عن موقع المدافن في الجهة الغربية من السور الجنوبي والذي بني ليحيط بهذه المدافن التي استخدمت جبانة للحصن، بالإضافة إلى استخدامها في دفن موتى الحجاج وعابري السبيل من تجار وحرفيين.
وكان من الطبيعي أن يتم الكشف عن عدد كبير من أدوات الحياة اليومية، وكذلك بعض من أغراض الحياة والعمل بالموقع إلى جانب العملات الأثرية القيمة، ومنها دينار من الذهب ضرب في العصر العباسي. ولعل ما تقوم به بعثة جامعة حائل من أعمال ترميم وإعادة تأهيل للموقع، تمهيداً لافتتاحه للزيارة ووضعه على خريطة السياحة هو من الأمور التي تستحق تسليط الضوء عليها، حيث يقوم فريق من المرممين على مستوى راقٍ من العلم والمهارة بترميم الآثار المكتشفة؛ بالإضافة إلى قيام الأثريين بعمل مسارات للزيارة ولوحات إرشادية باللغتين العربية والإنجليزية للتعريف بتاريخ وآثار فيد، بالإضافة الى تدريب العاملين بالموقع على أعمال الإرشاد والتعريف بالمكان. ليس المهم دائماً هو الكشف عن الآثار، ولكن الأهم هو القدرة على الحفاظ على الآثار المكتشفة للأجيال القادمة. هناك نهضة أثرية واضحة بالمملكة العربية السعودية أصبحت محط أنظار العالم كله، ولعل ما قامت به المملكة في السنوات السابقة وما يتم من أعمال حفظ وصيانة وتطوير للمناطق الأثرية بالمملكة هو جزء من رؤيتها للمستقبل والحرص على الحفاظ على التراث الأثري للمملكة العربية السعودية.