ما زالت السرقات العلمية مستمرة

ما زالت السرقات العلمية مستمرة

ما زالت السرقات العلمية مستمرة

 العرب اليوم -

ما زالت السرقات العلمية مستمرة

بقلم - زاهي حواس

مما لا شك فيه أن السرقات العلمية هى من أبشع الجرائم، لأنها تسرق مجهود علماء ضحوا بأشياء كثيرة وأمضوا سنوات من العمل المضنى لتحقيق نتائج علمية تفيد الإنسانية، وبعد كل هذا يأتى شخص أو جهة ما لتحتال وتنسب له- أو لها- نتائج علمية دون وجه حق. لقد فوجئنا بالإعلان عن مقال نشر فى مجلة علمية مهمة، وقبل أن تقوم هذه المجلة بالنشر أرسلت ملخص المقال إلى العديد من الصحف العالمية، وجاء فى العنوان «اكتشاف جديد يحل لغز بناء الأهرامات». وللأسف الشديد لا يوجد فى المقال أى إشارة إلى بناء الأهرامات.

تم نشر المقال ونسبه إلى مجموعة كبيرة من الأسماء لمصريين وأجانب، وملخصه أن الأهرامات المصرية بنيت جميعها على امتداد فرع نهر مهجور الآن. والحقيقة- مع احترامى لكل الأسماء التى نسب لها المال وما قيل عنه الكشف المذهل، لم أجد واحدًا منهم متخصصًا فى تاريخ وآثار الدولة القديمة، وأعرف منهم فقط سوزان ونستينى، وهى عالمة آثار، لكنها بعيدة تمامًا عن الدولة القديمة، وأعتقد أن المقالة التى نشر فيها هذا البحث كان يجب أن تقوم بإرساله إلى العلماء المتخصصين فى الدولة القديمة وعصر بناء الأهرامات لمراجعته.

‏كان لابد أن أقوم- ومعى العالم مارك لينر، وهو من المتخصصين القلائل فى الجيزة وآثارها، وقد قمت معه بكتابة ‏كتاب مهم نشر باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية بعنوان الجيزة والأهرامات. كذلك فلكل منا الكثير من المقالات والأبحاث العلمية المنشورة فى مجال الأهرامات- بالتدخل ونشر بيان أرسل إلى جميع الصحف العالمية والمحلية، نوضح فيه كثيرًا من الأخطاء التى وردت فى المقال المشار إليه عاليه. يزعم أصحاب الكشف المزعوم أنه لا يوجد من يعرف سبب بناء الأهرامات فى أماكنها الحالية؟!، فى حين أن أى طالب مبتدئ فى علم المصريات يعرف لماذا تتركز الأهرامات المصرية على طول الحافة الغربية لصحراء وادى النيل بين مدخل الفيوم وقمة الدلتا. ونحن نعرف أنه خلال عصر الدولة القديمة والدولة الوسطى كانت هذه المنطقة من وادى النيل هى منطقة العاصمة لمصر، مع وجود مركزها فى منف، العاصمة، التى ربطت بين القطرين- مصر العليا الوادى، ومصر السفلى الدلتا- ولذلك كما قلت يمكن لأى طالب فى السنة الأولى بكلية الآثار معرفة أن الغرب- حيث تغرب الشمس- كان يمثل الجانب التقليدى لدفن الموتى. وأن الأهرامات انتشرت جنوبًا وشمالًا من منف كعلامات بارزة للمقابر ومدن الموتى، ولذلك نجد أنه من الخطأ القول فى هذا المقال إنه لم يتم تقديم تفسير مقنع إلى الآن لسبب تركز الأهرامات فى هذه المنطقة المحددة. وهناك سبب آخر يجب معرفته، بالإضافة إلى السبب الدينى لوجود هذه الأهرامات غرب النيل، حيث توجد مملكة الموتى، وهو سبب عملى يتلخص فى البحث عن هضبة صخرية تتوافر بها الأحجار الجيرية التى يستعملها المصريون القدماء لبناء الأهرامات. لذلك انتقلت عملية البناء من أبو رواش شمالًا حتى اللشت جنوبًا.

‏أما النقطة المهمة، بل والمحورية، فهى ادعاء مؤلفى المقال اكتشافهم أن بناء سلسلة الأهرامات المصرية تم على طول فرع نهر من النيل حاليًا مهجور بعد أن تم ردمه!. وفى الحقيقة هذا ليس بالكشف الجديد، فكل علماء المصريات- بل والطلبة كذلك- يعرفون أن العلماء المتخصصين فى الأهرامات أثبتوا، منذ أكثر من قرن، أن هناك فرعًا غربيًا تم حفره إلى جوار النهر الحالى، وأن هذا النهر كان متصلًا بعدد من القنوات المائية التى تنتهى بموانئ أمام معابد الوادى، وذلك لنقل (اللوجيستيات) من أحجار ومواد لازمة لبناء الأهرامات. لذلك فليس هناك كشف جديد لنهر سرى، لأنه قبل 53 عامًا جاء عالم المصريات الفرنسى جويون وحدثنا عن فرع النيل الغربى الذى قطع من نهر النيل ويرتبط بقنوات وموانئ أمام معابد الوادى. بل وحدد لنا جويون هذا الفرع الذى يوجد على الخرائط الآن باسم بحر اللبينى، ونشر هذا المقال عام 1971، بل وهناك دراسات نشرها ريتشارد لوكوك عن خليج الهرم، وعن قناة الهرم التى تتوافق مع ما ذكره جويون مع القناة الغربية أو قناة اللبينى. بل يفهم من كتابات مؤرخين عرب وجود فرع قديم إلى الغرب من نهر النيل. بل قام المؤلف جيفريز عام 2010 واستعرض لنا المراجع التاريخية للفكرة نفسها، والتى يقترحها مؤلفو المقال المشار إليه، والذى نشر هذا العام.

‏كتب المؤلفون أيضًا «العديد من الأهرامات التى تعود إلى عصر الدولتين القديمة والوسطى، لها ممرات تؤدى إلى فرع النيل (المردوم حاليًا)، وتنتهى عند معابد الوادى، التى قد تكون وظفت كمرافئ نهرية على طول فرع النهر فى الماضى». ولأكثر من قرن من الزمان درس علماء المصريات فرضية أن المصريين القدماء، فى عصر الدولة القديمة، قاموا بحفر مرافئ فى نهاية ممرات الأهرامات، أمام معابد الوادى فى الخلجان الطبيعية، مثل خليج أبو صير، وعند مداخل الوديان، مثل حوض الملكة خنتكاوس، والتى بنت هرمها بالجيزة، والذى يقع فى فم الوادى المركزى فى الجيزة، أو حتى أبعد غربًا، مثل ذلك الحوض الذى يقع فى الوادى الجنوبى فى دهشور.

‏من الغريب أنهم تناسوا الإشارة إلى الموانئ التى تم كشفها أمام الأهرامات، حيث قمت بالكشف عن ميناء الملك خوفو، وذلك عندما قام بعض الأهالى ببناء منازل لهم فى نزلة السمان، وظهر أثناء حفر الأساسات أسوار من البازلت، تم إيقاف المبانى وحفر المنطقة، واتضح أن هذا هو مكان مدينة الملك خوفو، وكذلك قمنا بالحفر أمام معبد أبو الهول، وعثرت أنا ومارك لينر على ميناء الملك خفرع. وقد قمت بنشر أكثر من مقال علمى فى هذا الموضوع عام 1997، وكذلك عام 2005. كما نشر مارك لينر عام 2020 مقالًا فى هذا الشأن. لقد ناقش علماء المصريات، على مدار أكثر من قرن مضى، فكرة أن هذه الأحواض قد نقلت مياه النيل أو على الأقل خلال فترة الفيضان.

يؤكد ذلك أن مؤلفى مقال النهر المكتشف حديثًا- حسب زعمهم- إما غير مدركين للمناقشات والأبحاث المنشورة بالكامل حول الموضوع، أو أنهم يتجاهلون عن عمد كل ما ينفى أنهم لم يأتوا بجديد، ولم يحققوا أى كشف جديد!، يكاد يتفق كل علماء المصريات على فكرة أن البحر اللبينى هو بقايا قناة تقع إلى غرب النيل الحالى، تم قطعها خلال عصر الدولة القديمة، وخاصة الأسرة الرابعة.

‏وجاء فى مقال الكشف المزعوم أن فرع الأهرامات لعب دورًا فى بناء الأهرامات، وكان نشطًا فى نفس الوقت، حيث استخدم كممر مائى لنقل العمال ومواد البناء إلى مواقع الأهرامات!. مرة أخرى هذه ليست فكرة أو نتيجة جديدة. إن هناك كشفًا أثريًا تم منذ سنوات، وتحديدًا فى ٢٠١٣، يوضح ويؤكد أن هؤلاء المؤلفين بعيدون تمامًا عن الاطلاع على كل ما هو جديد فى علم المصريات، وتحديدًا عن الأهرامات. والكشف هو عبارة عن برديات تعرف باسم «برديات وادى الجرف»، والتى عثر عليها فى ميناء على البحر الأحمر بوادى الجرف. هذا الميناء كان يستعمله الملك خوفو للقوافل التجارية البحرية وعمال التعدين، وداخل المخازن المجاورة للميناء تم العثور على هذه البرديات التى ترجع إلى عصر الملك خوفو. وتتضمن بردية وادى الجرف وثائق مهمة جدًا لو قرأها مؤلفو مقال «الكشف عن فرع النهر المردوم» لما كتبوا مقالهم!. بردية وادى الجرف عبارة عن يوميات أو تقارير لرجل يدعى «مرر»، الذى قاد فرقة عمال تتكون من 40 عاملًا لقطع الحجر الجيرى الجيد من محاجر طرة التى تقع شرق النيل، ويتم نقله إلى الجيزة لبناء هرم الملك خوفو. وتشير يوميات مرر إلى أن رئيسه المباشر كان اسمه دى دى، وقد عثرنا على مقبرة هذا الرجل غرب هرم الملك خوفو. وأهم ما يشير إليه مرر، ويجب أن يعرفه مؤلفو الكشف المزعوم، هو أن مرر أوضح لنا فى يومياته الطريق النهرى الذى سلكه إلى الجيزة من طرة. وأكد مكتشف البردية، بيير تاليت، أن البحر اللبينى هو علامة على فرع غربى تم قطعه بجوار النيل، وأشار إلى المسارات الجنوبية التى أخذها مرر ورجاله إلى الجيزة، وتم نشر كل هذا عام 2017. وهذه البردية تشير إلى أن العمال كانوا يقومون بقطع الأحجار، ثم ينقلونها إلى مراكب ضخمة، وهذه المراكب كانت تقع داخل هذا النهر. وبعد ذلك يذهب مرر ورجاله على القارب حتى يصل إلى ميناء الملك خوفو، الذى قمنا بكشفه، ويقضون ليلتهم فى الجيزة، وفى اليوم التالى يستأنفون سيرهم بالمراكب مرة أخرى من الجيزة إلى طرة. وظل مرر يشرح لنا العديد من الموضوعات المهمة التى تخص بناء الهرم. ولذلك يبدو واضحًا أن المؤلفين غير مدركين لهذه المعلومات الجديدة، والتى لو تمت قراءتها لما نشروا مقالهم الغريب هذا.

‏لقد استخدموا صور الرادار ذى الفتحة الاصطناعية وبيانات الارتفاع عالية الدقة لسهل فيضان النيل وحواف الصحراء، لإبراز القناة الغربية على طول اللبينى (EMT) ورادار اختراق الأرض (GPR) والتصوير المقطعى الكهرومغناطيسى على طول مقطع بطول 1.2 كم، للكشف عن «قناة نهر مخفية تقع على عمق 1-1.5 متر تحت سهل فيضان النيل المزروع. يتطابق موقع وشكل هذه القناة النهرية تمامًا مع تلك المأخوذة من صور الأقمار الصناعية الرادارية لفرع الأهرامات»، أى فرع اللبينى الذى تناسوه تمامًا.

‏إن رسوماتهم لأبعاد القناة الغربية للنيل هى صورة مطابقة لما أشرنا إليه فى مجلة الجمعية الجغرافية عام 1995، والتى قامت بعمل صور بناء على معلومات من كاتب هذا المقال، ومن مارك لينر، وتشير المجلة إلى موانئ الأهرامات وارتباطها بفرع غرب النيل، وقمنا برقمنة خرائط وزارة الإسكان والتعمير لعام 1977. التى تحتوى على خطوط ارتفاع بفواصل متر واحد للصحراء وسهل الفيضان من شمال إلى جنوب القاهرة، وقامت المجلة الأمريكية بتحسين التضاريس بتكبير العمودى وإسقاط إعادة بناء ثلاثية الأبعاد، وهى تشبه كثيرًا ما نشره هؤلاء المؤلفون، بالإضافة إلى نموذج مقياس للحوض العميق الذى يشير إلى قناة نيل غربية قديمة. ولذلك فإن الاكتشاف الجديد المزعوم تم بالفعل نشره من قبل عام 1995

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما زالت السرقات العلمية مستمرة ما زالت السرقات العلمية مستمرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab