بقلم: دكتور زاهي حواس
تحدثنا في المقال السابق عن أهمية الفنون والنقوش الصخرية بموقع جبة، الواقع في عمق صحراء النفود بالمملكة العربية السعودية. واليوم نتعرض لموضوع الفنون والنقوش الصخرية التي تم توثيقها من قبل خبراء هيئة التراث بالمملكة، والتي عُثر عليها على واجهات الصخر بجبلي المنجور وراط بمنطقة الشويمس التي تقع في الجنوب الغربي من منطقة حائل، إلى الشمال الغربي بمسافة 50 كم.
يُعد جبلا المنجور وراط إلى الغرب من قرية الشويمس بنحو 35 كم، من أغنى المواقع الأثرية بالفنون الصخرية، ليس في المملكة العربية فحسب، بل في الجزيرة العربية كلها، وهي أيضاً أحد أهم المواقع العالمية التي تحمل سجلاً رائعاً من الفنون والنقوش الصخرية، وتقارَن بمواقع شهيرة في أستراليا، وأخرى عالمية بشمال أفريقيا، وخاصة تلك الموجودة بصحراء المغرب.
تؤكد الدراسات البيئية بالشويمس أن جبلي المنجور وراط خلال العصر الحجري الحديث، كانا يحدان وادياً خصباً مياهه متدفقة، تنمو حول جوانبه الأشجار والنباتات المختلفة، وبالتالي كانت المياه والنباتات مصدر جذب للحيوانات، ومع توافر الحيوانات والنباتات والفواكه البرية، لم يكن من الغريب أن يصبح موقع الشويمس من المواقع الجاذبة للاستيطان البشري، فكانت الحيوانات والفواكه البرية مصدر غذاء لجماعات الصيادين وجامعي الطعام الذين تركوا ثقافاتهم في المنطقة.
وموقع المنجور وراط عبارة عن مرتفعات من الحجر الرملي، تضم واجهاتها وواجهات الأحجار المتساقطة حولها، الكثير من اللوحات الفنية الرائعة، وهي في مجملها عناصر لأشكال آدمية مكتملة، تظهر أحياناً منفردة أو مصاحبة لأشكال حيوانية (كلاب) برؤوس بيضاوية، أو على هيئة رؤوس الطيور في مناظر تصور عملية الصيد، وكذلك أشكال حيوانية (أسود – فهود – حمير – وعول – كلاب – أبقار ذات قرون طويلة)، نُحتت جميعاً بطريقة الكشط أو النقر أو الحفر، وبالحجم الطبيعي تقريباً، وبأسلوب ينم عن مهارة فائقة لدى فنان تلك الفترة، وبطريقة تثير الدهشة والإعجاب بما وصل إليه من مهارة في أعمال فن النحت الصخري.
ومن أهم ما يميز موقع الشويمس عن غيره من مواقع الفنون الصخرية الأخرى بالمنطقة، هو الدقة في تنفيذ العناصر الفنية، كذلك فإن بعض الواجهات الفنية تشير بوضوح إلى الوقت الطويل الذي أمضاه الفنان القديم من أجل تنفيذها، إلى جانب المجهود الضخم المبذول في تنفيذ تلك الأعمال الفنية الباهرة. ويصل ارتفاع بعض الواجهات الإفريزية بديعة النحت إلى نحو 12 متراً، وتضم عناصر لأشكال آدمية وحيوانية، وأخرى هندسية، وكذلك هناك نقوش غائرة لأقدام آدمية (رجال – أطفال)، وعناصر لأشكال حيوانية منحوتة بشكل جميل على سطح أحد الأحجار الموجود بالقرب من مدخل أحد الكهوف الذي يضم سقفه مجموعة من الأشكـال الهندسيـة المنحوتة بأسلوب فني بديع.
وإلى جانب الفنون والنقوش الصخرية، أسفر المسح الأثري الشامل لجبلي المنجور وراط عن اكتشاف عدد من المنشآت، وكذلك الأدوات الحجرية التي تخص الجماعات البشرية التي استوطنت المكان؛ إذ تشير الدراسات العلمية إلى أن هذا العدد الهائل من الفنون الصخرية وما حولها من منشآت وأدوات حجرية، يعكس ثقافات جماعات بشرية استقرت في المنطقة خلال فترة زمنية تتراوح بين 12 ألفاً و10 آلاف سنة، وهذه فترة استيطان بشري كبيرة تؤكد على ثبات للأحوال المناخية والبيئية بالمنطقة التي ساهمت في استقرار الجماعات البشرية.