بقلم - دكتور زاهي حواس
قمت الشهر الماضى بزيارة ثلاث جواهر نفيسة فى مصر: المتحف المصرى الكبير، أهم مشروع ثقافى فى القرن الواحد العشرين، والمتحف المصرى بميدان التحرير، أول عمارة يتم بناؤها لتكون متحفاً لكنوز مصر، ليصبح المبنى الوحيد بالعالم الذى لا يقدر بكل ذهب الأرض، وأخيراً المتحف المصرى للحضارة بالفسطاط أو ما يعرف ببيت المومياوات الملكية.
ملحمة بناء المتاحف الثلاثة داخل القاهرة الكبرى، وهى المتحف الكبير على مشارف الأهرامات ومتحف الحضارة بالفسطاط، ويسبقهما المتحف المصرى بميدان الإسماعيلية (التحرير الآن)، هى ملحمة يجب أن تسجل كجزء من التاريخ المصرى. ومن المهم أن نُعرف الناس بمستقبل المتحف المصرى بعد بناء متحفى الحضارة والمصرى الكبير. لقد كانت بحق سيمفونية وطنية عظيمة قادها الفنان العظيم والصديق فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق. وسوف يسجل التاريخ أننى كنت الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار وقتها، وعملت مع هذا الرجل من خلال رؤية وطنية للمستقبل. وكان هناك إنجاز يومى وعمل محترم أدى إلى بناء أكثر من ٢٠ متحفا داخل مصر فى مختلف محافظاتها، نذكر منها متحف المجوهرات بالإسكندرية، ومتحف رشيد، ومتحف شرم الشيخ، ومتحف كفر الشيخ، ومتحف العريش، وتطوير المتحف القبطى، والمتحف الإسلامى، وبناء متحف السجاد، والمتحف الأتونى بالمنيا، وتوسعة وتطوير متحف الأقصر، ومتحف التحنيط، ومتحف التماسيح، ومتحف النوبة، ولكن أضخم هذه المتاحف هو المتحف المصرى الكبير، كذلك متحف الحضارة الذى بنى بناء على الشراكة مع اليونسكو. وكان هناك تفكير فى بناء متحف تحت الماء، ولذلك أرسلنا معرضاً للآثار الغارقة لكى يطوف بلاد العالم، ومن خلال هذه الجولة نتمكن من بناء متحف للآثار الغارقة، والذى تم عمل كل ما يخص المشروع من تصاميم معمارية ودراسات بيئية وأثرية ولا يزال حبيس الأدراج بقطاع المتاحف.
جاءت زيارتى للمتحف المصرى بالتحرير عندما أخبرنى الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار الأسبق، أن هناك حفلا سوف يقام فى المتحف المصرى تكريماً للأستاذة صباح عبد الرازق، مدير المتحف المصرى، بمناسبة بلوغها سن المعاش بعد عطاء مخلص للمتحف المصرى طوال ما يقرب من أربعين سنة. وبلا تردد رحبت بهذه الدعوة لأن لصباح معزّة خاصة لدى ولدى كل العاملين بالآثار. وعندما ذهبت يوم الحفل وجدت فعلا حب الناس لهذه الأثرية الخلوقة، وكانت الدكتورة فايزة هيكل، أستاذة الآثار بالجامعة الأمريكية، والدكتور محمد صالح، مدير المتحف المصرى السابق، ضمن الحضور، وكذلك وزراء الآثار السابقون، وهم الدكتور ممدوح الدماطى والدكتور خالد العنانى. ومن الذين حضروا كذلك العميد أشرف دياب، قائد حرس المتحف المصرى، وكذلك مدير المتحف المصرى الجديد، الدكتور على عبد الحليم القادم من جامعة عين شمس.
وفى كلمتى أثناء تكريم الأستاذة صباح عبد الرازق قلت إنها مثل كنوز المتحف حبيسة مخازن المتحف التى لا يراها أحد!، ولكننا اكتشفنا صباح عندما قمت بتعيينها للإشراف على مشروع تطوير بدروم المتحف الذى يضم كنوزاً غير معروفة. وقد عملت بإخلاص شديد واعتبرت البدروم هو أسرتها وحياتها وسجلت آثاره، وكانت تعرف مكان كل قطعة أثرية فيه. وأجمل شىء عندما كنت أحضر لزيارة البدروم أثناء عملية التطوير وأجد صباح تقابلنى بصمت وابتسامة جميلة. لقد أظهرت قدرتها على قيادة المتحف بهدوء شديد وأمانة. وتحدث عنها خلال حفل التكريم الدكتور الدماطى والدكتور العنانى والدكتور عبد الحليم، مدير المتحف الجديد، الذى أشار إلى أنه سوف يستعين بخبرة الأستاذة صباح. وقد أخبرته فى كلمتى بأنه لو أراد النجاح فعليه أن يستعين بخبرة هذه الأثرية العظيمة، وقدم لها العميد أشرف دياب هدية تذكارية تكريماً لها.
بعد انتهاء حفل التكريم طلب منى الدكتور حسن سليم، أستاذ الآثار بجامعة عين شمس، والمشرف على تطوير العرض المتحفى، زيارة قاعات العرض بعد تطويرها بالمتحف، وفوجئت بأننى أشاهد آثار الدولة القديمة وكأننى أراها للمرة الأولى!. عرض متحفى مبهر وجذاب تم فيه وضع تمثال الملك زوسر فى مكان مميز ومن خلفه حائط القرميط الأخضر الجميل الذى عثر عليه داخل سراديب هرمه المدرج بسقارة. وفى قاعة الدولة القديمة تجد تمثال خفرع وقد سلطت الإضاءة لأول مرة على الصقر حورس الذى يحتضن بجناحيه رأس الملك خفرع من الخلف. وقد فوجئت بوجود منطقة مخصصة لعرض لوحات حسى رع ولكن العمل متوقف بها!، وطلبت من الدكتور مصطفى وزيرى، الأمين العام، أن يذهب إلى المتحف لكى يحرك العمل ويساعد الدكتور حسن سليم والدكتور محمود مبروك على الإبداع وتنظيم كل قاعات المتحف.
إن تطوير العرض المتحفى بالمتحف المصرى يجعلنى أعود إلى الرؤية التى قررتها قبل بناء المتحف المصرى الكبير ومتحف الحضارة، فقد اتفقنا أن النجم الذى سوف يجعل المتحف المصرى الكبير أيقونة عالمية هو عرض كنوز الملك توت عنخ آمون بالكامل بهذا المتحف ولأول مرة، حيث لم يكن يعرض من تلك الكنوز سوى ثلثها تقريباً بالمتحف المصرى بالتحرير. ومما لا شك فيه أن وجود كنوز توت عنخ آمون بالمتحف الكبير ستجعل كل زائر يأتى إلى مصر يقوم بزيارة المتحف الكبير، وهناك اهتمام عالمى واضح بهذا المتحف، والسؤال الذى أواجهه خلال سفرياتى لبلدان العالم المختلفة هو متى يفتتح المتحف المصرى الكبير؟، والحقيقة أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يتابع العمل فى المتحف المصرى الكبير بنفسه، وتصله تقارير أسبوعية عن تطور العمل بهذا المشروع الثقافى العالمى. وقد طلب الرئيس تطوير المنطقة الواقعة بين أهرامات الجيزة والمتحف، وحالياً يتم العمل على أعلى مستوى، وكذلك تطوير وافتتاح منطقة الهرم فى نفس وقت افتتاح المتحف والانتهاء من مطار سفنكس الجديد لكى تتبلور رؤية الرئيس للمشروع الكامل، ويستطيع السائح أن يصل عن طريق مطار سفنكس وقضاء أسبوع لزيارة المتاحف والمواقع الأثرية والاستمتاع بعظمة مصر وحضارتها.
أما متحف الحضارة، والذى يحكى قصة الحضارة المصرية على مر العصور، فكانت رؤيتنا هى ضرورة نقل وعرض المومياوات الملكية به لكى تصبح أيقونة المتحف. ولا زلت أذكر يوم أن قمت بعرض هذه الرؤية فى اجتماع مهم يضم الدكتور محمود مبروك والخبير اليابانى المتخصص فى العرض المتحفى، وقد أكدت خلال هذا الاجتماع أننا لو لم نعرض المومياوات الملكية بمتحف الحضارة فلن يزوره أحد. وتم بالفعل العمل على تجهيز المومياوات ووضع خطط النقل، وأتمنى أن يتم تنفيذ سيناريو العرض الذى وضع ليحكى قصة الحضارة المصرية عبر العصور، حيث لا يزال المتحف وإلى يومنا هذا قيد الاستكمال.
لقد نجح الدكتور أحمد غنيم، مدير متحف الحضارة، فى جعل المتحف منارة ثقافية، واستطاع مد جسور التواصل بين المتحف ومختلف ألوان الفنون حتى أصبح قبلة للمعارض المؤقتة والفعاليات الفنية والثقافية. ومن الضرورى إثراء برنامج المحاضرات العلمية بالمتحف وجذب قطاعات عديدة من المثقفين وطلبة العلم من كل مكان بمصر.
أما عن زيارتى الأخيرة للمتحف المصرى الكبير فقد جاءت بدعوة من اللواء عاطف مفتاح، المشرف العام على المتحف الكبير، والدكتور الطيب عباس، مساعد الوزير لشؤون الآثار بالمتحف، وكذلك السيدة ميريت السيد، الرئيس التنفيذى للمجموعة المشرفة على التشغيل بالمتحف، من خلال شركة حسن علام. وخلال الزيارة تم عرض ومناقشة تشغيل كل ما هو متصل بمنطقة المطاعم والمحال وغيرها. وعندما وصلت إلى المتحف انبهرت من بعيد وأنا أشاهد تمثال الملك رمسيس الثانى واقفاً بشموخ وعظمة فى بهو مدخل المتحف. وتذكرت عملية نقل هذا التمثال الذى اشترك معنا فيها المهندس العظيم إبراهيم محلب، حينما كان يقود شركة المقاولون العرب. لقد كانت بالفعل ثلاث سنوات من العمل الجاد لنقل تمثال رمسيس من محطة مصر فى الساعة الواحدة ليلا ليصل إلى منطقة المتحف فى السابعة صباحا. بعدها بسنوات قام الدكتور خالد العنانى والدكتور مصطفى وزيرى بنقله من موضعه الذى يبعد عن مدخل المتحف بحوالى ٥٠٠ متر فقط ليستقر فى مكانه الحالى بالمتحف.
وأثناء الزيارة صحبنى الدكتور الطيب عباس لزيارة متحف مراكب الملك خوفو الجديد بجوار المتحف الكبير وبه سوف يتم عرض مركب الملك خوفو التى نقلت من منطقة الهرم، وكذلك المركب الآخر للملك والذى يرممه حاليا فريق مصرى- يابانى وسوف تعرض بعد ثلاث سنوات من الآن. يجب الإشادة بالجهود العظيمة والتطوير الملحوظ للمنظومة الهندسية التى يقودها اللواء عاطف مفتاح، والتى نجحت فى نقل المركبين وهذا موضوع يحتاج إلى مقال آخر. لقد ذهبت مع السيدة ميريت فى جولة لأشاهد بيت الهدايا التذكارية الخاص بالمتحف، أو ما يعرف بالبازار الرسمى للمتحف المصرى الكبير. وحقيقة فأنا لم أشاهد له مثيلا فى أى متحف عالمى بأى دولة بالعالم- عرض كتب ومقتنيات من ملابس وغيرها من المنتجات التى يرغب كل زائر فى اقتنائها، إضافة إلى وجود مطاعم وكافتيريات ومنطقة خدمات توفر كل شىء وتجعل زيارة المتحف حلما لكل إنسان فى العالم.