واحة سيوة سر زيارة الإسكندر الأكبر

واحة سيوة.. سر زيارة الإسكندر الأكبر!

واحة سيوة.. سر زيارة الإسكندر الأكبر!

 العرب اليوم -

واحة سيوة سر زيارة الإسكندر الأكبر

بقلم - دكتور زاهي حواس

سيوة هي الجنة المفقودة.. سحرها وجمالها لا مثيل له في أي مكان آخر في العالم. من الصعب وصف سيوة بالكلمات لمَن لا يعرفها، ويكفى أن نجومًا ومشاهير من كل مكان بالعالم وقعوا في عشق هذه الواحة الواقعة في قلب صحراء مصر الغربية، وعلى رأسهم الملك تشارلز، ملك إنجلترا.

ومن عشاق سيوة صديقى، خبير البيئة العالمى، منير نعمة الله، الذي ترجم هذا العشق، واستطاع أن يحافظ على الطراز المعمارى للواحة، وأن يسهم بشكل كبير في مشروع ترميم قرية شالى القديمة. ولعل من أجمل ما قام به في سيوة هو إنشاء أول فندق صديق للبيئة، يوفر فرصة ذهبية للمقيمين به للاستمتاع بجمال الطبيعة بعيدًا عن صخب المدينة. لا يزال لدى منير نعمةالله أحلام وأفكار وخطط للحفاظ على سيوة وجعلها بالفعل جنة الله على الأرض، لذلك فمن الضرورى وضعه على رأس مَن تتم الاستعانة بهم في كل ما يخص الواحة من مشروعات سواء للتنمية أو التطوير؛ خاصة أن الواحة أصبحت جزءًا من حياته، بل هي كل أسرته وعائلته.

دائمًا ما أؤمن بأنه لابد أن يكون لسيوة مخطط شامل Master Plan يكون نقطة تحول وانطلاقة لنا لتطبيقه في كل واحات مصر ومدنها التاريخية بديلًا لفكرة الحفاظ فقط على المناطق الأثرية والتاريخية ليشمل المكان كله بسكانه وبيئته وعمارته، ومفرداته.

وكان للوزيرة فايزة أبوالنجا، وزيرة التعاون الدولى السابقة، الفضل، بل السبق في لفت أنظار العالم إلى سيوة، وجلب الخبرات الأجنبية للاستفادة منها في التخطيط وعمل المخطط الشامل لسيوة، كبداية لإقامة مثل هذا النوع من التخطيط للمدن الأخرى ذات الطبيعة الخاصة في مصر.

وسيوة لها مكان مميز ومهم في التاريخ المصرى القديم، بلغت ذروة أهميتها عندما قرر الإسكندر الأكبر المقدونى أن ينفذ من خلالها إلى قلوب المصريين حين قرر أن يزور الواحة، تلك الزيارة التي جعلت للواحة شهرة كبيرة، وأصبحت المكان الخاص والمميز للنبوءات. ليس هذا فقط، بل إن هناك العديد من الشخصيات العالمية في عصرنا الحالى يذهبون إلى معبدالوحى بسيوة لمجرد أن القائد الشهير- الإسكندر الأكبر- زار هذا المكان ودخل قدس الأقداس، وقابل كبير الكهنة وتحدث معه بلسان أبيه الإله آمون. أما عن الذي حدث في هذا المكان بين الإسكندر وكبير كهنة آمون وما سمعه أشهر قائد عسكرى في التاريخ القديم من الكاهن الأعظم لآمون فقد ظل سرًّا، بل لغزًا لا أحد يعرفه، ويُقال إن الإسكندر الأكبر غادر سيوة، بعد أن أقسم بأنه لن يبوح بهذا السر لأحد إلا عندما يعود إلى اليونان ويقابل أمه الملكة أوليمبياس ويحدثها بتفاصيل النبوءة.

هل قال له الإله آمون بأنه سوف يموت بعد أن يغادر مصر مباشرة؟، وهل أخبره بأن الإمبراطورية اليونانية سوف تبقى على قمة هذا العالم، وأن مصر سوف تبقى تحت هذه السيطرة لمدة ثلاثمائة عام؟، وهل قال له إن البطالمة هم الذين سيحكمون مصر من بعده؟، وإنهم سيتحولون إلى مصريين من حيث العادات والتقاليد؟، وإنهم سيشيدون المعابد مثل الفراعنة تمامًا!. إنها شخصية مصر التي تغزو كل مَن يأتى إليها سواء كان ضيفًا أم غازيًا، الجميع يتيهون في هذه الحضارة العظيمة، ويتحولون إلى مصريى القلب والهوى. وفلسفة هذه الحضارة لا تسمح لأى حضارة أو ثقافة أخرى بأن تغزوها وتغير فيها.

عندما جاء الإسكندر الأكبر إلى مصر ودخلها قائدًا فاتحًا استقبله المصريون بكل الحب والترحاب، بعد أن ذاقوا ألوان الهوان والعذاب على يد المحتل الفارسى المتغطرس. ودخل الإسكندر الأكبر مدينة منف، مركز عبادة الإله بتاح، لكى يتم تنصيبه بها فرعونًا على مصر وفقًا للتقاليد والعادات الفرعونية القديمة، ويضع الإسكندر تاج الوجهين القبلى والبحرى على رأسه معلنًا بدء صفحة جديدة في تاريخ مصر. بعدها ذهب إلى جزيرة راقودة، وقرر أن يبنى هناك عاصمة جديدة تحمل اسمه وتصبح أهم مدينة في العالم الهلينستى. وكلف المهندس المعمارى اليونانى دينوكراتيس بإنشاء الإسكندرية.

نعود إلى سيوة، فليس لدينا سبب واضح لمعرفة الدافع أو السبب الذي دفع هذا القائد العظيم إلى زيارة الواحة، هل كان فعلًا مؤمنًا بالإله «آمون»، ويعتبر نفسه ابنًا له، أم أنه بعد أن قدم الكهنة المصريون الطقوس بمعبدالإله بتاح، إله الصناع والفنانين، وقام الإسكندر بتقديم القرابين لهذا الإله والآلهة المصرية الأخرى، خاصة أنه بالتأكيد كان يعرف أن المصريين بداخلهم ثورة عارمة، بعد أن قام أخوس الفارسى بقتل العجل أبيس، وهو الرمز المقدس لبتاح في معبده بمنف، وكان دليلًا على عدم احترام الملك الفارسى قمبيز للإله المصرى، ولذلك فنحن نعتقد أن الإسكندر الأكبر قد قام بكل ذلك حبًّا في المصريين واحترامًا للآلهة المصرية، وخاصة عندما نعرف أن الملك قمبيز قرر أن يزور سيوة كى يُنزل العقاب بكهنة آمون، الذين تنبأوا بنهاية مؤلمة له في مصر. ويبدو أن النبوءة كانت حقيقية، حيث هبّت العواصف في الصحراء، وأهلكت جيش الفرس قبل أن يصل إلى سيوة، لذلك فإن ما حدث للجيش الفارسى والنهاية المؤلمة التي نالها قمبيز زاد من هيبة نبوءة آمون.

ومن غرائب الأمور أن الباحثين والمغامرين لا يزالون يحلمون باليوم الذي يتم فيه العثور على جيش قمبيز المدفون بكل عتاده في الصحراء الغربية، هذا الجيش الذي كان يتكون من خمسين ألف جندى وضابط!، فهل من الطبيعى أن يختفى بهذه الصورة؟، وقد حاول العديد من الأجانب استخدام الطائرات والعربات، بل هناك العديد من الأجانب الذين لا يزالون يجوبون الصحراء للعثور على أي دليل للجيش الفارسى، ونسمع العديد من القصص حول هذا الكشف لأن هناك العديد من الأجانب الذين يُذيعون اكتشافات وهمية عن هذا الجيش، ولكن بلا شك أن رمال الصحراء لا تزال تُخفى الهياكل العظمية لهؤلاء الجنود والأسلحة والمُعَدات، فنحن لا نعرف ماذا تُخفى الرمال من أسرار.

وتُعتبر نبوءة آمون لسيوة واحدة من أشهر سبع نبوءات في العالم القديم، حيث تمتع آمون بشهرة عريضة في العالم القديم، وخاصة عندما نعرف أن القائد الأثينى الشهير سيمون بن ملتيادس حاصر جزيرة قبرص عام 450 ق. م، ولكن أهالى الجزيرة قاوموا الحصار مدة طويلة، وطلب بنبوءة آمون ليعرف ما إذا كان مقدرًا له دخول الجزيرة أم لا. هذا بالإضافة إلى الشاعر الغنائى اليونانى مسنذار، الذي عاش في 518- 438 ق. م، والذى كان من أشهر المعجبين بنبوءة آمون، تغنى شعرًا بمعبدالوحى بسيوة. وهناك نبوءة أخرى شهيرة تُنسب لآمون، عندما تنبأ بفوز يوستياس بجائزة سباق العدو في الدورة 93 للأوليمبياد عام 408 ق. م، ويبدو أن يوستياس كان واثقًا من الفوز، وأخذ معه تمثالًا لنفسه، وعندما فاز شاهد الجماهير تمثال البطل، وهذا يجعلنا نؤكد أن هذه الروايات والقصص الكثيرة عن نبوءات آمون ربما تكون هي التي دفعت الإسكندر الأكبر إلى الذهاب لسيوة ليس لكسب ود المصريين فقط؛ بل لأنه يريد أن يعرف مستقبل الإمبراطورية، التي يريد أن يشيدها في العالم القديم. ويبدو أن تلك المعرفة التي اكتسبها الإسكندر عن نبوءة آمون قد يرجع الفضل فيها إلى معلمه أرسطو الفيلسوف اليونانى، إلا أننا لا يمكن أن ننكر تلك الثقافة الواسعة التي تحلى بها الإسكندر، فقد قرأ الملحمة الخالدة الإلياذة والأوديسة للشاعر اليونانى العظيم هوميروس.

وعن رحلة الإسكندر إلى سيوة، قيل إنه تاه في الصحراء وضل عن الطريق الصحيح للواحة، ولكن الإله آمون قدم له المساعدة وجعل الطيور تهديه إلى طريق الواحة. وعندما وصلها، ذهب مباشرة إلى المعبدفاستقبله كهنته بحفاوة بالغة، ورحبوا بمقدمه باعتباره الإسكندر بن زيوس آمون- سيد كل البلاد. دخل الإسكندر المعبدوزار الإله آمون في قدس الأقداس، الذي يتقدمه قاربه المقدس وقدم إليه القرابين.

أما عن المعبدنفسه، فقد قمت بزيارته منذ سنوات برفقة العالِم الألمانى كولمان، الذي عمل في الكشف عن المعبدوترميمه، وكانت المفاجأة هي أن كولمان قد كشف عن قصر داخل المعبديُعتقد أن هذا القصر قد تم بناؤه قبل عصر الإسكندر. وقد شُيد هذا المعبدعلى صخرة «أغورمى». وطبقًا للنصوص المسجلة على جدران قدس الأقداس، فإن تاريخ تشييده يرجع إلى الأسرة 26 حوالى 664 ق. م، وبالتحديد في عهد الملك «أمازيس» (569- 526 ق. م)، وإن كانت قد أُجريت عليه بعض التعديلات، وأُضيف إليه بعض الإضافات في الأزمنة اللاحقة. أذكر أننى دخلت إلى قدس الأقداس، وكان يقف إلى جوارى صديقى الكاتب عادل حمودة، وعلى غير العادة لم يسألنى سؤالًا أثريًّا!، ولكن ظل الصمت هو سمة هذا اللقاء، وأعتقد أننا كنا نفكر في اللحظة التي دخل فيها الإسكندر الأكبر قدس الأقداس وسمع النبوءة. وبعدها غادرنا معًا المكان. إن الإسكندر عندما غادر سيوة سلك طريق الواحات البحرية، وهناك استقر بعض الوقت وأمر بإنشاء المعبدالوحيد الذي بناه هو في مصر للإله آمون. هذه هي قصة سيوة، مدينة الحب والجمال والصفاء.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واحة سيوة سر زيارة الإسكندر الأكبر واحة سيوة سر زيارة الإسكندر الأكبر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران

GMT 08:44 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشرى تكشف أولى مفاجآتها في العام الجديد

GMT 09:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شهداء وجرحى في قصف متواصل على قطاع غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab