بقلم - زاهي حواس
يُعدّ النشر العلمي، سواء الخاص بالآثار الجديدة المكتشَفة، أو الخاص بأعمال توثيق وصيانة وترميم الآثار، بمثابة شهادة ميلاد الأثر، ودون ذلك النشر نظل نتعامل مع مجرد أحجار ونقوش وكتابات صمّاء. وقد طالعت، منذ فترة، تقريراً بعنوان «انتشار الإنسان في العصر الأشولي بصحراء النفود في شمال المملكة»، والذي نُشر بمجلة «نيتشيرال ساينتيفيك ريبورتس» العالمية.
ومن خلال هذا البحث، نكتشف أن النتائج الأخيرة لمشروعات المسح البيئي والأثري لمشروع «الجزيرة العربية الخضراء»، الذي بدأ منذ ما يزيد عن 10 سنوات، يؤكد أن الجزيرة العربية مرّت بفترات مُناخية فارقة، خلال عصر البلايستوسين؛ فحين أصبحت أجواؤها أكثر رطوبة أثَّر ذلك في انتشار الإنسان فيها، وفي الأماكن الأخرى. وينطبق هذا على الجماعات البشرية في الفترة الأشولية، الذين كان ارتباطهم أشدَّ بمكان المياه، فيما يبدو أكثر من غيرهم في العصر الحجري الأوسط. ويمثل موقع النسيم في صحراء النفود بمنطقة حائل أقدم المواقع الأشولية الموثَّقة حتى الآن في المملكة. وقد كشفت أعمال المسح الأثري للموقع عن أنواع ومجاميع من الأدوات الحجرية التي استخدمها الإنسان في عصر البلايستوسين الأوسط، ومن المرجح أنها تشير إلى تكرار عودة الإنسان إلى الجزيرة العربية، عندما كانت مزدهرة بالأنهار والمروج الخضراء.
ويحتوي الموقع على حوض عميق يبرز في وسطه رواسب عُثر فيها على قِطع أثرية من العصر الحجري الأسفل، وقد جرى جمع حوالي 345 قطعة فأس حجري، ورقائق حجرية مختلفة، واتضح، من المسح الأثري للموقع، وجود ارتباط شديد بين المواد الأثرية والبحيرة الجافّة.
ويشير التقرير المنشور إلى تشابه الأدوات الحجرية المكتشَفة مع تلك التي سبق العثور عليها في المواقع الأشولية بصحراء النفود. ويؤكد العثور على بعض القطع الأثرية أنه كان يتم جلب المواد الخام إلى الموقع لصناعة الأدوات. وتدل المسوحات الموسَّعة للمشروع، ضمن نطاق صحراء النفود، على أن مادة الكوارتزيت المحلي استُخدمت، على نطاق واسع، لصنع أدوات حجرية أخرى، ضمن الفترة الأشولية، ولم يجرِ تأريخها بعدُ، وتشمل الفؤوس بأشكال مختلفة؛ منها البيضاوي، والمثلث، وغيرها، بالإضافة إلى اختلاف أحجامها، كما هي الحال في المواقع الأشولية الأخرى في صحراء النفود.