نظرة الفراعنة للأجانب ١

نظرة الفراعنة للأجانب (١)

نظرة الفراعنة للأجانب (١)

 العرب اليوم -

نظرة الفراعنة للأجانب ١

بقلم - زاهي حواس

يعالج هذا المقال نظرة الفراعنة إلى الأجانب، حيث من المعتاد تصوير الملك على المعابد وهو يضرب الأعداء، هنا نرى الملك بشكل وملامح تختلف تمامًا عن الأجانب المجاورين لمصر. وهذا في حقيقة الأمر أبلغ رد على كل المُشكِّكين، الذين يقولون إن أصل الحضارة الفرعونية يعود إلى الجنس الأسود.

منح الله مصر حدودًا طبيعية تحميها من الأخطار سواء طبيعية كانت أو بشرية مثل هجمات الأعداء، فمنذ بداية عصر ما قبل الأسرات، أي قبل أكثر من خمسة آلاف عام، بدأت المشاحنات مع بعض جيران مصر على الحدود الغربية، حيث القبائل الليبية أو (أرض التحنو) في اللغة المصرية القديمة، وكان المصريون يعاملون سكانها على أنهم جماعات سلب ونهب، يجب ردعها من حين لآخر. أما الحدود الجنوبية فكانت تقطنها القبائل النوبية، وكانت مصر جسرًا بين آسيا وإفريقيا، مما جعلها محط أنظار الأجانب، ومحطة مهمة على طرق التجارة العالمية القديمة، حيث وجد المصريون أنفسهم ضمن الأقوام الأجنبية من نوبيين وآسيويين وليبيين كأحد الأقوام الأربعة المكونة لشعوب العالم من وجهة نظرهم.

وقد اعتبر المصريون وطنهم هو مركز العالم المسيطر، في الوقت الذي رأوا فيه بقية الشعوب المحيطة بهم وجميع أربابهم بمثابة تابعين لمصر وأربابها، فقد كانت مصر من وجهة نظرهم هي وطن الماعت، أي الحق والعدل والنظام، في حين أن الأقوام الأجنبية المحيطة بها هي أرض الفوضى وعدم النظام، والتى يسيطر عليها المعبود ست. ورغم ذلك، فقد نرى نظرة الإله رع إلى الشعوب المجاورة تختلف عن هذه النظرة، فقد عثرنا مؤخرًا، ونحن نقوم بترميم مقبرة الملك رمسيس الثانى في وادى الملوك، على منظر يمثل الساعة السادسة من كتاب البوابات، وهذا المنظر يمثل الإله رع داخل مركبة، يعبر بوابات العالم الآخر، والإله حورس يقف أمامه أربعة مصريين وأربعة نوبيين وأربعة ليبيين وأربعة آخرون من الآسيويين. وانظر ماذا قال لهم الإله رع: «إننى خلقتكم جميعًا، وسوف تدخلون الجنة، وهذه نظرة رائعة للشعوب المجاورة ونظرة الإله إليهم».

وهناك البعض الذي يشير إلى أن النوبة من الشعوب الأجنبية بالنسبة للمصريين، ولكن أختلف مع كل العالم الذين كانت لديهم هذه النظرة لأننى أعتقد أنه منذ العصر الفرعونى إلى الآن والنوبة هي جزء من مصر. وقد تمتع النوبيون بعلاقات قوية مع مصر منذ عصور ما قبل الأسرات. ورغم ذلك، هناك أدلة على أن المصريين في العصر العتيق أغاروا على أجزاء كبيرة في الجنوب أو ما يُعرف بالنوبة السفلية، ولذلك جاء إلى مصر العديد من النوبيين، وانخرطوا بين المصريين، وخلال الدولة القديمة تشير الأدلة الأثرية إلى أن التجمع المصرى عند الشلال الثانى بالنوبة يشير إلى وجود تجمعات نوبية. وعبر الدولة القديمة وحتى نهايتها، دخل النوبيون في السلك العسكرى، وخدموا كجنود في الجيش المصرى، وكان لهم دور خلال الحروب الأهلية التي اندلعت خلال عصر الانتقال الأول. وقد استقرت مجموعة من هؤلاء الجند في تجمع بمنطقة الجبلين، حيث عُثر على مجموعة من اللوحات الجنائزية، التي أشارت إليهم كأفراد مؤثرين في المجتمع المحلى، ومنهم ظهر بيبى عنخ، حاكم الفنتين في الأسرة السادسة، حيث أظهرته مناظر مقبرته بملامح نوبية، وهذا دليل واضح على أن النوبة كانت جزءًا من مصر. وفى عهد الملك بيبى الأول من ملوك الأسرة السادسة، تم تجهيز جيش كبير، اشترك فيه أفراد من جماعات المجاى النوبية، تحت قيادة القائد ونى، الذي قام بنفسه في عهد مرنرع بتجهيز بعثة إلى النوبة لقطع الحجر الجيرى من أجل صنع تابوت وهريم للملكة.

يحمل تمثال الملك منتوحتب الثانى نب حبت رع اللون الأسود للبشرة، وهو ما دعا البعض إلى الاعتقاد أنه ذو أصل نوبى، وإن أشارت أغلب الآراء إلى أن اللون الأسود هو رمز المعبود أوزير. وتشير الأدلة الأثرية والفنية إلى أن زوجات هذا الملك، وهن عشايت وحن حنيت ومكسيت، كن نوبيات، وقد صُور النوبيون في مقابر الدولة الوسطى مثل مقابر بنى حسن ومير.

وخلال الأسرة الثالثة عشرة، بدأت جماعات المجاى النوبية في التوغل داخل المجتمع المصرى، وعملوا في الجيش المصرى خلال عصر الانتقال الثانى، وإبان عصر الدولة الحديثة، فقدت كلمة مجاى معناها العرقى، وأصبحت مرادفة لكلمة الشرطة، بعد أن ذاع صيتهم في السلك العسكرى، بل إن بعضهم تقلد مناصب في الدولة المصرية. ومع نهاية الدولة الحديثة، فقدت مصر سيطرتها على بلاد النوبة، وفى عام 850 ق.م، بدأت تظهر قوى جديدة في الجنوب، بزعامة منطقة نباتا، ومع قدوم عام 750 ق.م، ومع ضعف السلطة في مصر، نجح بعض ملوك نباتا في الجنوب في استغلال تلك الحالة، ونجحوا في الزحف نحو الشمال بقيادة بعنخى مسيطرًا على طيبة، حيث نجح في السيطرة على البلاد، وأصبح بذلك ملك مصر والسودان بدون منازع، مؤسِّس أسرة حاكمة ملوكها من أصول نوبية.

كان الفنان المصرى القديم يقوم بتصوير النوبيين في الفن المصرى القديم بهيئة بسيطة ذوى بشرة سمراء وشفاه في بعض الأحيان غليظة وشعر مجعد مضفر قصير مرتدين أقراطًا دائرية وملابس من أحزمة ومآزر جلدية على ثقب بيضاء مصرية الشكل. أعتقد من خلال ما ورد أننا يجب أن نعلن أن النوبيين طوال العصور التاريخية كانوا جزءًا من مصر، بل دافعوا عن مصر، واشتركوا في الحملات العسكرية، بل كان الفرعون في الدولة الحديثة قبل أن يذهب في حملاته العسكرية إلى الشرق كان يذهب للتزود بالجنود النوبيين.

أما الشعوب الأخرى مثل بلاد بونت، فنجد أول ذكر لبلاد بونت والعلاقات المصرية والإفريقية مسجلًا على حجر باليرمو، الذي يذكر بعثة تجارية في عهد الملك ساحورع من الأسرة الخامسة، بل لدينا خطاب أُرسل من محافظ الفنتين (حرخوف) إلى الملك بيبى، يبلغه بأنه أحضر له قزمًا!، وكان الملك بيبى الثانى قد تولى الحكم وهو في سن الثامنة، واستمر حتى سن 98 سنة، ورد الملك على خطاب حرخوف، ولم يهتم الملك بما أحضره المحافظ إلى مصر، وقال له إنه يجب عليه أن يحافظ على القزم، ويضعه داخل خيمة، ويعين حارسًا عليه حتى لا يسقط في الماء وهو نائم.. وهذا القزم الذي جاء من إفريقيا كان المصرى القديم يطلق عليه اسم «دنج». وكان هذا النوع من الأقزام كل أعضاء جسمه صغيرة. وكان المصريون يُحضرون الأقزام من إفريقيا اعتقادًا منهم بوجود علاقة بينهم وبين الإله رع، إله الشمس، حيث كان القزم يظهر في شروق الشمس مهللًا لقدوم رع، وكان أيضًا يسلى الملك ويرقص له. أما نوع الأقزام الآخر المصرى فكان يُعرف باسم «نيمو»، وكان هذا النوع ذا عيوب خلقية، وأشهر قزم هو ذلك القزم «سنب» الموجود في المتحف المصرى. وسوف نجد أنه صُور جالسًا على قاعدة، وبجواره زوجته طبيعية الحجم، ورجلاها تنزلان إلى أسفل، أما القزم «سنب» فنجد قصرًا في رجليه، ولذلك قام الفنان المصرى القديم بمراعاة النسب، ووضع طفلين أسفل القزم بدلًا عن رجليه، ومن الجميل أن وزارة الصحة قد استعملت هذا التمثال في تحديد النسل، وكانوا يقولون انظر «سنب» منذ قديم الزمان كان لديه ولدان فقط. وقد عثرت- غرب هرم الملك خوفو- على مقبرة ضخمة، وإلى الغرب من المقبرة عثرنا على سرداب، أي حجرة صغيرة ذات كوة مفتوحة، وعندما نظرت داخل الفتحة عثرت على تمثال يشبه في جماله تماثيل الملوك، حيث صُنع من البازلت، وعليه أيضًا نص يقول هو الذي كان يسلى الملك، واسمه «نيمو»، وقد عثرنا داخل المقبرة على تمثال لزوجته، تُعرف باسم «حمت»، أي زوجة، وسيدة أخرى تأخذ لقب «مترت»، واحتار العلماء إلى الآن في ترجمة هذه الكلمة، التي يعتقد البعض أنها صديقة أو خليلة. وقد عثرنا على الهيكل العظمى الخاص بهذا القزم، وقد وجدنا أنه يحمل عيوبًا خلقية في الكتفين والرجلين، ونفس هذه السمات موجودة في التمثال، وهذا يؤكد أن الفن في الدولة القديمة كان يحاكى الواقع، ولم يكن مثاليًّا. وتوجد مقبرة القزم «سنب» بجوار مقبرة القزم «برنى عنخو»، وهذا هو اسمه، ومن خلال دراسة وضع المقبرتين، أعتقد أن هذا القزم كان والد القزم «سنب»، ومن الغريب أن «سنب» كان يحمل لقب «معلم أولاد الملك». ونظرًا لأن «برنى عنخو» كان يسلى الملك، لذلك فقد أنعم عليه الملك بالسماح له بأن يبنى مقبرة لنفسه في الجبانة الغربية للهرم، وهنا أذكر لاحقًا قصة لطيفة خاصة بالملك بيبى الثانى، الذي تولى الحكم وهو صغير السن، وظل تسعين عامًا ملكًا على مصر.

ومن أشهر ما ورد لنا أيضًا من بلاد بونت مناظر من عهد الملك ساحورع، والتى كشفها ونشرها الدكتور طارق العوضى، في رسالة الدكتوراه التي ناقشها في جامعة تشارلز، وتُظهر رحلة الملك إلى بلاد بونت وما أحضره من هذه البلاد إلى مصر. وقد تكون هذه أول مره تظهر فيها هذه الرحلة كاملة، حيث إننا كنا فقط نعرف عن رحلة بلاد بونت من مناظر الملكة حتشبسوت، والتى قامت بنقش تفاصيلها على جدران معبدها الجنائزى بالدير البحرى، الذي بناه لها المهندس العبقرى «سنموت»، حيث رسم الفنان المصرى أهل بلاد بونت ببشرة مائلة إلى الحمرة وملامح وجه قريبة من المصريين نوعًا ما وذوى شعر طويل أو مضفر ولحى قصيرة مشذبة مرتدين نقبًا قصيرة، أما ملكة بونت فقد صُورت في هيئة ساخرة، وأعتقد أن الفنان هنا لم يسخر من الملكة، التي صورها بصورة بدينة، بل هذا كان بالفعل هو هيئة الملكة، كما ذكرت من قبل أن الفن كان يحاكى الطبيعة.

وتُظهر تلك المناظر أيضًا أهالى بلاد بونت كأقوام مستوطنة، تعيش في مساكن مقامة على ركائز، وقد قام بعض سكان بونت بزيارة مصر مع عائلاتهم، ولكن لم يقم الكثير منهم بالاستيطان بها.

وقد دعانى الرئيس موسنينى إلى زيارة أوغندا لكى أُحدثه عن علاقة مصر القديمة بإفريقيا، وقد رتب لى زيارة إلى قرية كل مَن يعيش فيها من الأقزام المعروفين باسم «دنج». وقد اعتقد البعض أن بلاد بونت تقع في منطقة عند سواحل الصومال، ولكن أكدت الدراسات الحديثة أن بلاد بونت تقع في المنطقة بين إثيوبيا والسودان

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة الفراعنة للأجانب ١ نظرة الفراعنة للأجانب ١



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:50 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
 العرب اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab