بقلم زاهي حواس
وقفنا في المقال السابق عند الحديث عن كنز الملكة حتب حرس، الذي تم اكتشافه في مقبرة بجوار هرم ابنها الملك خوفو بهضبة الجيزة. وذلك ضمن الحديث عن فعاليات معرض الآثار الضخم في العاصمة الإسبانية مدريد بعنوان «بنات النيل: النساء والمجتمع المصرى القديم»، والذى يضم ٢٨٠ قطعة أثرية مصرية من مختلف متاحف العالم، ولم تشارك فيه مصر للأسف.
بمجرد أن وصلت برقية تحمل نبأ الكشف المهم إلى جورج رايزنر، قام بالحضور فورًا إل مصر، وبدأ في فحص البئر التي تم العثور عليها وكانت مليئة بكسر الحجر الجيرى والألباستر والرديم، وفيها تم العثور على ختم من الطين لا يحمل أي كتابات سوى اسم ورشة التحنيط الخاصة بالملك خوفو. استغرق رايزنر ما يقرب من عشر سنوات وهو يقوم بتنظيف مقبرة الملكة حتب حرس ويرمم أثاثها الجنائزى الذي تم دفنه بالمقبرة. وكان من ضمن، أو لعله من أهم آثار المقبرة، هو تابوت الملكة الضخم المنحوت من الألباستر، إضافة إلى سرير يحمل أسماء وألقاب الملك سنفرو، وكراسى من الخشب المذهب ومحفة من الخشب والذهب هي من أروع الآثار التي تم كشفها لملكة من العالم القديم. إضافة إلى أن رايزنر قام بالعثور على بعض مجوهرات الملكة من الذهب والفضة وأحجار كريمة تحمل اسم الملكة حتب حرس وزوجها الملك سنفرو، بالإضافة إلى صندوق الأحشاء الخاص بها، وهو منحوت من نفس نوع الحجر الذي نحت التابوت منه.
لم يكن الكشف عن كنوز الملكة حتب حرس هو نهاية القصة، بل بداية قصة مثيرة لم يكتب بعد فصلها الأخير، على الرغم من مرور ما يقرب من الـ ١٠٠ سنة على الكشف عن مقبرتها؟!، والقصة أن العالم الأمريكى رايزنر طرح سؤالا مهما: هل دفنت الملكة حتب حرس حقًا في الجيزة إلى جوار هرم ابنها الملك خوفو؟، وقبل أن يجيب هو نفسه عن السؤال قام بطرح سؤال آخر، وهو: هل ما قمت بالكشف عنه هو مكان يليق بكنوز وأهمية الملكة؟، بالفعل هناك لغز كبير بموضوع كنز الملكة حتب حرس، لكن قبل أن نخوض فيه لابد من أن أؤكد أن رايزنر وجد تابوت الملكة مغلقًا وهناك طبقة من البلاستر الأبيض تغلق ما بين الغطاء والصندوق، بمعنى أن جثمان الملكة لابد أن يكون راقدًا بسلام في التابوت؟، ولكن ما حدث هو أن رايزنر بمجرد فتح التابوت اتسعت عيناه من الدهشة ولم ينطق بكلمة واحدة بعد أن تأكد أنه لا وجود لمومياء الملكة حتب حرس، سواء بالتابوت أو داخل المقبرة. كان على رايزنر أن يقدم نظرية لتفسير لغز المقبرة، وبالفعل قام بوضع نظرية مثيرة لها حبكة درامية ترشحها لفيلم سينمائى رائع. يقول رايزنر إن الملكة حتب حرس ماتت بعد موت زوجها الملك سنفرو، وتم دفنها في مقبرتها بدهشور بجوار هرم زوجها هناك. ولكن حدث أن قام لصوص المقابر بكسر المقبرة وسرقة الكثير من محتوياتها ومن ضمنها سرقة مومياء الملكة وما عليها من مجوهرات ثمينة. علم رجال الملك خوفو بسرقة قبر الملكة الأم ولم يجرؤ أحد منهم على إبلاغه أن جسد الملكة الأم قد تمت سرقته؟، وبالتالى قاموا سرًا بإعادة غلق التابوت وإحضار ما تبقى من مقبرتها ودفنه في تلك البئر المتواضعة بجوار الهرم الأكبر ربما بشكل مؤقت إلى حين نقله داخل هرمها وهو أحد ثلاثة أهرامات في الناحية الشرقية من هرم خوفو.
درس العالم الأمريكى مارك لينر هذه القصة وأشار إلى أن موضوع نقل آثار الملكة لا يمكن أن يكون سريًا، وأضاف أن البئر تعود إلى الأسرة الثانية. بمعنى أن البئر كانت موجودة بجوار الهرم الشمالى للملكات، ويعتقد لينر أن الملكة حتب حرس ربما تكون قد دفنت في الهرم الشمالى أو الهرم الأوسط. هذا وأعتقد بعد أن قمت بدراسة أهرامات الملكات ولغز العثور على كنز الملكة حتب حرس، أن الأهرامات تم نهبها خلال عصر الإضمحلال الأول، حيث استباح اللصوص الأهرامات والمقابر وقاموا بنهبها. ويحكى الحكيم المصرى القديم إيبور أخبار ما حدث في البلاد من أعمال نهب وسلب. ولأنه كان هناك كهنة مسؤولون عن هرم الملك خوفو ومنشآته الجنائزية حتى خلال عصر الأسرة الثانية عشرة، فقد قام هؤلاء الكهنة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من آثار حتب حرس التي كانت مدفونة في الهرم الشمالى الصغير إلى الشرق من هرم ابنها الملك خوفو. وبالتالى فإن الكهنة هم من قاموا بإنقاذ النذر اليسير من كنوز أهرامات الجيزة.
بمجرد أن انتهيت من لغز الملكة حتب حرس انتقلت إلى موضوع آخر خاص بالنساء الذين اشتركوا جنبًا إلى جنب مع الرجال في بناء الأهرامات، وذلك من خلال الكشف الذي قمت به والخاص بالكشف عن مقابر العمال بناة الأهرام على بعد حوالى ٢ كم إلى الجنوب الشرقى من أهرامات الجيزة. وجدنا من خلال المقابر المكتشفة نساء تم دفنهن وحدهن في مقابر بدون أثر لوجود زوج أو أبناء؟، كان بعضهن يعمل في المخابز ومعاصر الجعة ومصانع تجفيف الأسماك ومطابخ إعداد الطعام لآلاف من العمال. وكانت تلك المنشآت إلى الشرق من الجبانة التي عثرت عليها. كذلك نفترض أن منهن من عملن في تمريض العمال عند وقوع الحوادث بالموقع أو حالات المرض، وقد كشفنا عن وجود مثل تلك الخدمات الطبية عند الكشف عن الهياكل العظمية للعمال، والتى أظهرت كسورًا تم علاجها وجروحًا ملتئمة وكذلك عمليات بتر أطراف تمت بنجاح ومكنت أصحابها من الحياة لسنوات عديدة بعد إجرائها.
أنهيت حديثى عن دور المرأة المصرية القديمة في بناء الأهرامات لأنتقل للحديث عن الملكة نفرتيتى، زوجة الملك إخناتون، وأم أميراته، ومنهن الأميرة عنخ إس إن با أتون، التي أصبحت ملكة على مصر بعد اعتلاء زوجها الملك توت عنخ آمون عرش مصر لتغير هي اسمها إلى عنخ إس إن آمون. وخلال حفائرى بوادى الملوك قمت بالكشف عن مقبرتين: الأولى عبارة عن مقبرة عثر داخلها على الأدوات التي كانت تستعمل في بناء المقبرة، والأخرى تقع خلف مقبرة الملكة حتشبسوت، وهى عبارة عن بئر تفضى إلى بعض الحجرات غير المنتهية النحت، ولم يعثر بها على شىء. هذه أول مرة يقوم فيها المصريون بالحفر لحسابهم بوادى الملوك وليس لحساب بعثات أجنبية. وهناك مشروع آخر أقوده ومعى فريق مصرى متكامل وهو المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية، والذى حقق العديد من الاكتشافات العلمية الخطيرة. وحاليًا نقوم بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتى وابنتها عنخ إس إن آمون. ويشرف على الفريق الدكتور يحيى جاد، الأستاذ بالمركز القومى للبحوث، ومعه د. سمية إسماعيل، ود. رباب خيرت. ويعمل الفريق الآن على مومياوات الأسرة الـثامنة عشرة المعروفة أسماء أصحابها من ملوك وملكات وأميرات، مثل مومياء الملك أمنحوتب الثالث، والملك إخناتون والملكة تى وغيرهم. وتحدثت عن دور الملكة نفرتيتى في دعم زوجها الملك إخناتون وسر اختفائها من على مسرح الأحداث بعد زيارة الملكة الأم تى لابنها إخناتون في تل العمارنة في العام الثانى عشر من حكمه؟.
تناولت في محاضرتى كذلك الملكة العظيمة حتشبسوت ونفرتارى وكذلك مؤامرات الحريم. وتغطى القطع الأثرية المعروضة بالمعرض كافة العصور المصرية القديمة، وكذلك كافة الطبقات، فهناك تماثيل وآثار لآلهة مثل حاتحور وإيزيس ونيت وسشات وإلهة الولادة والحماية تاورت وغيرها، كذلك هناك تماثيل وآثار وحلى لملكات وأميرات وسيدات من الطبقة النبيلة والوسطى وكذلك لخادمات ومربيات. وهناك من ضمن المعروضات نسخة من البردية الشهيرة لـ «آنى» وزوجته «توتو»، وهذه البردية هي واحدة من أكمل نسخ كتاب الموتى من مصر القديمة.
ونظرًا لأن موضوع المعرض عن النساء في مصر القديمة، فإن الحلى وأدوات الزينة والتجميل كان لها نصيب كبير ضمن المعروضات، والتى كان الزائرون يقفون أمامها لوقت طويل منبهرين بما عرفته المرأة المصرية القديمة من أسرار الجمال وأدواته. والحقيقة أن صنعة الجمال وأدوات الزينة لم تقتصر فقط على طبقة اجتماعية معينة من النساء، بل كانت متاحة لكل النساء على اختلاف طبقاتهن. وتظهر تماثيل الخادمات أنهن كن يرتدين باروكة الشعر، وكذلك يضعن الكحل في أعينهن. ولا تزال كبرى دور الأزياء العالمية تجد في تنوع أزياء النساء في عصر الفراعنة واختلاف الموضة من عصر لآخر مجالا خصبا ومعينا لا ينضب للأخذ والتأثر به في تصميماتهم لأزياء النساء العصرية.
بعد أن انتهيت من محاضرتى قمت بالتوقيع على كتالوج المعرض للزائرين الذين حرصوا على أخذ توقيعى. وقد خصص الكتالوج بالكامل عن المرأة الفرعونية.. كانت محاضرة في حب مصر ومشاركة مصرية في حدث يدور كله عن الحضارة المصرية، وللأسف غابت عنه السفارة المصرية في مدريد.