«النادلة» مستشارة الجودة والكرامة

«النادلة» مستشارة الجودة والكرامة!

«النادلة» مستشارة الجودة والكرامة!

 العرب اليوم -

«النادلة» مستشارة الجودة والكرامة

راجح الخوري
بقلم: راجح الخوري

عندما اختارت أنجيلا ميركل، 67 عاماً، أن تغادر مكتبها في مقر المستشارية الألمانية بعد 16 عاماً من قيادة ألمانيا وزعامة أوروبا تقريباً، ولعب دور بارز وفاعل على مسرح السياسة والأحداث الدولية، لتعود إلى شقتها المعتادة المتواضعة التي عاشت فيها دائماً مع زوجها يواكيم سوير، والتي تقع في الطابق الرابع من بناء قديم عمره مائة عام في برلين، حيث كانت دائماً تتولى بنفسها ترتيبها وتنظيفها ومسحها وإعداد الطعام وغسل الصحون، كانت بهذا تقدم درساً تاريخياً إلى كثيرين من الزعماء الذين متى جلسوا على كرسي الحكم التصقوا به.
وعندما قالت يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي لوكالة «بلومبرغ»: «قررت أن أول شيء سأفعله بعد الخروج من الحكم هو لا شيء وسأنتظر ما يحدث، لكنني سأعد لنفسي جدول أعمال لأنني أخشى الفراغ، الفراغ القاتل»، كانت تقدّم درساً ثانياً إلى كثيرين من الزعماء الملتصقين بكراسيهم، ومفاده مدى متعة وفائدة أن لا تفعل شيئاً بعد أن تكون قد صنعت تاريخاً من الأشياء العظيمة، على امتداد 30 عاماً من تاريخ ميركل السياسي منها 16 عاماً في المستشارية الألمانية، التي لعبت دوراً محورياً على الصعيدين الأوروبي والدولي، ليس لمجرد أن ميركل صنعت لبلادها أقوى اقتصاد في العالم ورعته.
وعندما قالت إنها تريد التفكير بحرص شديد في المرحلة المقبلة من حياتها، حول السؤال الذي يتردد في داخلها: هل تريد أن تكتب، أن تتحدث، أن تذهب إلى رحلات التخييم، أن تمكث في البيت، أم تسافر حول العالم، كانت تقدم الدرس الثالث من حيث لا تقصد طبعاً، إلى كثيرين من هؤلاء الزعماء، الذين ليسوا في الكتابة ولا حتى في التفكير أن في هذا العالم، غير متعة السلطة التي يتعربطون بها!
لكنها أنجيلا ميركل التي قال عنها الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش: «إن ميركل نقلت الجودة والكرامة إلى موقع مهم للغاية، واتخذت قرارات صعبة للغاية، لقد فعلت ما هو الأفضل لألمانيا وفعلته من منطلق المبادئ»، ولهذا يمكن فهم كلام بوش، خصوصاً عندما تقول ميركل إنه نظراً لأنها انخرطت في عالم السياسة قبل أكثر من 30 عاماً، فإنها لم تسأل نفسها أبداً عن الشيء الآخر، الذي يمكن أن يثير اهتمامها «ولأنني بلغت السابعة والستين فليس لديّ وقت لا نهائي»، هذا في حين لا نهاية للوقت ولا حتى للحياة في حسابات كثيرين من الزعماء «المرتاحين» في كراسيهم!
وفي الواقع كانت القيم المحترمة، أي الرضا عن النفس والمحافظة على تاريخ من الجودة والكرامة، هي التي جعلتها تنسحب من رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي أواخر عام 2018، وهي أيضاً التي جعلتها تقول في مايو (أيار) الماضي: «أنا لست متاحة لأي منصب سياسي جديد»، ويأتي هذا القرار كخلاصة مثيرة بعدما تم وصفها على نطاق عالمي بأنها حاكم الأمر الواقع لزعامة الاتحاد الأوروبي، ولقد سمّتها مجلة «فوربس» عام 2015 ثاني أقوى شخص في العالم، ثم وصفتها في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016 بأنها أقوى امرأة في العالم برقم قياسي للمرة العاشرة.
عندما قالت ميركل في مقابلة سابقة لمجلة «Superillu» الألمانية إنها ما زالت تشتري بعض الأشياء بمجرد رؤيتها، حتى لو لم تكن في حاجة إليها، كانت تشير إلى طفولتها في ألمانيا الشرقية، وإلى عادة متأصلة عميقة الجذور تتصل بالوضع الاقتصادي السيئ حيث كانت الأشياء نادرة، وفي هذا السياق تحديداً صدر مؤخراً كتاب عن السيرة الذاتية لأول مستشارة ألمانية كتبته الصحافية الألمانية باتريشيا ليسنر كراوس وعنوانه «ميركل... السلطة... السياسة»، وجاء فيه أن ميركل الطالبة الأولى في مدرستها، كانت تريد أن تصبح معلمة، لكنّ حلمها تبدّد لأن الحكومة الشيوعية في ألمانيا الشرقية رأت أن أسرتها مشتبه بها، لذلك درست هندسة الفيزياء، لكنها عملت لبعض الوقت نادلة في حانة.
تقول ميركل في الكتاب: «نعم عملت نادلة في حانة، وكنت أحصل على أجر يتراوح بين 20 و30 فينينج عن كل مشروب أبيعه، وهذا منحني دخلاً إضافياً تراوح بين 20 و30 ماركاً أسبوعياً، وهو ما أسهم إلى حد كبير في دفع الإيجار»، وقد دخلت ميركل عالم السياسة في أعقاب ثورات 1989 وبدأت كنائبة للمتحدث باسم حكومة منتخبة في ألمانيا الشرقية، لكنها بعد توحيد ألمانيا انتُخبت نائباً في البوندستاغ، ثم عيّنها هيلموث كول وزيرة عام 1991، وصارت عام 1998 أميناً عاماً للحزب الديمقراطي المسيحي ثم زعيمة، لتدخل المستشارية عام 2005.
عشية ذهاب الألمان إلى صناديق الاقتراع، اختارت ميركل أن تبتعد عن السياسة، بدت كمن يزيح حملاً ثقيلاً عن كتفيه، ذهبت إلى متنزه للطيور ولاعبت عدداً من الببغاوات الملونة، التي نقرت يديها وحطت على رأسها وهي تصرخ كطفل وتقدم لها الحبوب، وتوقفت مراراً لتلتقط صور السيلفي مع المواطنين الذين يطلقون عليها اسم «موتي» أي والدتي، كما يسميها اللاجئون السوريون والعراقيون «ماما ميركل»، لكنها ظلت تمثل على مدى 16 عاماً في المستشارية «المرأة الحديدية» وزعيمة الاتحاد الأوروبي، لكنّ الكثيرين يتذكرون أنه تم انتخابها في أولدنبورغ عام 2001 «ملكة الملفوف» لأن الملفوف الأخضر هو طعامها المفضل!
ذات يوم قالت ميركل إن الحياة من دون أزمات ستكون بالطبع أبسط، لكن عندما تظهر لا بد من التغلب عليها، وإن هذه الأزمات التي تأتي غالباً من الخارج تُظهر أن الألمان جزء من كلٍّ عالميٍّ. لكن يمكن القول الآن إن ميركل التي لا تريد ولم تفكر في أن تفعل شيئاً بعد تقاعدها، ستكون أمام أزمة معقّدة تتمثل في تشكيل الحكومة الألمانية واختيار المستشار من بعدها، وذلك بسبب النتائج المتقاربة جداً التي أفرزتها الانتخابات بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، إضافةً إلى حزب الخضر والحزب الليبرالي اليميني الحر، وهو ما دفع المراقبين إلى القول إنه سيكون من الصعب تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية السنة، بما قد يمثل في نظر ميركل أزمة لا بد من المساعدة في حلها والتغلب عليها كما تقول، أم أنها ستبقى مبتعدة بعدما فعلت الكثير والكثير وتقاعدت كي لا تفعل شيئاً كما تقول، لكنها ستبقى دائماً قمة مميزة في القيادة والزعامة، نقلت فعلاً الجودة والكرامة إلى موقع مهم للغاية كما قال بوش، ونافست، لا بل تفوقت على، مارغريت ثاتشر في حمل لقب المرأة الحديدية.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النادلة» مستشارة الجودة والكرامة «النادلة» مستشارة الجودة والكرامة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab