عندما وقف الدكتور حسن دياب مساء الثلاثاء الماضي، أمام الصحافيين في القصر الجمهوري، بعد صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة، سُئل؛ هل هذه حكومة اللون الواحد؟ بمعنى أنها حكومة «8 آذار» و«حزب الله»، فلم يتردد، بل قال إنها حكومة اللون الواحد، لكنها حكومة لبنان!
بدا الكلام نوعاً من التشاطر، في محاولة للإيحاء أنها حكومة لكل لبنان، لكنها في الحقيقة حكومة التحالف بين الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر والثنائية الشيعية، أي «حزب الله» و«حركة أمل»، التي تواجه رفضاً متصاعداً منذ تكليف دياب تشكيلها في 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسرعان ما تفجّر عنفاً متزايداً بعد الإعلان عنها.
حكومة اللون الواحد يريد دياب أن يسحبها فوق كل القوى اللبنانية، لكنه بهذا بدا كمن يطلق عليها رصاصة الرحمة، باعتبار أن الأوضاع المتهالكة اقتصادياً ومالياً في لبنان، ستجعل من حكومة اللون الواحد، مجرد هيئة تفليسية، لأنها ستواجه أولاً معارضة داخلية عنيفة، فالشارع يغلي بالثورة منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما دفع الرئيس سعد الحريري إلى الاستقالة، مطالباً بحكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، وثانياً وهو الأهم لأنها ستواجه مقاطعة عربية ودولية وأممية، ولأنها لا تشكّل جواباً على مطالب الشارع، وهو ما دعت إليه الأمم المتحدة تكراراً.
شكلاً يستطيع دياب أن يقول إنها حكومة اختصاصيين، ففيها كفاءات لا ينكرها أحد، لكن المشكلة أنها ولدت من رحم التحالف الحزبي الذي فرض أسماء وزرائها، ولهذا لم يكن غريباً أن يقال إنها حكومة اختصاص بأقنعة حزبية، وأن الكلمة الفصل عند وزرائها ستبقى دائماً مجرد إملاءات حزبية خالصة!
دياب قفز فوق كل هذه الحقائق، وحلق عالياً بعد إعلان الحكومة، فلم يتردد في القول إنها حكومة تستجيب لمطالب الشارع، الذي كان يصعّد من رفضها والتظاهر ضدها، وكان من المثير أنه لم يتردد في القول إنها «حكومة تحمل مواصفات متميزة لمواجهة التحديات، وإنها حكومة استثنائية ستعمل على الوحدة والعزة والاستقرار»، وبدا بهذا كأنه يهبط من عالم آخر مغرق في الأوهام أو الأحلام، إذ سرعان ما كشف التدقيق في عدد كبير من وزرائها، أنهم من لون حزبي واحد ومعروف، وتقابله مقاطعة داخلية وخارجية شاملة، كما بدا أن بعض أسمائها يوحي بأنها قد تندفع إلى تصفية حسابات سياسية مع خصومها ومعارضيها من جماعة «14 آذار»!
كان من المثير للغرابة حديثه عن مواصفات متميزة تحملها الحكومة لمواجهة التحديات، في حين لم يسبق لواحد من أعضائها أن قدم اقتراحاً أو خطة أو مجرد فكرة أولية لمواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية والحياتية القاتلة، التي جعلت لبنان يحل في المرتبة الأولى للدول الأكثر مديونية، وهو مثلاً ما جعل وكالة التصنيف الدولية «فيتش» ترجح أن يتخلف لبنان عن تسديد ديونه في مارس (آذار) المقبل، وقيمتها مليار ونصف مليار دولار، ما يعني سقوطه إلى درك الدول الفاشلة.
لكن دياب، الذي لم يتهيّب بعد صدور مرسوم التشكيل الحديث عن «استثنائية الحكومة التي ستصنع الوحدة والعزة والاستقرار»، بدا كمن يلحس سريعاً كل هذا الكلام الوردي، بعد أول اجتماع لحكومته السعيدة يوم الأربعاء، في وقت تراكمت تصريحات المسؤولين، الذين بدوا كمن استحقّ فكرة تحمل المسؤولية الثقيلة، وربما المستحيلة. مع تشكيلة حكومية من هذا النوع، قد يقتصر الإنجاز الذي ستقوم به في النهاية على الوقوف لأخذ الصورة التذكارية، وبصدور منتفخة أيضاً.
الرئيس عون استهلّ الاجتماع الأول للحكومة بالقول إنها شُكّلت في ظل أوضاع اقتصادية ومالية واجتماعية صعبة للغاية، وعليها العمل على استعادة ثقة المجتمع الدولي، وهو في الواقع أمر عسير جداً، مع حكومة تقتصر على تحالف اللون الوحد، أما دياب فلم يتردد في القول إن حكومته أمام مأزق مالي اقتصادي ومالي واجتماعي، «وفي الواقع نحن أمام كارثة، وعلينا التخفيف من وطأة الكارثة وتداعياتها»!
ولم يتردد في القفز على كل وعوده الزهرية بعد نشوة التشكيل قبل ساعات قليلة، ليعترف بأننا نواجه أخطر وأصعب مرحلة في تاريخ لبنان، وعلى كل وزير أن يبدأ بوضع جدول أعماله، ما يعني أن ليس بين الوزراء الميامين، الذين اختيروا لمهمة مستحيلة، من يملك حتى الآن تصوراً أولياً، ولا جدول أعمال حيال ما ينتظره، فكيف يمكن استعادة ثقة اللبنانيين بالدولة، إذا كانت هذه الدولة بعد ثورة عارمة اندلعت قبل 100 يوم، يوم ذهبت إلى تشكيل حكومة من لون سياسي واحد، يقع في خانة «حزب الله» وحلفائه، ما سيقفل كل أبواب الدعم والمساعدة التي يمكن أن تساعد لبنان في وقف النزف والانهيار؟
وزير المال غازي وزني، وهو مستشار للرئيس نبيه بري، قال إن لبنان يواجه أزمة مصرفية ومالية ونقدية واقتصادية لم يشهدها منذ ولادته، وإنه إذا استمرت الأزمة سيصل لبنان إلى الإفلاس، ويجب أن نهيئ خطة أو برنامجاً إنقاذياً شاملاً، لكن الانهيار الذي يبدو واقعاً، لم يعد ينتظر خططاً وبرامج تتطلب مزيداً من الوقت، لتحضير البيان الوزاري وخلافه.
وعندما يقول الرئيس نبيه بري إنه قبل ثقة المجلس النيابي، على أهميتها الدستورية، يجب أن تتوفر للحكومة ثقة الشعب والمجتمع العربي والدولي، التي يفترض أن تُمنح لبرنامجها الإصلاحي والإنقاذي؛ خصوصاً على المستويين المالي والاقتصادي، يتساءل كثيرون؛ لكن من أين تأتي ثقة الشعب، وثورة الشعب تزداد تأججاً في الشارع ضد الحكومة؟ ومن أين ثقة العالم العربي، وخصوصاً الخليجي والدولي، لحكومة تعادي العالم العربي وتتنكر لكل المطالبات الدولية، بأن من الواجب تشكيل حكومة تستجيب لمطالب الشارع الثائر ضد تاريخ من سياسات الفساد والنهب؟
بالتأكيد لم يتوقف أحد من أهل «حكومة الإنقاذ» أمام الأرقام المرعبة التي تحدث عنها وزير المال السابق علي حسن الخليل، من أن إيرادات الدولة تراجعت بنسبة 40 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهو ما يرتب عجزاً كبيراً على موازنتي عامي 2019 و2020، ولست أدري من أين سيأتي دياب وحكومته بالإنقاذ عندما نعرف أن الرواتب والأجور التي تدفعها الدولة تبلغ 5.2 مليار دولار، بينما تبلغ الإيرادات 8.49 مليار حتى نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، بما يعني أن الرواتب استهلكت 62.2 في المائة من مجمل الإيرادات، ووصلت خدمة الديْن العام إلى 3.789 مليار دولار، أي ما يوازي 44.6 في المائة من الإيرادات، وهذا يعني أن هذين البندين استهلكا 106 في المائة من الإيرادات، فماذا ستفعل حكومة اللون الواحد، التي قد لا تحصل على فلس من المساعدة الخارجية لمواجهة المليارات في عجز الكهرباء، ومطالب المستشفيات المهددة بالإقفال، والبنزين والمازوت، ومطالب الصناعيين والتجار، الذين يشكون من سعرين للدولار في الأسواق؟ ثم ماذا تفعل الحكومة أمام نسبة بطالة تجاوزت 50 في المائة، وأمام انتحار الناس من العوز، وقول وليد جنبلاط منذ أشهر: «واصلين على مجاعة»؟
… ويأتي حسان دياب ليتحدث عن حكومة استثنائية تحقق الازدهار والاستقرار، ولست أدري هل كان علينا أن نضحك أم نبكي؟! لأن حكومة «كارثة» لا تعالج كوارث!