ربط الديني بضرورات اللحظة

ربط الديني بضرورات اللحظة

ربط الديني بضرورات اللحظة

 العرب اليوم -

ربط الديني بضرورات اللحظة

بقلم - آمال موسى

يمثل الدين مكوناً رئيسياً من مكونات الثقافة والحضارة الإنسانية. بل إن مكونات أخرى تتأثر بالدين وتصوغ مقولاتها انطلاقاً منه مثل العادات والتقاليد والأخلاق والقيم. بمعنى آخر فإن ما يسميها عالِم الاجتماع الألماني ماكس فيبر «النظرة إلى العالم»، إنّما هي نظرة تحمل في أبعادها المعنى الديني بلفت النظر عن شكل حضور الديني ومدى فاعليته.
إنّ الحديث اليوم بالذات عن الدين حتمه قدوم شهر رمضان الكريم. وهو في تقديرنا، علاوة على مسحته الروحيّة ودوره في تجذير الديني - أي شهر رمضان - في وجدان المسلمين، فإنه بالإمكان توظيفه لممارسة نقد للنسق الثقافي العربي اليوم.
إذ إن العلاقة بالديني لا تكتسب قيمتها إلا إذا كان الانتماء اعتقاداً وممارسةً وسلوكاً وإلا فإنه تديُّن شكلاني لا يجلب أي منفعة لا لصاحبه ولا لمن حوله. ولا يخفى أن شعيرة الصوم تحظى بمنزلة مهمة في منظومة الممارسات الدينية للمسلمين. وفي دراسة ميدانية شملت عينة من الشباب التونسي أجريتها شخصياً من سنوات تبين لي أن شعيرة الصوم هي الأولى في سلم الممارسات الدينية وهي لدى هؤلاء الشباب متقدمة على الصلاة. بل إن ممارسة الصلاة نفسها تعرف انضباطاً دينياً متزايداً في شهر رمضان.
وفي هذا السياق قد يكون من الأهمية بمكان التركيز على الجانب القيمي للدين لأن القيم أساس الدين وما الممارسات إلا من أجل ضمان التجذير المستمر لتلك القيم التي هي إنسانية ورأسمال أي حضارة حقيقية ومجتمع يمثل تجربة عميقة وناضجة في الوجود.
هناك مشكلات قيمية كبيرة وخطيرة تجتاح اليوم مجتمعاتنا ويمكن استثمار الديني في معالجتها. فالصدق والعمل والإحسان للغير والهمة العالية، كلها قيم تعرف تأزماً، وكم نحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار إليها كي ننجز تنمية على أسس صلبة ومتينة.

السؤال: مَن سيقوم بعملية إعادة الاعتبار هذه؟
أولاً من المهم الإشارة إلى أن الفئة المستهدفة هي الشباب من منطلق كون الشباب أكثر الفئات العمرية حاجة إلى البناء الرمزي لهويته الذاتية، في حين أن الكهول تجارب الحياة والابتلاءات والحوار مع الذات والأحداث الفردية وحدها تمكّنهم من المراجعة واستخلاص العبر والدروس.
ومن المعلوم أنه في شهر رمضان تخصص القنوات التلفزيونية البرامج الدينية وتتسابق في التعاقد مع الدعاة الأكثر قدرة على جذب المشاهدين. وإذا وضعنا في الحسبان ما يتمتع به عدد من الدعاة من جماهيرية، فإن تحميل القنوات مسؤوليتها الجسيمة يحتّم عليها حسن اختيار المضامين والدعاة والانتباه إلى الإنتاج الإعلامي الديني والرسائل التي سيتم تقديمها للجماهير العريضة. هو أمر يتطلب وعياً خاصاً بدور مثل هذه البرامج في تقويم النسق الثقافي العربي وفي ربط محتوى هذه البرامج بالواقع العربي الإسلامي، أي أنه من الخطأ ترك هذه البرامج من دون خطة تفكير محكمة واستراتيجية اتصال مدروسة. ولقد لاحظنا أنه في السنوات الأخيرة عرفت هذه البرامج نقلة على المستوى التقني، حيث أصبحت برامجَ قصيرة التوقيت وتقدَّم في ديكور مختلف، أحياناً في فضاء خارج الاستديوهات وأحياناً في مكتبات وأحياناً أخرى على شاكلة ريبورتاجات، ومن ثم يمكن الإقرار بحدوث تطور وتنامي حرفية هذه البرامج تقنياً التي أصبحت في غالبيتها متناغمة مع شروط العمل التلفزيوني.
غير أن التقدم في مستوى الشكل لم يواكبه نفس التقدم من ناحية المضامين، فظل الخطاب دعوياً بسيطاً متعالياً على الواقع وصالحاً لكل زمان ومكان ولم يأخذ بعدُ معطيات الواقع في الحسبان ولم يوظف القيم الدينية في معالجة انحرافات الواقع وما نشهده من أحداث.
وبناءً عليه فإن الجاذبية التي تعبّر عنها بوضوح نسب المشاهدة العالية، إنّما هي من نتاج المواكبة التقنية والخروج عن نمط البرامج الدينية غير الجاذب للمشاهدة وليست نتاج ثورة في المضامين.
وفي الحقيقة نفترض أن أمام الخطاب الإعلامي الديني قضايا شتى لطرحها وظواهر عدة محتاجة إلى المعالجة وللدين في كثير منها ما يستطيع الإسهام في المعالجة والنقد والتحريض الإيجابي والحث على مقاومة الانحرافات الحاصلة اليوم مثل تزايد العنف ضد النساء والأطفال وأصحاب الاحتياجات الخاصة وأيضاً مظاهر التمييز العنصري والإرهاب الذي ما زال يفعل فعله ويستهين بالأرواح البشرية.
كما أن قيمة العمل قليلاً ما يتم التطرق إليها، وهي من القيم التي نعرف فيها أزمة حقيقية، الأمر الذي جعل من مشاريعنا التنموية في العالم العربي متعثرة وبوتيرة بطيئة، من دون أن ننسى الخطاب القرآني الحاثّ على طلب العلم وعلوّ الهمة، وهي من المعاني التي من المهم غرسها في الناشئة.
إنّ البرامج الدينية، وتحديداً استثمار مناسبة شهر رمضان كتوقيت تعرف فيها الحاجة إلى التدين تزايداً ملحوظاً، هي فرصة مهمة للتنشئة على القيم التي باتت بلا قيمة في مجتمعاتنا اليوم. أما إذا أهملنا الأمر وتركناه من دون تأطير فإن هذه البرامج المنتشرة في القنوات كافة يمكن أن تؤدي دوراً عكسياً.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربط الديني بضرورات اللحظة ربط الديني بضرورات اللحظة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab