التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول

التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول

التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول

 العرب اليوم -

التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول

بقلم - آمال موسى

 

المفكر وعالِم الاجتماع بيار بورديو، الذي غادرَنا منذ أكثر من عقد، له كتاب مميز جداً عنوانه «التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول»، وهو عبارة عن محاضرة مطوَّلة يصف فيها معالجة التلفزيون للأخبار، وكيفية توظيف الخبراء والجامعيين، وكيف أن التلفزيون ينتج ما سمّاه المفكر بالسريع، منتهياً إلى ما يعني الدعوة الصريحة لمقاطعة المفكرين والمثقفين للتلفزيون.

أيضاً يتناول هذا الكتاب آليات التلاعب بالرأي العام، والحِيل التضليلية المستعملة، وركّز على مُعطى مفاده تشابه وسائل الإعلام، وكيف أن التقليد أهم مبدأ عمل يجمع القنوات المختلفة.

لماذا استحضار بيار بورديو وكتابه الآن؟

في الحقيقة، نحن في لحظة قلّما تتوفر بهذه الشاكلة من توظيف آليات التلاعب بالعقول، التي تأتي على رأسها آلية التضليل بواسطة الإعلام. كما القول إن كل نشرات الأخبار تتشابه، أو إن غالبيتها كذلك من الأفكار التي تحتاج إلى تدقيق وتصويب، حيث إنه، في الأوقات العادية وخارج الأحداث الساخنة، فإن كل الأخبار والمعالجات الإخبارية تتشابه إلى حد كبير. في مقابل ذلك، فإن الحروب والمعارك والتوترات والأحداث ذات المسائل الإشكالية، والتي تكون فيها المواقف وطبيعتها محددة لتواصل المصلحة من عدمها، فإن وسائل الإعلام تجد نفسها مجبَرة على إظهار ما هو مسكوت عنه في سائر تغطيتها للأحداث.

هناك معارك تستوجب دخول وسائل الإعلام فيها، والاضطلاع بجزء من هذه المعركة.

هذا ما نشاهده من تاريخ انطلاق الحرب على غزة والفلسطينيين: التلاعب أولاً باللغة والمفاهيم والمصطلحات؛ لأن الرسالة تُبنى في طورها الأول باللغة. والفهم يمر باللغة، وتشكيل الرأي أيضاً يتحقق باللغة، لذلك فإن المعجم المستخدم في وسائل الإعلام، في هذه الأيام، بخصوص الأحداث في غزة، يقوم على التناقض وعلى سرديات لا خيط ينظمها أحياناً، كما يفعل الجانب الإسرائيلي. الحرب قائمة من تاريخ انطلاق الأحداث فوق الأرض وفي اللغة: تراوح إشكالي بين الواقع الذي تمثله أحداث القتل والتهجير والتنكيل، واللغة التي يستخدمها الجانب الإسرائيلي لتقديم سردية تقوم حول مفهوم الضحية. في أرض اللغة يُمارس القهر والهجوم الأكبر أثراً.

إنه الهجوم الكبير والأكبر من هجوم الواقع، رغم أن عدد الشهداء في غزة بلغ سبعة الآلاف، وذلك باعتبار أن الملايين من الناس في العالم يتابعون الحرب على غزة، والموقف منها يُبنى استناداً إلى المعجم المستخدَم والروايات محض الخيال...

طبعاً الحقيقة من فرط هيمنة مظاهرها في الواقع إلى حد كونها مرئية بامتياز، نجحت في هزم الإمبراطوريات الإعلامية المموَّلة كلياً أو جزئياً من إسرائيل وإسرائيليين. وكلما يكون التنكيل أكبر فإن سطوة التضليل الإعلامي تكون أضعف. فالأمر يستوجب تحديداً كيميائياً مدروساً بدقة للتنكيل والقهر، وأي خلل في التحديد الكيميائي، وفق الجرعات التي تفضح التضليل، فإنه يؤدي إلى نوع من الدعاية الذاتية المضادة.

هناك حرب إعلامية موازية، وهي الأخطر؛ لأنها تصنع السردية وتشكِّل المواقف والرأي العام؛ لأن الذي تهيمن سرديته على وسائل الإعلام وتنشرها، كما تسري النار في الهشيم، هو الطرف الرابح، حتى لو كان خاسراً ومعتدياً على القوانين وحقوق الإنسان في المعركة على الأرض وفي الواقع.

لا شك في أن هذه الأحداث، وغيرها من الأحداث الحارقة، تسبِّب حرجاً وضيقاً وخلافات؛ لأن التضليل هو عملية غير أخلاقية ويرفضها الضمير الحي. وهنا نكتشف للمرة الألف أن التنكيل وتجاوز الحدود الإنسانية هما ما يُحرج حتى المساندين لإسرائيل ويجرُّهم إلى مواجهات مع خصومهم. بل إن الحد اللاإنساني من القهر يبطل مفاهيم إيجابية ويؤثر سلباً على مساعٍ تهدف إلى رأب الصدع وإيجاد الحلول.

السؤال: أليس أهم نصر هو نصر يُحاك بالحقيقة لنضمن ديمومته وصلابته أمام العالم والمستقبل؟ ما نفع سردية مهدَّدة بالمحو في أية لحظة مع بلوغ السيل الزبى؟!

إن هذه الممارسات التي عمّقت القهر والجرح التاريخي ستلقي بتداعياتها على المستقبل، وستُضاعف من الشعور بالخوف. كل ما تقوم به إسرائيل من أجل فرض سردية تاريخية، إنما يبرز إلى أي حد هناك مُشكل في العقل الإسرائيلي في هذا المنحى، حيث نلاحظ نسخاً لسردية مستقبلها في المنطقة بحِبر دموي.

واستناداً إلى ما يعيشه العالم اليوم من حرب إعلامية حامية الوطيس، فإن الحديث عن الموضوعية والمهنية، بالنسبة إلى عدد من وسائل الإعلام، يصبح حديث القهر بواسطة الإعلام، وهو الأعتى؛ لأنه يتلاعب بالعقول.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول التلفزيونات وآليات التلاعب بالعقول



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab