هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد؟

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد؟

 العرب اليوم -

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد

بقلم:د. آمال موسى

هيمن الاهتمامُ بالفرد، وأهملنا في مقابل ذلك، ما عرفته وتعرفه الأسرة كمؤسسة بالمعنى الاجتماعي والرمزي للكلمة والمفهوم، من تراجع في المكانة والأدوار وفي الخصائص.

من المهم التذكير بأنَّ الأسرة هي الوحدة الرئيسية في البناء الاجتماعي العام، وأنَّها الخلية الأولى للجسد الاجتماعي. ومن المهم أيضاً التذكير بأنَّ ما يسمى وظيفة التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد ومن خلالها تنقل له الرموز والثقافة وطريقة العيش ونماذج التصنيف والقيم... إلى الفرد. وبالحديث عن وظيفة التنشئة الاجتماعية اللازمة كي ينتقل الفرد الإنسان من طور الطبيعة إلى طور الثقافة، فإننا نقر ضمنياً وبصريح العبارة بأن الأسرة هي مؤسسة لا غنى للإنسان عنها بالمعنى الوظيفي المحض.
طبعاً لا شك أن فلسفة الحداثة ذاتها، القائمة على إعلاء شأن الفرد والدفاع عنه ضد حتمية المؤسسات الاجتماعية وهيمنتها، قد مثلت أول ضربة تاريخية في مكانة الأسرة. كما أن هذه الضربة كانت على مراحل ولا تزال تعتمد نفس التقنية؛ أي المرحلية. وهذه مسألة مفهومة جداً لأنَّ التغيير الثقافي بشكل خاص يحتاج إلى زمن. ويمكن الاستنتاج أنَّ تراجع الأسرة والتحولات التي عرفتها شكلاً ووظائف ومكانة، إنما هي نجد صداها ومظاهرها في عملية الانتقال من المجتمع التقليدي ذي الهياكل التقليدية إلى مجتمع حداثي. بمعنى آخر، فإنَّ الأسرة ارتبطت بالبناء التقليدي التاريخي للمجتمع واستمرار مؤسسة الأسرة كان مرفوقاً بتحولات شتى عرفتها الأسرة، حيث إن ما عرفه الفرد من تنامٍ لدوره ومكانته واستقلاليته ولعلاقته بالمؤسسات وموقعه في الفعل الاجتماعي... كل هذا أدَّى آلياً إلى تراجع متعدد الأبعاد في مؤسسة الأسرة، وذلك من منطلق أن ما تحصّل عليه الفرد هو في جزء وافر منه كان من رصيد الأسرة. وهنا يمكن أن نقيس ما شاب الاجتماعي من تغييرات بتنامي ظاهرة الفردانية التي أثرت على العملية الاجتماعية ككل، وكان أول من بدأ يفكر في هذا الانقلاب الاجتماعي هو عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، من خلال نظرية الفعل الاجتماعي وتناول مفهوم الفاعل الاجتماعي، بعد أن كانت الأدبيات السوسيولوجية تستعمل مفهوم العون الاجتماعي. فالانتقال من زمنية العون الاجتماعي إلى زمنية الفاعل الاجتماعي حتَّم تغيراً في المواقع والمراتب والصراع على الهيمنة.
إذن الحداثة كمنظمة قيم تنتصر للفرد واستقلاليته عن الأطر الاجتماعية وحريته، إضافة إلى أن عملية الكسر المتراكم للعلاقات العمودية النسق والقيم والعلاقات مثلت في الحقيقة عامل إرباك نتج عنه مخاض طويل بطيء تختلف شدته من مجتمع إلى آخر ومن فضاء ثقافي اجتماعي إلى آخر. وفي هذا السياق، من المهم التمييز بين واقع الأسرة في الفضاء الأوروبي والغربي عموماً، وفي الفضاء العربي والإسلامي باعتبار أنَّ الأسرة في الفضاء العربي والإسلامي لا تزال تحظى بمخيال إيجابي، وتمثل مصدراً وجدانياً واجتماعياً رغم كل التغييرات الحاصلة التي تجعلها رغم أهميتها تعرف هزات وصدمات. أما في الفضاء الأوروبي فإنَّ حالة التّهرم السكاني ذاتها تعني من بين ما تعنيه تراجع نسب الإنجاب وتكوين الأسر.
طبعاً المجتمعات العربية في غالبيتها ما زالت مشدودة إلى مؤسسة الأسرة، ولكن من الخطأ أن نتصور أنّها صامدة بشكل كامل، بل إنّه إلى جانب ما طرأ على مجتمعاتنا من تغييرات هي نتاج خطوات التحديث، فإنَّ الارتباكات الاقتصادية العالمية وفي المنطقة العربية وتوالي الأحداث، بدءاً بحرب الخليج، ثم ما سمي الربيع العربي، وصولاً إلى جائحة الـ«كوفيد- 19» قد ألقت بظلالها على واقع الأسرة وراكمت أمامها الصعوبات. بمعنى آخر، فإن التداعيات الاقتصاديّة للأحداث قد أنتجت مجموعة من التوترات متعددة الأبعاد داخل الأسرة، ويتمظهر ذلك في ارتفاع حالات الطلاق وتزايد ظواهر العنف داخل الفضاء الأسريّ وتدهور القدرة الشرائيّة.
إنّ مؤسسة الأسرة تعرف في الوقت الرّاهن تهديدات ثقافيّة وماديّة اقتصاديّة متشابكة تُؤثر سلباً على وظيفتها التّاريخيّة وتنتج ظواهر تهدد استقرار المجتمع ومستقبله، خصوصاً فيما يتعلق بالعزوف عن الزواج أو إهمال الأبناء، وما يمثله الطلاق ذاته من حالة تهديد للطفل، وشعور بالفشل لدى الزوجين ومن تفكك أسري ومجتمعي.
المؤكد أنَّ الأسرة كأهم مؤسسة اجتماعية والأقدم تاريخياً، في حالة تأزم قد تختلف وتيرته من مجتمع إلى آخر، وقد يختلف شكله من فضاء ثقافي إلى آخر، ولكن في نفس الوقت الحقيقة التاريخية تقول إنَّ المجتمع لا يستغني عن الأسرة كنواة أولى، وأنَّ التعامل السلبي مع العواصف التي تمس وجودها، إنما يؤسس لخراب اجتماعي لا قدرة للإنسان ولا للإنسانية عليه.
فالحل هو معالجة تهديدات الأسرة؛ لأنَّه لا غنى عنها، حتى ولو بلغت الفردانية أوجَها.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد هل مؤسسة الأسرة في حالة تهديد



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 01:16 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مسمار جحا

GMT 00:55 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شراسة بلوزداد بعد مباراة القاهرة!

GMT 06:28 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الكونغرس... وإشكالية تثبيت فوز ترمب

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 20:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هزة أرضية بقوة 3.1 درجة تضرب الجزائر

GMT 20:28 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.1 درجة يهز ميانمار

GMT 09:28 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

كليوباترا وسفراء دول العالم

GMT 00:15 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وفاة ملاكم تنزاني بعد تعرضه الضربة القاضية

GMT 09:27 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

مطار برلين يتوقع ارتفاع عدد المسافرين إلى 27 مليونا في 2025

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 14:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بيتكوين تقترب من حاجز 98 ألف دولار

GMT 09:33 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

صور متخيلة لعالم وهو ينتقل من عام إلى آخر

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

GMT 09:27 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

«قيصر» وضحايا التعذيب في سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab