الفطام عن صورة الدولة الأب

الفطام عن صورة الدولة الأب

الفطام عن صورة الدولة الأب

 العرب اليوم -

الفطام عن صورة الدولة الأب

بقلم:د. آمال موسى

هناك أشياء كثيرة بصدد التغيير في مجتمعاتنا اليوم، وهي تغييرات في الحقيقة لا تشمل الفضاء العربي والإسلامي فحسب، بقدر ما هي ذات صلة بما يحصل في العالم بالمعنى الجغرافي، وأيضاً بتاريخية بعض تغييرات بعينها، ووجدنا اليوم أنفسنا وجهاً لوجه أمام مسارات من الصعب الصمود ضدها.
فالتوجه العام الراهن يفضل تخفيف عبء الدولة في التشغيل وفي إدارة كبرى المؤسسات الاقتصادية وتمكين القطاع الخاص من شؤون الاقتصاد والمال والتجارة. وانبنى هذا التفضيل على فكرة أن القطاع الخاص أكثر جدارة في تحقيق الربح وتحريك عجلة الاقتصاد.
طبعاً لا بد من تحرير الاقتصادات ومن أن يتحمل القطاع الخاص المسؤولية في دفع عجلة الاستثمار نحو الربح، وهو وضع سيمكّن الدولة من التركيز على وظائفها الأساسيّة وحسن التصرف في المال العمومي.
وما نلاحظه هو أن ميكانيزمات التنمية في العالم اليوم تنحو نحو إيلاء القطاع الخاص الأولوية في مجال خلق الثروة وإدارة الاقتصاد والتنمية، بمعنى أن الخيار عالمي ولا تستطيع أي دولة الانفلات منه إلا نسبياً. بل إنّ السوق العالمية اليوم منظمة بطريقة تجعل من المستثمرين الخواص، الفاعلين الأساسيين.
السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نفسر استمرار رغبة الشبان والشابات في الحصول على وظيفة بمؤسسات الدولة والحال أن الواقع بصدد التغيير؟
لا شك في أن التغيير المشار إليه إنما يُعبر عنه اليوم بثقافة المبادرة الخاصة وبعث المشاريع الخاصة، وهي ثقافة لا تكتسب بقرار بقدر ما هي نتاج زرع بذور الاعتماد على الذات والتنشئة على المبادرة وعلى الحلم وعلى خوض غمار التجارب والمغامرة الاقتصادية.
ويكشف واقع السلوك الغالب أن هاجس الأغلبية هو ذلك المرتب القار الذي يتقاضاه الموظف في نهاية كل شهر رغم كل السخط ضد المرتب الذي لا يفي بالحاجة وغير المواكب لغلاء الأسعار.
التحدي الجديد هو كيف الفطام عن المرتب القار؟
أظن أن الطموح ثقافة، والتعويل على الذات والقدرات والكفاءة ثقافة أيضاً.
نحتاج إلى مقاربة جديدة للقطاع الخاص حتى نقلص من هيمنة ثقافة الدولة الراعية لكل شيء. أي أن المطلوب هو إنتاج تمثلات ومخيال إيجابي لأصحاب الأعمال والمشاريع، خصوصاً أن بناء دول الاستقلال العربية بقدر ما كان على أكتاف الدول وميزانياتها، فإن الخواص قد أسهموا في ذلك وقاموا بجزء من دورهم.
لذلك فإن مشاركة القصص الإيجابية الناجحة من شأنها أن تمثل رسالة إيجابية مشجعة. إلى جانب أهمية توفير تسهيلات وامتيازات للراغبين في الانضمام للحساب الخاص، باعتبار أن بلداننا يجب أن تكون ذات مناخ جالب للأعمال ومشجع على بعث المشاريع.
ويبدو لنا أن الرهان على المرأة في تكريس ثقافة المبادرة الخاصة قد يكون خياراً ذكياً ويؤدي مجموعة من الأهداف دفعة واحدة. فمن جهة نعالج مستوى التشغيلية الضعيفة للنساء في بلداننا وتشجيع الأجيال من ذوات الشهادات الجامعية على بعث مشاريع والمشاركة في خلق الثروة، ومن جهة ثانية، من خلال قدرة النساء على إثبات الذات والنجاح، يتم نقل ثقافة المبادرة الخاصة والتعويل على الذات وعدم التعويل على الدولة في تأمين العمل والمرتب القار. ثم من منطلق كون النّساء هن أمهات فإنهن سيمثلن نماذج وقدوة للناشئة.
إن مراحل الانتقال من ثقافة إلى أخرى ومن واقع إلى آخر لم يكن يوماً حدثاً سهلاً على المجتمعات. غير أن إدارة مرحلة الانتقال بذكاء وواقعية وعقلانية وبروح إيجابية من شأنها أن تجعل الولادة أقل تعثراً.
فالدولة ومهما كانت فإنها غير قادرة على توفير كل شيء. والشراكة ما بين الدولة والخواص في خلق الثروة باتت خيار بلدان عدة خبرت آيديولوجيات فكرية اقتصادية مختلفة.
من المهم أن تهتم الدولة بالخدمات الأساسية على غرار التعليم والصحة وحماية الفئات الضعيفة، وأن توفر بيئة للعمل والربح والحلم والطموح الممكن، وهو ما يتطلب تفرغاً من مهام أخرى أثقلت كاهلها ولم يعد ممكناً القيام بها بحكم تغير الواقع والطلب والإمكانات وشروط العلاقة ككل. فالبيئة المقصودة تكون فيها الدولة مرافقة للفرد وداعمة له، وليس أنموذج الدولة الأب كما خبرناها.
يبدو لنا أن الفطام عن المرتب القار والاستعاضة عن ذلك بالإدمان على الطموح المدروس وعقلانية الحلم، كل ذلك ليس بالمهمة الصعبة في ظل عالم منفتح بعضه على بعض ومليء بالقصص الملهمة.
كل ما في الأمر هو أن تتجند الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام لغرس ثقافة المبادرة الخاصة وعدم القناعة بمرتب بسيط مهما كان عالياً والانخراط في حلم الربح الوفير وخلق الثروة خارج القيود. وأيضاً لا بد من الانطلاق في صورة الدولة الأب والدولة المرافقة بشكل يهيئ السبيل لصورة ومضامين وموارد قوة وهيبة متجددة وفي تفاعل مع المتغيرات.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفطام عن صورة الدولة الأب الفطام عن صورة الدولة الأب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 01:16 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

مسمار جحا

GMT 00:55 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شراسة بلوزداد بعد مباراة القاهرة!

GMT 06:28 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

الكونغرس... وإشكالية تثبيت فوز ترمب

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 20:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هزة أرضية بقوة 3.1 درجة تضرب الجزائر

GMT 20:28 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.1 درجة يهز ميانمار

GMT 09:28 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

كليوباترا وسفراء دول العالم

GMT 00:15 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وفاة ملاكم تنزاني بعد تعرضه الضربة القاضية

GMT 09:27 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

مطار برلين يتوقع ارتفاع عدد المسافرين إلى 27 مليونا في 2025

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 14:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بيتكوين تقترب من حاجز 98 ألف دولار

GMT 09:33 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

صور متخيلة لعالم وهو ينتقل من عام إلى آخر

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

GMT 09:27 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

«قيصر» وضحايا التعذيب في سوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab