بقلم:د. آمال موسى
أصبح تناول مفهوم ريادة الأعمال حاضراً بقوة في الخطاب الاقتصادي والتنموي اليوم بشكل يوحي كأن المسألة يكفي لتحقيقها الضغط على زر ما حتى يصبح الجميع من أهل ريادة الأعمال.
في الحقيقة من الجيد أن يسجل مفهوم ريادة الأعمال حضوراً لافتاً في الاستراتيجيات التنموية المطروحة، وهو دليل على الانتباه لمعجم اقتصادي جديد نحن في أمسّ الحاجة إليه. غير أن هذا الانتباه من المهم أن يرافقه إدراك عميق بأن ريادة الأعمال هي أولاً ثقافة وتربية وتنشئة. كما أن ريادة الأعمال تاريخ وتصوُّر مستقل بذاته ومن ثم فإن ريادة الأعمال يَحول دونها بعض المشكلات التي تتصل أساساً بالثقافة والتنشئة.
طبعاً لا شك في أن السير في نهج التشجيع على ريادة الأعمال هو خيار لا مناص منه، خصوصاً أن الدول اليوم لم تعد قادرة على تحمل تشغيل جميع المواطنين والمواطنات، والحل يكمن في جزء كبير منه في المبادرة الخاصة والتعويل على الذات وإطلاق عنان الخيال والإبداع. لذلك فإن الترويج لثقافة ريادة الأعمال إنما يمثل جوهر معالجة ظاهرة البطالة وحلاً من حلول التشغيل.
هكذا يجب أن نفهم الخطاب الإيجابي المتنامي اليوم في بلداننا حول ريادة الأعمال.
ولمّا كانت الدول ذاتها على بيّنة بأن المرور من ثقافة التعويل على الدولة فقط في إيجاد العمل إلى التفكير في خلق فرصة العمل وابتكار فكرة مشروع ملهمة ومغرية ومربحة... هذا المرور، أو لِنَقُلْ الانتقال، بكل ما يعنيه الانتقال من صعوبات وتعثرات، يحتاج إلى مرافقة وأخذ باليد، وذلك من خلال تذليل صعوبات الدعم الفني والنفاذ إلى القروض وغير ذلك من العناصر الأساسية في عملية ريادة الأعمال ككل. وهذا ما فهمته دول عدة، فخصَّصت إجراءات تسهيلية تمكّن من خوض مغامرة ريادة الأعمال باعتبار أن دور الدولة بدأ يتحول من مصدر للتشغيل إلى ميسِّر لريادة الأعمال مع كل ما يقتضيه ذلك من تشريعات واعتمادات مساعدة وامتيازات جمركية للمعدات وأيضاً امتيازات جبائية خصوصاً في بداية انطلاق المشاريع، وغير ذلك من الدعم البديل لواجب الدولة في التشغيل.
وعند هذه النقطة بالذات لا بد من استيعاب ضرورة تقديم بدائل للمواطنين من أجل خلق فرص عمل بأقل ما يمكن من صعوبات ومن غير الممكن اليوم لأي دولة أن ترفع يدها عن تشغيل المواطنين دون أن تمد يدها من ناحية أخرى وتقديم التسهيلات اللازمة والإجراءات المشجعة والجاذبة، وهو ما يُصطلح على توصيفه بمناخ الأعمال، حيث إنه لا ريادة ناجحة ومزهرة دون مناخ مشجع للأعمال.
هذا بشكل عام.
لننتقل إلى النقطة الجوهرية في مقالنا وهي النساء في علاقةٍ بريادة الأعمال، ونخص بالذكر بلداننا العربية؛ إذ نجد نسبة النساء صاحبات الأعمال دون المأمول بشكل يسمح لنا بالاستنتاج الموضوعي لهيمنة ذكورية واضحة على الريادة في الأعمال، وهي هيمنة مفهومة ولكن حُسن فهمها يمكّننا من وضع الخطة الدقيقة اللازمة لتغيير هذه الهيمنة وعلى الأقل التخفيف من حدتها في مرحلة أولى.
في الحقيقة نركّز في الحديث عن حقوق النساء على مسائل مهمة ولكن نُغيّب الأهم؛ فالبعد الأكثر أهمية من أبعاد المساواة هي المساواة الاقتصادية وهي التي ستؤثر آلياً على كل المجالات الأخرى. ولا يمكن التحلي بالمصداقية في الحديث عن المساواة والحال أن نسبة البطالة في صفوف النساء أكثر بكثير من صفوف الرجال، ولا حديث مقنعاً عن ريادة الأعمال كثقافة مجتمعية جديدة وخيار اقتصادي بديل في ظل هيمنة ذكورية في مجال الأعمال.
من هذا المنطلق، فإن العمل ليس فقط في التشجيع على فكرة المبادرة الخاصة وفكرة ريادة الأعمال، بل إن هناك عملاً كبيراً يجب أن يُبذل في تشجيع النساء والفتيات على الريادة في مجال الأعمال وفهم أن تقوية موقعهن في مجال ريادة الأعمال هو بكل بساطة يعني الرفع من نصيبهن في امتلاك الثروة ومتى تم بلوغ تقاسم الثروة فإنه ساعتها لا حاجة أصلاً للمطالبة بالحقوق التي نناضل من أجلها اليوم، إذ مَن يمتلك نصف الثروة فهو يمتلك نصف القرار وكل الحقوق التي يتمتع بها الشريك.
غير أن بلوغ نقطة التناصف في الثروة ليست بالأمر اليسير ولا بد من الرهان على ثقافة ريادة الأعمال وتشجيع النساء على الإقبال عليها لأنه دون ذلك فإن عدد العاطلات عن العمل في صفوف النساء سيرتفع أكثر مما كان، وهو ما يتطلب إجراءات تمييزية مضاعفة تشمل النفاذ إلى القروض وإلى ملكية الأرض.
ويبدو لنا أنه لا بد من استراتيجية عربية كاملة وموحَّدة في مجال المرأة وريادة الأعمال بشكل أن يكون هناك برنامج ضخم في كل دولة يهتم بريادة الأعمال النسائية، ولنا في تونس تجربة مثمرة من خلال البرنامج «رائدات» الذي فتح آفاقاً خاصة للنساء والفتيات في تونس.
نريد «رائدات» في كل بلد عربي، وكم ستكون قصص النجاح مبهرة لنا وللعالم.