من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية

من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية؟

من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية؟

 العرب اليوم -

من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية

بقلم: د. آمال موسى

لا نبالغ إذا قلنا إن العلاقة بالدين من فرط أهميتها فإنها حساسة جداً ومصادر وطرق اكتسابها ذات أهمية مضاعفة ودقيقة. واليوم نلاحظ تراجع دور الأطر الاجتماعية في القيام بالمهمة الكبرى المتمثلة في التنشئة القيمية والثقافية للأطفال والشباب، وهو تراجع يحتم علينا الانتباه إلى المصادر البديلة التي سطت على دور المؤسسات الاجتماعية الأساسية.

طبعاً لا شك في أن التحولات التي شهدها النظام الاجتماعي بفعل الحداثة ومؤشرات التحضر، قد طالت آلياً مؤسسات التنشئة الاجتماعية المتمثلة في الأسرة والمدرسة ومختلف الأطر التي تقوم بوظيفة التنشئة الاجتماعية، الأمر الذي جعل الفرد يصبح الجوهر الاجتماعي في البناء السوسيولوجي بعد أن كان كل اهتمام علم الاجتماع مركّزاً على الأبنية الاجتماعية والاجتماعي الكلّياني. بل إن بعض علماء الاجتماع يرون أن حركة الاستقلالية الفردية هي فعلاً خميرة لانحلال البناء الاجتماعي التقليدي وأن مفهوم الرابطة أصبح يقوم أقل فأقل على الفرض. ولكن وإن كان الاتجاه الغالب اليوم في التفكير السوسيولوجي يشدّد على عملية فهم أفعال الأفراد والارتباط المعبّر الذي يؤلّف بينها، فإن التساؤل عن دور الأطر في تحديد تمثلات الشباب وسلوكه ذات قيمة من ناحية تعميق فهم روافد المعرفة المحددة للمواقف والاتجاهات. لذلك فإن التساؤل عن دور الكتب الدينية مثلاً في تشكيل الوعي الديني للشباب اليوم مهم خصوصاً في زمن تراجع دور الأسرة والمدارس وهيمنة تكنولوجيا الاتصال. والملاحظ، وهنا المفارقة الجديرة بالتنقيب والبحث، أن النخب الدينية بمختلف مرجعياتها ومستوياتها لا تزال تراهن على الكتاب الديني رغم نسب القراءة الضعيفة في العالم العربي والإسلامي.

ولا نحسب أننا نبالغ إذا قلنا إن ظاهرة ضعف الإقبال على القراءة وتراجع الاهتمام بالكتاب، كأحد أهم مصادر المعرفة ذات المدلول الكلاسيكي، يؤديان آلياً إلى اكتساب الأفراد ثقافة يغلب عليها الشفوي وما يتصل بالمعرفة الهشة والسطحية. وفي مقابل ذلك لا مفر من الإقرار أيضاً بأن المعيش الاجتماعي اليومي بما يحتويه من تفاصيل وخصوصيات ورموز وأنماط من العلاقات الاجتماعية ومن تبادلية تفاعلية، إنما هو بالفعل نتاج مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية وثمرة تجربة الفرد الشخصية، ولكن أيضاً هو نتاج النظم المعرفية التي يستقي منها الفرد ما يؤهله لترتيب رموزه وتعديل قيم التوجيه المكتسبة وتشكيل رأسماله الثقافي وفق المعنى الذي يريد أن يعطيه لأفعاله ولأنشطته. فمجال القراءات يمنح الفرد استقلالية وقدرة على بناء هويته على نحو إبداعي خلاق. وهنا نتساءل عن أثر القراءات في فهم الشباب للديني وثقافتهم الدينية بشكل عام. إن فعل القراءة في حد ذاته نقطة جوهرية والعلاقة بالقراءة تخضع إلى تنشئة اجتماعية وفردية، ثم إلى اتجاهات مخصوصة تحددها ميولات الفرد. ولا يخفى أن عنصر التكوين الثقافي الديني يعد عاملاً مهمّاً في تشكيل فكر الشباب ومواقفه وسلوكه، أي إنه على حد تعبير فرنسوا ديبي طريقته لصنع العالم الخاص. غير أن ما تكشف عنه الأرقام والإحصائيات يشير إلى كون الكتب الدينية مهمشة في عموم العلاقة المهمشة بالكتاب بشكل عام وقلة قليلة من الشباب العربي اليومي يطالعون الكتب الفكرية الدينية.

وعموما يظهر أن عادة القراءة غير منتشرة في الممارسة الثقافية للشباب العربي، ولعل ذلك يفسَّر في جزء منه بإهمال مؤسستي التنشئة الاجتماعية الأساسيتين الأسرة والمدرسة لهذه القيمة الثقافية. وفي دراسة أنجرتُها من أكثر من عقد وجدتُ أن الكتب الدينية المفضلة لدى الشباب هي كتب الشخصيات الدينية وكتب الأدعية الأكثر تفضيلاً وكتب الفكر تأتي في الترتيب الثالث. وبالتالي، فإن شبابنا في الفضاء العربي والإسلامي لا يبدو عقلانياً في غالبيته في تحديده لأفضلية الكتب الدينية بالنسبة إليه، فنوعية مضامين الكتب الدينية المؤطرة لوعي شبابنا دينياً، لا تعبر عن أثر مهم للمعرفة الدينية العالمة، بقدر ما تُبدي ولاءها الأكبر للمعرفة الدينية الشعبية.

طبعاً يمكننا أن نفسر الأثر المتواضع للقراءات وللكتب الدينية بانتشار الوسائل السمعية والبصرية ووسائط الاتصال الحديثة من دون أن تكون هي بدورها حاثة على القراءة، الأمر الذي قد يؤثر على الممارسات الثقافية للشباب ويجعلهم يبتعدون عن الوسائل الكلاسيكية للمعرفة. كما أن انجذاب الشباب إلى وسائط الاتصال الحديثة، تؤكده ظاهرة الاستعمال الواسع لموقعي «فيسبوك» و«تويتر». وربما قد يصح استنتاج أن التعبيرات الحديثة، تفعل فعلها في المعيش الاجتماعي للشباب، أكثر من فعل الكتب الدينيّة. وبالتالي فإن الثقافة الدينية التي تحتكم إليها تمثلات الشباب والأطفال من فئة اليافعين هي «ثقافة تقليدية»، بسبب افتقادها للدقة وللثقافة العالمة. فهي ثقافة تختزن معرفة تقريبية غير دقيقة، ناتجة عن الوسط الاجتماعي و«الإنترنت» التي تقدم صفحات مجزأة وأحياناً متصرَّف فيها وليست -أي ثقافة الشباب الدينية- نتاج النظم المعرفية الجادة والكتب.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية من أين يستقي شبابنا معرفتهم الدينية



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:19 2025 الأربعاء ,29 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يستخدم الذكاء الاصطناعي بسبب "نمبر وان"

GMT 03:37 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

6 قتلى في حادث طيران جديد شرقي أميركا

GMT 10:21 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

حمادة هلال يمازح شياطين مسلسله في رمضان

GMT 12:00 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

مقتل 18 جندياً في باكستان على يد مسلحين

GMT 09:50 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

تعليق غريب من محمد فؤاد حول حفله بالكويت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab