عصافير عدّة بحجر واحد

عصافير عدّة بحجر واحد

عصافير عدّة بحجر واحد

 العرب اليوم -

عصافير عدّة بحجر واحد

بقلم : د. آمال موسى

 

نلاحظ تفاقم الظواهر الاجتماعية وتشعبها على نحو ينتج مشاعر العجز والإحباط من كثرة تعقيد الظواهر الاجتماعية وصعوبة معالجتها، في لحظة عالمية تنتصر للماديّ والفرديّ، وتهمل الأسر والمجتمعات.

طبعاً الظواهر ذات الصلة بالعنف والانحراف والتفكك وانهيار القيم والفقر والتسول والاتجار بالبشر والجهل تتضاعف تداعياتها وتنتشر في المجتمعات التي يتعثر انتقالها من طور المجتمع التقليدي إلى الحداثي. لذلك فإن المشكل يبدأ من صعوبات الانتقال بالمجتمع الذي يعاني التشظي والانفصام والتردد بين نسقين ثقافيين، بشكل يقودنا إلى ما يمكن أن نطلق عليه «الضياع الثقافي».

والمشكل الأكبر لا يكمن فقط في الموقف من الحداثة التي باتت قدَراً لا مهرب منه، بقدر ما هو في المجتمع الرافض، والذي أصبح من الظواهر الاجتماعية المتراكمة، الأمر الذي يُغرق المجتمع ويلقي به في حلقة مفرغة.

وأمام حتمية الإصلاح والمعالجة والعمل على وقف النزيف الحاصل من الظواهر الاجتماعية المقلقة، فإن المنهجية الأسلم والأكثر نجاعة ليست حل كل مشكلة على حدة، بل في توخي استراتيجية الاشتغال على مشكلات كبرى ذات مردود إيجابي على مشكلات أخرى؛ كمعالجة منظومية تصب في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتعمل على التخفيض من شدة وحدّة ظواهر مزعجة ومكلفة بكل المعاني.

من هذه المشكلات الكبرى التي لو نركز على حلها ومعالجتها بجدية، فإنها ستساعدنا على تحقيق انتعاشة اقتصادية واجتماعية، وهي مسألة تشغيل النساء. والرهان على تشغيلهن ليس من باب التشغيل فقط، وإنما من منطلقات عدة وبهدف إسقاط عصافير عدة بحجر واحد.

لنطرح السؤال بكل بساطة: ماذا يمكن أن تربح الدولة عندما تضع عمل المرأة ضمن أولوياتها؟ من خلال هذا السؤال الواضح البسيط نصل إلى إجابات يمكن تقديرها مادياً وتحديد مقدار الربح فيها.

ففي البداية، الرّهان على عمل المرأة ووضع الآليات اللازمة لدمجها في الدورة الاقتصادية سيحسّنان آلياً من أداء عجلة التنمية وحجم الثروة في الاقتصاد الوطني. وباعتبار أن التوجه اليوم في كل الاقتصادات إنما يعزز المبادرات الخاصة، فإن النساء يمكنهن أن يمثلن أحسن تمثيل في تعزيز ثقافة المبادرات الخاصة في المجتمع، وغرسها في عقلية الأجيال الصاعدة. ولتأمين عمل النساء والفتيات والتقليص أكثر ما يمكن من نسبة البطالة في صفوفهن، والتي تقدر على الأقل بضعف نسبة بطالة الرجال في غالبية البلدان، فإنه لا بد من خطوط تمويل لمشاريع متناهية الصغر ومشاريع صغرى ومشاريع متوسطة واتخاذ إجراءات جاذبة للمشاريع النسائية، وخلق مؤسسات تتولى تأهيلها ومرافقتها. وعندما تتوفر هذه الإرادة فإن أول ما تجنيه الدولة هو اقتصاد لا مكان فيه للتمييز على أساس «الجندر»، وسيرتفع عدد الناشطين في الاقتصاد، وسينخفض عدد الفقراء والمحتاجين والجائعين والمتسولين... وأيضاً مؤشر الدولة في مجال العمل سيتحسن وتتضاعف النتائج والأرباح عندما تتحلى الدولة بشجاعة تطوير التشريعات التي تقوي المقاربة الحقوقية لمجال العمل والأعمال وعطل الأمومة والمساواة بين الجنسين. وكل تطوير في التشريعات يفتح آفاقاً رحبة للدولة للتمتع بدعم ومساعدات تمكّن الدولة من تغطية تكلفة هذه التشريعات التي تجرأت على وضعها.

إن رهان الدول على عمل النساء، وتوفير مناخ أعمال جاذب لهن ويعترف بهن ويتعاطى معهن بوصفهن فاعلات رئيسيات في عملية خلق الثروة، ليس فقط طريقة جيدة لخفض نسبة البطالة في المجتمعات، بل أيضاً آلية فعالة للقضاء على الفقر والجوع بوصفهما الهدفين الكبيرين من أهداف التنمية المستدامة. بل إن الدول تضرب عصافير عدة بحجر واحد: أولاً كل امرأة تنخرط في عالم العمل ستكون خارج دائرة الفقر والجوع. وثانياً العائلة الفقيرة ستكون أفضل عندما تعمل الأم، والأب سيكون أكثر قوة وصموداً في دفع الفقر والجوع عن عائلته عندما تكون زوجته فاعلة وداعمة له في تسيير الأسرة اقتصادياً.

من جهة ثانية، فإن عمل النساء يجعل ظواهر الانقطاع المبكر عن الدراسة تتراجع، وانحراف الأطفال بسبب الفقر والإهمال يقل؛ بمعنى آخر: العائلة التي تحصل على راتبين آخر كل الشهر، أو مدخولين اثنين، هي عائلة ذات هيكلة اقتصادية أكثر قدرة على الصمود من غيرها.

باستطاعة كل دولة أن تستفيد من قدرات مواطنيها ومواطناتها من أجل تنمية مستدامة ومجتمع أكثر مناعة من ظواهر الفقر والانحراف بسببه.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصافير عدّة بحجر واحد عصافير عدّة بحجر واحد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab