الأمومة تشريعات أيضاً

الأمومة... تشريعات أيضاً

الأمومة... تشريعات أيضاً

 العرب اليوم -

الأمومة تشريعات أيضاً

بقلم:د. آمال موسى

عادةً ما يقترنُ الحديثُ عن الأمومةِ بالعاطفة دون سواها، وننسى أنَّ هناك أيضاً أبعاداً أخرى من شأنها أن تيسّر عمليةَ الأمومةِ وحالة الأمومة وتجعلها أكثرَ تحقّقاً على النحو الذي يجب أن تكونَ عليه.

وفي الحقيقة من المهم جداً طرح هذه المسألة في عالم أصبح غارقاً في الماديات التي أثرت سلباً على العلاقات الاجتماعية ووضعت نقاطَ شكٍ واستفهامٍ حول علاقات على غرار الصداقة، وعلاقات القرابة وحتى الحب بين الرجل والمرأة وغير ذلك من العلاقات ذات المنسوب العاطفي الأخلاقي الوجداني في المخيال الاجتماعي الإنساني، بدليل ما تركته الإنسانية عبر الحقبِ التاريخية من قصصٍ مؤثرةٍ وأمثالٍ وإبداعٍ وشعرٍ يتغزل ويتغنى بالقرابة والصداقة والحبّ.

في خضمّ هذا التراجع في متانة العلاقات الاجتماعية نجد أنَّ عاطفةَ الأمومة لا تزال صامدة وظلَّت نافورةً لا تنضب، وملجأ الإنسان في زمن القسوة والمادية. وفي سياق انطلاق المجموعة الدولية أمس في إحياء الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، فإنَّنا نعتقد أنَّه حان الوقت كي تتمَّ مقاربةُ مسألة الأمومة من منظورٍ متعددِ الأبعاد، حيث إنَّ الرضاعةَ الطبيعية والتشجيع عليها والدفاع عن حق الطفل في المناعة الصحية، كل هذه النقاط وغيرها إنَّما تندرج في جوهر الأمومة.

وبمراجعة الإحصائيات الأممية فإنَّنا نُصدم بواقع الرضاعة الطبيعية اليوم، حيث إنَّ أقلَّ من نصف الرضّع دون سن 6 أشهر يرضعون رضاعة طبيعية حصرية. وهي نقطة تمسُّ حتى العاطفي الوجداني من منطلق أنَّ العلاقة بين الأم ووليدها تأخذ منعرجاً جديداً منذ حدث الولادة وتكون الرضاعةُ هي الجامعَ الأوَّلَ بينهما.

من ناحية ثانية فإنَّ الطفولة تعاني اليوم من أمراض عدة مستجدة رغم الإنجاز الهائل في عالم التلاقيح، والسبب هو تراجع مدة الرضاعة الطبيعية الحصرية إلى درجات تبعث على القلق. فنصف الأطفال محرومون من هذا الحق، ناهيك بأنَّ المنفعة للوليد من خلال الرضاعة الطبيعية الحصرية كبيرة جداً، وهي التي تؤسس لمناعته الصحية. ولكن الواقع يؤكد تراجعَ هذه الممارسة الجيدة وتقلّص مدتها في صورة تواصلها. وهناك بلدان تراجعت فيها نسب الولادة إلى أقل من الربع.

إذن الحق في الصحة الذي تضمنه كل التشريعات هو مهدد بمجرد تراجع الرضاعة الطبيعية الحصرية، ويفسَّر هذا التراجع بعمل الأم التي تضطر إلى التضحية برضاعة طفلها لاعتبارات تتصل بالتشريعات التي لا تساعد على تأمين هذا الحق للطفل. لذلك فإنَّنا نعتقد أن مختلف تشريعات عطل الأمومة من المفروض أن تتقيَّد بتأمين هذا الحق وفق المدة الدنيا اللازمة، ولا نعتقد أنَّ الدول وهي تضمن هذا الحق لأطول مدة ممكنة، ستجابه أثراً مالياً كبيراً، لأن ما تدفعه الدول على الأمراض التي باتت تهدد حياة الأطفال أكثر بكثير مما لو أنَّها اتجهت لمقاربة ليست مكلفة.

واضح جداً أنَّ هناك علاقة سببية بين تراجع المناعة الجسدية للرضع بحكم حرمانهم من الرضاعة الطبيعية الحصرية أو لضعف المدة المخصصة لذلك، وبين هذه الأمراض التي أصبحت تمس فئة الأطفال التي تمثل بدورها الأجيال القادمة. وطبعاً حدة هذا المشكل تختلف من بلد إلى آخر، الشيء الذي يجعل من الخطط الوطنية لمعالجتها متعددة. غير أن الأكيد أن الجميع مطلوب منه سن التشريعات وتوفير كل ما ييسر تأمين حق الوليد في الرضاعة الطبيعية الحصوية لأطول وقت ممكن.

إلى جانب الأثر الإيجابي للرضاعة الطبيعية الحصرية على صحة الطفل وتعزيز مناعته الذاتية، إضافةً إلى ما يمكن أن تتجنبه الدول من مصاريف علاجية لأمراض هي نتاج الاستغناء عن هذه الممارسة الطبيعية الجيدة فإن المرأة ذاتها مستفيدة صحياً، خصوصاً أن العلاقة بين الرضاعة الطبيعية للوليد والوقاية من سرطان الثدي كبيرة وقوية وأثبتتها الدراسات. وفي عام 2022، شُخصت إصابة 2.3 مليون امرأة بسرطان الثدي وسُجلت 670 ألف حالة وفاة بسببه في العالم. بمعنى آخر، فإن الرضاعة الطبيعية الحصرية للطفل هي أيضاً عامل وقاية ويمكنه أن يقلص عدد الإصابات والوفيات بمرض سرطان الثدي. كما أنه يساعد الدول على تخفيض المصاريف الهائلة التي يستوجبها العلاج خصوصاً أن عدد الإصابات في ازدياد.

من المهم رسم استراتيجيات وطنية خاصة بكل بلد هدفها إعادة الرضاعة الطبيعية الحصرية إلى سالف ممارساتها في المجتمعات والرهان عليها كآلية متعددة الأرباح بالنسبة إلى الأطفال والأمهات معاً.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمومة تشريعات أيضاً الأمومة تشريعات أيضاً



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab