الهوس الافتراضي

الهوس الافتراضي

الهوس الافتراضي

 العرب اليوم -

الهوس الافتراضي

بقلم - آمال موسى

في زمن الرقمنة والإنترنت وتكنولوجيا الاتصال لا نستطيع إلا تثمين إنجاز البشرية والفتوحات الهائلة التي مكّنت من تيسير التواصل وجعله في متناول غالبية السكان في العالم.
طبعاً كل الإنجازات تظل إيجابية وتدافع عنها وظيفتها التي من أجلها تم ابتكارها ووضعها، لكن المشكل يكمن دائماً في كيفية الاستعمال والتوظيف. في هذا السياق، نلحظ أن استعمال العالم العربي والإسلامي لتكنولوجيا وسائل الاتصال تغلب عليه بعض الخاصيات التي نعتبرها مهمة من ناحية ما ترمز إليه، وما تكشف عنه من حقائق جديرة بالحفر فيها علمياً ومحاولة استنطاقها.
وفي الحقيقة، من أولى هذه الملاحظات هي ظاهرة الإقبال الهائل على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي. فالأرقام تشير إلى ملايين من العرب يستخدمون منصتي «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما، كما أن هذا الاستخدام، وهنا مكمن الاستغراب، يستغرق في معدل يومي ساعات، ما يدفعنا لوضع مجموعة من نقاط الاستفهام.
فالوقت المخصص لشبكات التواصل الاجتماعي مقارنة بالمجتمعات الأوروبية يعد أكبر بكثير، بشكل يشير إلى نوع من الهوس والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.
فالواضح هو وجود مشكل فراغ وتعويض، ويحيل هذا المشكل بدوره إلى مشكلات أخرى عدة مختلفة الأبعاد؛ ذلك أن ظاهرة الإدمان على الافتراضي لساعات طويلة هي موقف من العالم الواقعي ذاته وتعبير عن اغتراب عميق.
فأي ارتباط بين ظاهرة البطالة والهوس الافتراضي؟ وأي صلة بين الفراغ في الواقع والإدمان على الافتراضي؟ وإلى أي مدى يعكس حجم الزمن المخصص لشبكات التواصل الاجتماعي إهمالاً للعمل، باعتبار أن تثمين قيمة العمل تشترط إيلاء الوقت وكيفية عدم إضاعته الاهتمام اللازم؟
ما من شك في أن البطالة سبب قوي من أسباب الهوس بالافتراضي لأن إهدار الوقت يعني أن القائم بذلك لا وقت ثميناً له ولا شيء جدياً يشغله. وهذا إلى حد ما صحيح مع توضيح أن عدداً كبيراً من الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء العربي الإسلامي إنما يقومون بذلك أثناء العمل، وهو ما يفسر الأرقام المتدنية جداً بخصوص مدى حسن استثمار الوقت أثناء العمل.
وبشكل عام، فإن البطالة لا يمكن أن تكون السبب المقنع في تبرير الهوس الافتراضي، لأن البطالة يمكن أن تكون حافزاً لاستغلال الوقت في البحث عن العمل أو في تحسين مَلَكات الباحث عن العمل وإثراء ملفه.
طبعاً من المهم الإشارة إلى أن الإبحار في الافتراضي والرهان على أصدقاء افتراضيين إنما يعكس نوعاً من الهروب من نمط العلاقات الاجتماعية التقليدية والتوغل في الوهمي الذي يشبعه عدد الجامات... ومن دون أن ننسى العلاقة بالذات التي أصبحت وفق غالبية التدوينات والمنشورات في شبكات التواصل الاجتماعي استعراضية ومظهرية ولا تفصل بين الحميمي والخاص والعام. بل إن هناك من يبدأ يومه بالتحية الصباحية وينهي اليوم بتحية المساء، ما يعني أن كل الزمن الذي يتحرك فيه إطاره افتراضي.
اللافت من جهة ثانية أن إهدار الوقت في وسائل التواصل الاجتماعي فيه دليل على أننا أمة لا تحسن توظيف الوقت؛ خصوصاً أن التحديات الماثلة أمام المجتمعات العربية اليوم والمتمثلة أساساً في الرهان على العمل وبذل الجهد والتقدم في مسار التنمية والقيام بالإصلاح والمعارك الثقافية القيمية التي تحتاج إلى عناية خاصة ونفس طويل والمثابرة... كل هذا يحتاج بدوره إلى الوقت ويتناقض مع كل مظاهر إهدار الوقت.
المشكل أن الهوس بالافتراضي أصبح يشكل الكبار والصغار والشباب وينطوي على برود تجاه الأطر الاجتماعية المعهودة مثل الأسرة والصداقة وغير ذلك.
أما النقطة الأخرى الجديرة بالتركيز أيضاً فتتمثل في توظيف شبكات التواصل الاجتماعي في إلحاق الأذى بالآخر مع ما يعنيه ذلك من سلوك عدواني وعنيف، والحال أن الهدف الأولي من هذه الشبكات هو تيسير التواصل بين الناس للتعارف والمشاركة وتبادل الآراء والمعلومات والمعارف والقصص والتجارب بشكل يغني الثقافة الإنسانية ويجعلها أكثر تنوعاً. نفهم أن استعراض التجارب والقصص، سواء حول النجاح أو الفشل، لمشاركة الآخرين، يشترط ثقافة متصالحة أكثر مع الذات وتمييزاً بين التجربة وصاحبها، ولكن هذا لا يعني ألبتة استبدال المشاركة والتواصل والتبادل بإلحاق الأذى أو توظيف هذه النافذة التواصلية من أجل نشر قيم السلبية والإحباط في اللحظة التي تحتاج فيها مجتمعاتنا إلى تثمين الإيجابي ورسائل الأمل والتشجيع.
الهوس بالافتراضي يظل ظاهرة مزعجة وعلامة غير صحية بالمعنى النفسي والاجتماعي والثقافي والحضاري.
وإذا كان لا بد من الهوس فليكن نحو العمل والإيجابية والمشاركة الخلاقة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهوس الافتراضي الهوس الافتراضي



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab