بقلم- آمال موسى
بعد ساعات قليلة نودع هذه السنة لنستقبل أخرى جديدة. ولعلَّ ما يمكن أن يقال عن سنة 2021 أكثر من أن تتحمَّله هذه المساحة، وذلك ليس فقط لأنَّنا نتحدَّث عن سنة مع ما تنطوي عليه من أحداث، ولكن لأنَّها سنة عرفت ذروة المعركة مع فيروس «كورونا»، وفيها أيضاً بدأت مرحلة الانتقال بحذر من حالة الهلع والصدمة واللهث وراء اللقاح، والرهان على العلم لرفع التحدي أمام الطبيعة التي قررت الثأر من الإنسان الذي استباحها، وذهب في ذهنه أنَّه تمكن من السيطرة عليها، ودفن خوفه من أهوال الطبيعة.
طبعاً الانتقال لم يكن يسيراً ولا خفيفاً، حيث دفعت الإنسانية الملايين من الأرواح التي حصدها الفيروس، إلى درجة يمكن فيها القول أيضاً إنَّ العالم بعد فيروس «كورونا» تغير كثيراً. بل إنَّ الانتقال إلى مرحلة التعايش والتكيف مع الفيروس والتسلح ضده بالتلقيح، لم يكن هو أيضاً سلساً، إذ دخل على الخط متحور جديد هو متحور أوميكرون وبعثر الأوراق من جديد.
لا شك في أن العالم بكل مكوناته قد اكتسب تجربة في التعامل مع هذا الفيروس، وتجاوز طور الارتباك، وأنه في شبه جاهزية للمقاومة، إضافة إلى أن التلقيح قد قطعت فيه بلدان عدة أشواطاً كبيرة مما يسمح بضمان الحد الأدنى من المناعة، ولكن كل هذه التجربة على أهميتها معرضة للمحو والبداية من جديد مع المفاجآت التي يحدثها الفيروس. وهنا نقصد ما بدأ يصدر من معلومات من منظمة الصحة الدولية والعلماء في الفيروسات المستجدة، ومنها أن مفعول التلقيح غير مضمون الفاعلية إضافة إلى سرعة انتشاره، وأن أعراضه تختلف عما رصده من أعراض ومعطيات، مما يفيد بأن المعركة مستمرة وأن جولاتها متتالية.
طبعاً التحدي العلمي كان مهماً وما زال، وهذا في حد ذاته يمثل نقطة دفع وتجديد الطموح العلمي والخروج من الموثوقية العلمية.
في مقابل ذلك فإن الاقتصاد العالمي تضرر كثيراً، وهناك دول تضررت أكثر بحكم ضعف الإمكانيات وتراكم المديونية، إضافة إلى ما يفرضه الفيروس المتحور من إجراءات، فإنه يؤثر سلباً على التجارة العالمية والسفر والسياحة، وهي قطاعات يتنفس بها الاقتصاد العالمي، وتمثل الرئة الأساسية لبلدان عدة.
والتحدي الراهن اليوم في كافة الاقتصادات مع فوارق نسبية هو أن تتعافى من آثار «كورونا»، وأن تتعايش مع كل متحور جديد يظهر في نقطة ما في العالم ثم ينتشر. وهو رهان كما نلحظ يستحث الذكاء لإيجاد بدائل وضمان الخبز. وربما في هذا الصدد نشير إلى معنى استعادة أولوية القطاع الفلاحي والتعويل على الذوات الوطنية، ووضع سيناريوهات توقف حركة السفر في أي لحظة بسبب هذا الفيروس الحامل للمفاجآت، وصاحب القدرة على التحور من الصفر.
ونعتقد أن خلق الحلول البديلة ورسم خطط للتنفيذ لحظة العوز والحاجة والمأزق، يمثل كل هذا امتحاناً لقدرة الشعوب على مواجهة الصعاب والمقاومة. فنحن في حرب ضد الفيروس. حرب أكثر شراسة من الحروب التقليدية.
إذن المقصود بالتعايش هو مواجهة الفيروس والعمل وتأمين الحاجيات. فالحاضر أصبح هاجس الجميع، والمستقبل نحن معنيون بالمدى القصير منه. وكما نلاحظ فإن الفيروس سريع جداً في انتشاره، وأيضاً في تحوراته، وهو ما فرض السرعة نفسها في التأقلم والتعايش. في المرحلة الأولى كان كل شيء مؤجلاً، ومع تقدم التجربة أصبحنا نمارس كل شيء، ولكن بإمضاء «كورونا» خوفاً وحذراً وأحياناً تهوراً أيضاً.
بلدان كثيرة أغلقت مطاراتها ومنعت حركة السفر وتوقفت فيها الدراسة خلال هذا الشهر، وذلك من باب رفع أقصى الإجراءات من أجل السيطرة الاستباقية على الفيروس. غير أن الجميع أدرك أن الحجْر الصحي تكلفته باهظة، وغالبية الدول لم تعوض ما دفعته جراء الحجْر الصحي، ومن الصعب اللجوء إلى الحجْر الصحي المفتوح والاقتصادات تنزف.
لذلك فإن بلداننا مقبلة على مرحلة من التعايش المفتوح والاضطراري، حيث تأمين أسباب الحياة تقتضي العمل والاجتهاد.
ولعل الدول التي راهنت على الرقمنة تستطيع تجنب الاكتظاظ، وإيجاد حلول تتحول فيها البيوت إلى مكاتب للعمل عن بُعد. كما أن التعليم بات فعلاً بحاجة إلى تصور احتياطي يتم الاستنجاد به في أوقات تتحول فيها المدرسة إلى بؤرة للعدوى.
لقد أخذنا فترة استراحة دامت أسابيع انتعشت فيها السياحة قليلاً في العالم، وعادت فيها حركة السفر، إلا أن هناك فرقاً بين استراحة المحارب التي قام بها فيروس «كورونا»، وبين ما ذهب في الأذهان من أن صفحة الفيروس طويت ولن تعود.
ربما في نفس هذا التاريخ العام القادم نكون قد قهرنا فيروس «كورونا»، والأهم أن ننجح في التعايش، وأن تعمل الاقتصادات، ونتعلم الدرس بمعانيه الكثيرة المختلفة.