تونس وعُسر المخاض

تونس وعُسر المخاض

تونس وعُسر المخاض

 العرب اليوم -

تونس وعُسر المخاض

بقلم: د. آمال موسى

بعد زلزال نتائج الانتخابات الرئاسية، عاش الشعب التونسي زلزالاً ثانياً من خلال نتائج الانتخابات التشريعية يوم الأحد الماضي. ذلك أن النتائج كشفت عن برلمان سيكون متوتراً إلى حد التناحر، ولن يكون عمله سهلاً، لأن العلاقة بين الأحزاب الفائزة بمقاعده هي علاقة رفض وإقصاء، باعتبار أن كل الأحزاب التي تشكل برلمان تونس القادم بنت حملتها الانتخابية على التعهد بعدم وضع يدها مع الحزب الآخر. وهي تعهدات ذات أساس آيديولوجي وغير واقعية بالمعنى السياسي.
لقد فازت حركة النهضة بالمرتبة الأولى، ثم تلتها حركة «قلب تونس» لرئيسها السيد نبيل القروي، الذي فاز بدوره بالمرتبة الثانية في الدور الأول من الانتخابات الرئاسيّة، والذي تم الإفراج عنه الأربعاء الماضي تجنباً لأي قدح أو طعن في الانتخابات الرئاسية.
كيف يمكن أن نقرأ نتائج هذه الانتخابات؟
أول نقطة تستحق التوقف عندها هي أن حركة النهضة فازت وخسرت في الانتخابات التشريعية؛ فازت بنحو 40 مقعداً، وهي الأولى من حيث التمثيل النيابي، وخسرت لأن عدد المقاعد التي فازت بها تمثل نصف عدد المقاعد التي فازت بها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بتاريخ أكتوبر (تشرين الأول) 2011. وحركة «قلب تونس» التي تليها لا تبتعد عنها كثيراً من حيث التمثيل، إضافة إلى أنها حركة لم تتجاوز 4 أشهر من حيث العمر. وهكذا يمكن الاستنتاج أن الانتخابات التشريعية حفظت بعض ماء وجه الحركة، ولم تطردها من المشاركة السياسية، لكن في الوقت نفسه أظهرت لها بشكل واضح جداً أنها تعاني من أزمة، وأن خزانها الاجتماعي بدأ يتململ ويتمرد على خياراتها.
أيضاً حركة «نداء تونس»، تلك الحركة التي وصفت بأنها ولدت كبيرة، انتهت بسرعة حيث لم تفز سوى بمقعد واحد يتيم، وهي الحركة التي ترأسها وأسسها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، والتي دخلت منذ 3 سنوات في سلسلة من الانشقاقات والمعارك، ما جعلها تنفرط وتنتهي سياسياً.
وكما نلاحظ، فإن التجربة السياسية في تونس ما بعد الثورة قد وقعت في الفخ عندما بنت فعلها السياسي على التجاذب الآيديولوجي ومعاركه، وعوضت البرنامج الانتخابي القادر على إشباع توقعات الناخبين بالتعهدات الآيديولوجية بعدم التعامل مع حركة النهضة التي هي مشاركة في الفعل السياسي ومشاركة في الانتخابات. لذلك كان اللجوء إلى سياسة التوافق الاضطرارية، لأن الواقعية السياسية ونتائج الانتخابات فرضتا ذلك. ولو مارس كل حزب السياسة بحرفية، وركز على برنامج اقتصادي واجتماعي بديل وواعد لما كان للآيديولوجيا حضور.
بمعنى آخر، فإن الأحزاب المحسوبة على التحديث تحصر وعودها الانتخابية في عدم التوافق مع الإسلام السياسي، وبعد الانتخابات تتوافق معه، ما أطاح بمصداقية هذه الأحزاب، خصوصاً أنها لم تنجح في تبرير ذلك التوافق من خلال مكاسب اقتصادية واجتماعية تشفع لها التنكر لوعودها الآيديولوجية.
المشكلة الآن أكبر بكثير، فنحن لسنا أمام حزبين كبيرين متقاربين سيتوافقان ويشكلان الحكومة والبرلمان كما حصل في الانتخابات السابقة مع حركة النهضة وحركة نداء تونس. بل نحن أمام عدّة أحزاب متناحرة ورافض بعضها بعضاً. وحتمية العمل الجماعي كما فرضتها نتائج الانتخابات تجعل من التوافق الذي لم ينجح في التجربة التونسية يتكرر في ظروف أسوأ، وينبئ بـ5 سنوات مقبلة من الشجار السياسي والمد والجزر، والحال أن الاقتصاد شبه معطل، وارتبط انفراجه بالانفراج السياسي الذي تضاءلت فرصه مع طبيعة النتائج التي أظهرتها الانتخابات.
ولقد وصل الشعور باستحالة عمل التشكيلة السياسية الفائزة، بعضها مع بعض، إلى توقع إجراء انتخابات ثانية، ما يعني في الحقيقة رفض نتائج صندوق الاقتراع ورفض الديمقراطية عندما لا تلائم نتائجها هوانا.
من جهة ثانية، يبدو واضحاً جداً أن الشعب التونسي قد عاقب الذين جربهم وفشلوا وأعطى فرصة لأطراف جديدة، رغم أن رصيدها لا يخدمها ولا يجعل منها موضوع رهان جدي، وهو ما يفيد أن من وجد فرصة في نتائج الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، فإنه لم ينلها نتاج استحقاق سياسي، بقدر ما تحصل عليها نتيجة عقاب حركتي النهضة والنداء، أي أن الجدد استفادوا من رصيد النهضة والنداء السلبي عند الشعب التونسي خلال السنوات الماضية.
النقطة الواضحة الأخرى أيضاً أن الواقع السياسي بات متحركاً في تونس بفعل الانتخابات وشفافية صندوق الانتخابات، وهذه الحركية هي ما يسميها عالم الاجتماع بارتران بادي «دوران النخب السياسية».
بقي السؤال؛ إلى أي حد نحن بالفعل أمام نخب سياسية حقيقية، أو على الأقل تحمل ملامح النخب السياسية، لأن كل شيء ينحرف عندما توجد الديمقراطية وتُضمن الشفافية في الاقتراع وتغيب ما يسمى النخبة السياسية وفق الشروط الدنيا.
إننا إزاء مشكلة تنشئة سياسية وفهم واقعي للسياسة ولوظيفة الحزب السياسي اليوم.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس وعُسر المخاض تونس وعُسر المخاض



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab