تونس والمتاهة السياسية

تونس والمتاهة السياسية

تونس والمتاهة السياسية

 العرب اليوم -

تونس والمتاهة السياسية

د. آمال موسى

بعد غد تلتئم في تونس الانتخابات التشريعية، وذلك في لحظة تتسم بالغموض والمجهول وغياب ما يمكن البناء عليه أو اعتماده منطلقاً للقياس واستقراء الواقع ومفرداته الجديدة خاصة؛ ذلك أن نتائج الانتخابات الرئيسية التي أنزلت عقاباً قاسياً على النخبة الحاكمة قد هدمت البناء السياسي القادم، وبعثت برسالة واضحة صريحة بأن هناك بناءً جديداً لم يكن متوقعاً بصدد التشكل، وينتظر التأكيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئيسية.
والذي زاد في تشويش الوضع وتعطيله أن السيد نبيل القروي الفائز الثاني في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية لم يتم إطلاق سراحه من السجن رغم أن القانون الانتخابي ينص على ضرورة المساواة في التمتع بالاتصال مع الناخبين وتقديم كل مترشح لنفسه ومشروعه. هذا الوجع أربك الانتخابات الرئاسية وأضفى حالة من الضياع والريبة باعتبار أن عدم إطلاق سراحه ظل رهين قراءات متناقضة بين من يتهم القضاء بعدم تفهم سياق الانتخابات وتأثير عدم إطلاق سراحه على مصداقية الانتخابات، وبين من يرى أن مواصلة وجود السيد نبيل القروي في السجن هو بسبب إصرار شخصيات سياسية تسببت في وضعه الراهن؛ لأن خروجه بما يعنيه من تسهيل الطريق أمامه يمثل مساعدة له لدخول قصر قرطاج، ومن ثمة فإن ذلك يعني نهايتهم سياسياً، وبخاصة أن أهم هذه الشخصيات السياسية قد تكبدت خسارة فادحة في الانتخابات الرئاسية.
طبعاً، عدم إطلاق سراح السيد نبيل القروي لا يحل المشكلة؛ فقد يكون ذلك سبباً في فوزه، خصوصاً أنه فاز بالمرتبة الثانية في الدور الأول وهو قابع في السجن. إضافة إلى أن السؤال المحرج المسكوت عنه هو ماذا سيحصل إذا فاز القروي بالمرتبة الأولى وتقدم على السيد قيس سعيد؟ هل ستؤثر مثل هذه النتيجة الانتخابية على موقف القضاء ويتم إطلاق سراحه ويحصل السيناريو الفريد من نوعه: من السجن إلى قصر قرطاج رئيساً؟
هناك شيء سريالي في هذا السيناريو، وكان يمكن أن يكون سيناريو إيجابي الرسالة والمعنى لو كان السيد القروي سجين رأي أو سجيناً سياسياً، لكن هو متهم بالتهرب الضريبي، أي أننا أمام تهمة تتعلق بالمواطنة وبسلوك مواطن في علاقته بالدولة والمجتمع.
أيضاً، هناك مخاوف أخرى يرددها البعض في وسائل الإعلام باعتبار أن عدم إطلاق سراح السيد القروي بعد فوزه بالمرتبة الثانية في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية قد سمح بنوع من تدويل لقصة القروي، حيث عبرت شخصيات في برلمانات أوروبية على رأسها الفرنسي عن احتجاجها عن عدم إطلاق سراح القروي، وتجاوزت ذلك إلى التشكيك في مصداقية الانتخابات إذا لم يتم الإفراج عن القروي للإشراف على حملته الانتخابية والتمتع بحقوقه التي يمنحها له القانون الانتخابي مثله مثل الفائز الأول السيد قيس سعيد. لذلك؛ فإن تردد مثل هذه المواقف في الخارج وبخاصة فرنسا التي يناسبها فوز القروي رئيساً على فوز قيس سعيد قد أدى إلى بروز خطاب يعمل على تخويف التونسيين من سيناريو قدح العالم في شفافية الانتخابات ومصداقيتها، وهو ما لا يصب في صالح الديمقراطية التونسية الناشئة ولا في صالح ارتباط مصالح البلاد الاقتصادية والمالية بالدول التي تراقب ما يحدث اليوم في تونس بعين الريبة وعدم الارتياح.
إن كل هذه المواضيع قد ألهت الإعلام والنخب والشعب عن التركيز الجاد على الانتخابات التشريعية التي ستتم بعد غد والتي هي وفق النظام السياسي لدستور الجمهورية الثالثة في تونس أهم بكثير من الانتخابات الرئاسية؛ إذ النظام برلماني بالأساس وصاحب الأغلبية في البرلمان هو المؤهل بتسمية رئيس الحكومة المراقب هو والفريق الوزاري من البرلمان، دون أن ننسى الوظيفة التشريعية للبرلمان. وهنا نشير إلى أن استطلاعات الرأي تقول بتقدم حزب «قلب تونس» الذي يترأسه السيد نبيل القروي؛ مما يعني أن فوزه في الانتخابات الرئاسية في الدور الثاني يعني هيمنته على قصر قرطاج وعلى الحكومة وعلى البرلمان خلافاً للمترشح قيس سعيد الذي لا حزب وراءه وخاض غمار الانتخابات الرئاسية مستقلاً من دون حزب.
نقطة الضوء التي لا يمكن التشكيك فيها اليوم في تونس هي شفافية صناديق الاقتراع وسيادتها على الجميع؛ لذلك فإن لا أحد يمكنه توقع ماذا ستكشف عنه هذه الصناديق من مفاجآت وسنعرف بعد غد إلى أي مدى نجحت الأحزاب الخاسرة في الرئاسية في التدارك في التشريعية وفي ربح أكثر ما يمكن من مقاعد في البرلمان. كما أن نتائج التشريعية ستؤثر على اتجاه الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ويمكن أن تحاول بعض الأطراف عقد صفقات في الأسبوع المقبل مع الأكثر فاعلية ووجود سياسي في تونس ما بعد انتخابات 2019.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس والمتاهة السياسية تونس والمتاهة السياسية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab