حقوق الإنسان نكسات وثقة

حقوق الإنسان... نكسات وثقة

حقوق الإنسان... نكسات وثقة

 العرب اليوم -

حقوق الإنسان نكسات وثقة

بقلم : د. آمال موسى

 

تحتفل المجموعة الدولية، الثلاثاء المقبل، باليوم العالمي لحقوق الإنسان. وهو احتفال دأبت عليه من تاريخ ديسمبر (كانون الأول) 1948، لنقل إنه أكثر الأيام الدولية شهرة ووجاهة رغم كل الصفعات التي تلقتها منظومة حقوق الإنسان وفكرها.

ويبدو لنا أن هذه المناسبة فرصة لاستعادة الثقة في فكر حقوق الإنسان والتمييز بين مشروعية هذه الحقوق ومصداقيتها الفكرية من جهة، وممارسات بعض الدول والأطراف التي تعتدي على هذه الحقوق وتحول الخطاب حولها والدعوة إليها مسألة مشكوكاً فيها وأقرب ما يكون إلى الضحك على الذقون، من جهة أخرى.

طبعاً، شهدت حقوق الإنسان نكسات من تاريخ الإعلان العالمي عنها إلى اليوم. وهي حقوق منتهكة من تاريخ البشرية والصراع البشري والهيمنة، ذلك أن المشكل الأساسي يكمن في ثقافة الهيمنة. ويؤكد تاريخ البشرية أن الطرف المهيمن يمارس الهيمنة بفعل استشعار القوة؛ لذلك فهو يسمح لنفسه بانتهاك حقوق الإنسان، بمعنى أن القوي حقوقه محفوظة وكأن خطاب حقوق الإنسان هو خطاب الضعفاء وذوي المراتب الضعيفة.

إذن؛ جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليخرج حقوق الإنسان من دائرة القوة والضعف والهيمنة وليعمل على تعميمها على الجميع ضعفاء وأقوياء. ولكن حياة البشرية القائمة على فكرة الصراع والشد والجذب وعلاقات القوة لم تترك مسار ثقافة حقوق الإنسان يتبلور كما يجب ويقطع المسافات الطويلة في النضاليات المتعددة رغم أن الإعلان العالمي ظهر في أوج تداعيات الاستعمار وجاء لينصر الشعوب المحتلة وليكون أداة أممية قوية في أيادي النخب المدافعة عن حرية شعوبها وحقها في تقرير مصيرها. أي أن الأهوال التي نالت من كرامة الشعوب المستعمرة، كانت السبب المباشر وراء انبثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، خاصة أن إرث الحربين العالميتين من القتلى والجرحى والمعاقين كان ثقيلاً وموجعاً ودليلاً دامغاً على حجم انتهاك حقوق الإنسان في الحربين العالميتين وفي الشعوب المحتلة.

أيضاً من المهم وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في سياقه التاريخي التأسيسي، حيث بدأ فلاسفة الأنوار بإعلاء شأن العقل والحرية والإنسان، فكان ميلاد الحداثة والفردانية والثورات الفكرية وكانت الشرارة الأقوى مع الثورة الفرنسية، التي مثلت قطيعة تاريخية مع فكر، كان يحتفي بالمؤسسات الكليانية، وميلاد زمن فكري جديد يركز على الفرد وحقوقه ورفاهيته.

لذلك؛ فإن مسألة حقوق الإنسان ليست أداة للزينة بقدر ما هي نتاج تراكم من التجارب والآلام انتهت إلى الوعي بضرورة بناء ثقافة إنسانية جديدة تقوم على حقوق الفرد، الإنسان، مقسمة إلى حريات عامة وأخرى فردية.

هذا مع التذكير بأن الاستعمار بأشكاله التقليدية يكاد يقتصر على فلسطين المحتلة اليوم من العدوان الإسرائيلي اليوم، واتخذ الاستعمار القديم تمظهرات أكثر التباساً وتعقيداً، الجامع بينها علاقة الهيمنة وشروطها.

وبصراحة شديدة، فإن الحديث عن حقوق الإنسان تحول من خطاب نضالي حقوقي مشرف، إلى خطاب يثير التندر ويبعث على الشعور بالقهر، خاصة عند من يتم الاعتداء على حقوقهم باسم حقوق الإنسان أو من يتعرضون للتنكيل اليومي بكرامتهم وحقوقهم بغطاء دولي وتحالفات تقوي المعتدي، وكأن العالم يكرم المعتدي على حقوق الإنسان ويكتفي بالفرجة على ضحايا حقوق الإنسان. ولعل المثال الدامغ في هذا السياق هو ما يحصل في قطاع غزة من مجازر وعدد الأرواح من الأطفال والنساء التي انتهكت بآلة الحرب الإسرائيلية. ليس سهلاً الثقة بحقوق الإنسان وبالمنظمات التي تدعي حمايتها والعالم يتفرج على قتل آلاف الأطفال والنساء.

وإن كان ما يحدث في قطاع غزة وما عرفه الصراع العربي الإسرائيلي من انتهاكات لا يمكن عدها، إنما يمثلان الوجه البدائي المباشر للاستعمار والغطرسة، فإن أشكالاً أخرى من الانتهاكات باتت اليوم تملأ شوارع العالم وتفرغ فكر حقوق الإنسان من معناه: تسول الأطفال والاتجار بالبشر وجثث الشباب العربي والأفريقي التي لفظها البحر... كلها مشاهد أضعفت من مصداقية النخب التي ما زالت رغم كل النكسات المتتالية والمستمرة تثق في خطاب حقوق الإنسان وتؤمن أن الطريق طويلة وأن المعالجة لا يمكن أن تكون إلا شاملة. وإذا استثنينا الانتهاكات الموجهة ضد حقوق الإنسان في الحروب فإن شرط المساواة الذي يمثل قلب ثقافة حقوق الإنسان إنما يعرف انتهاكات يومية بفعل الفقر والجوع والحرمان من التعليم الجيد وخدمات الصحة.

لذلك؛ فإن العلاقة بين التنمية المستدامة وحقوق الإنسان علاقة عضوية وجدلية تفاعلية.

الفقر انتهاك لحقوق الإنسان.

المس من حرية التنقل انتهاك لحقوق الإنسان.

وكي ننعم بحقوقنا نحتاج إلى مناخات بذل الجهد والعمل وخلق الثروة لبلوغ رفاهية الحياة وجودتها الجالبة لكل ما هو جيد. فحقوق الإنسان مؤشر لقياس جودة الحياة.

 

arabstoday

GMT 19:55 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

أورتاغوس تستفزّ إيران من قصر بعبدا

GMT 18:37 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

أصعب موقف يواجه المنطقة

GMT 18:36 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 14:32 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

سياسة ترامب.. بالونات اختبار

GMT 08:49 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

شاليهات

GMT 08:46 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

غزة بين خروج «حماس» أو ترحيل سكانها

GMT 08:45 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

سَلْمٌ الخاسِر و «بي بي سي»!

GMT 08:43 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

العَلمَانية... كلمة الجدل السائلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقوق الإنسان نكسات وثقة حقوق الإنسان نكسات وثقة



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:03 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

هالة صدقي تعلن أسباب هجرتها من القاهرة

GMT 16:57 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

قصي خولي يكشف مصير مسلسله مع نور الغندور

GMT 13:06 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

محمد سعد يحتفل بنجاح "الدشاش" بطريقته الخاصة

GMT 17:18 2025 الجمعة ,07 شباط / فبراير

القوى العظمى.. يوتوبيا أم ديستوبيا؟

GMT 04:41 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

سماع دوي انفجارات قوية في كييف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab