العرب والعالم فى انتظار المصير

العرب والعالم فى انتظار المصير

العرب والعالم فى انتظار المصير

 العرب اليوم -

العرب والعالم فى انتظار المصير

بقلم - جميل مطر

تحركت القافلة متثاقلة على الدرب الموصل للقمة. تحركت تحمل أثقالا لم تعهد مثيلا لها فى الذاكرة العربية قافلة أخرى عربية أو شرق أوسطية. قرأت حصرا مبكرا لأثقالها لأتفاجأ بخلوه من بند المصير فى وقت لا توجد فيه أمة من الأمم على وجه الأرض غير منشغلة بقضية المصير. سكان وحكام جزر سولومون فى المحيط الهادى منشغلون بها، وسكان وحكام جزر المالديف فى المحيط الهندى أيضا منشغلون، وسكان وحكام أمريكا الجنوبية كذلك منشغلون بالمصير سكان وحكام دول فى حجم أو نفوذ القوى الكبيرة مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا. بل إن كيانين بحجم القارات وهما أستراليا وأوروبا لا يخفيان قلق سكانهما وحكامهما على مصيريهما.
تختلف حدة الانشغال بالمصير باختلاف متغيرات كلها خطيرة ومعقدة. الاحتباس الحرارى وتداعياته، أزمة الطاقة وتداعياتها، النقص فى معروض الحبوب والحاصلات الزراعية والأسمدة، أشباح أزمة مالية عالمية جديدة وتداعياتها، الشعبوية السياسية الصاعدة وتداعياتها، تدهور أحوال مؤسسات العمل الأممى وعجزها المتفاقم عن الوفاء بواجباتها فى الشأن الاجتماعى كما فى شئون الأمن وحفظ السلم، التقدم غير المحسوب وغير المنتظم فى قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى وتطبيقات هذا التقدم فى صناعة الحرب، تقلبات المياه بين الطفرة المدمرة والشح المخرب، وأخيرا وليس آخرا الصراع الرهيب على مستوى قمة العالم بين رغبات ومصالح قوى مستفيدة من استمرار الوضع القائم، أى وضع القطبية الأحادية ممثلة فى الهيمنة الأمريكية وبين رغبات ومصالح قوى تدعو وتعمل للتغيير نحو وضع جديد، نحو تعددية سياسية على قمة النظام الدولى.
نتساءل عن المطلوب منا أن نفعل، ولماذا نحن؟ نتساءل لا لنهرب بل لنشارك قبل أن يتحرك قطار المصير فتلحق به أمم وتتخلف أخرى. لا أبالغ حين أقر بأن أمتنا تأخرت كثيرا ومرارا فى القرون الأخيرة عن اللحاق بركب صناع المصير. هؤلاء وصلوا بتضحيات كبيرة ولكن وصلوا. قادة فى أمتنا عجزوا عن تحطيم أغلال التخلف أو فضلوا لمصالح ضيقة عدم المساس بها، فتمدد عمره قرنا وراء قرن. لهم بعض العذر، فلم يكن يوجد فى أمتهم أحرار متعلمون وطموحون أقاموا الصفوف ليقودوها. خرجوا يجاهرون ويضغطون من أجل خطوة تخطوها الأمة نحو التقدم بالالتحاق بقوافل تحركت مبكرا لتشارك فى صنع مصير جديد.
• • •
كتبت وأكتب عن مؤشرات لا يختلف حول تفسيراتها كثيرون. تقول المؤشرات، وتجمع، على حقيقة لا تقبل الشك وإن اتسعت لتمنيات وأوهام. تعلن هذه الحقيقة بين ما تعلن منذ مدة غير طويلة، أن أحد أعمدة النظام القائم فى عالم اليوم، وأقصد الولايات المتحدة بخاصة وأوروبا الغربية والغرب بعامة، انتبه وليس فجأة إلى أن الفسحة الزمنية التى حصل عليها بخداع ناعم أو بمساومات شرسة أحيانا وبوحشية فى أحيان أكثر، هذه الفسحة اقتربت جدا من نهايتها. لا فضل يذكر للغرب على نهضة آسيوية أو أفريقية فى أى عصر من العصور. تقول الشهادات أنه حتى عقود متقدمة فى التاريخ الاقتصادى كان نصيب الهند والصين من الناتج العالمى الأوفر والأعظم. تقول أيضا إن الاستعمار الأوروبى فى الشرق انطلق ليستفيد الاقتصاد الأوروبى من ثمار اقتصادات نشيطة والتجارة معها على عكس أهدافه فى الأمريكيتين حين انطلق لأسباب أخرى أهمها إبادة السكان الأصليين للاستفادة من ثروات خام ومساحات للهجرة وفرص لتعظيم الكبرياء والحصول على نصيب فى طرق الملاحة.
إن صح ما نقل عن نابليون بونابارت عن الصين كعملاق إن نهض فستتبعه تحولات كبرى فى سائر الأنحاء، فإنه يعنى أن زعماء فى الغرب لم يكتفوا بالنظر إلى الصين والتعامل معها على أساس تجارى فحسب بل إنهم راحوا يفكرون فى مستقبل يشاركهم فى صنعه هذا العملاق الآسيوى أو غيره. من حظنا، أو لعجز بعض أو أكثر حكامنا العرب والأجانب، وقعنا كأمة عربية فى شباك وتحت هيمنة واستعمار إمبراطورية عثمانية مريضة عرف الأوروبيون كيف يسيطرون على مقاليد أمورها. نعرف الآن متى وكيف استفادوا منها عندما حل زمن مصير جديد للعالم خلال الحرب العالمية الثانية. هذا الزمن نعيش الآن آخر مراحله. نحن شهود على الغرب بقيادة الولايات المتحدة وهو يستجمع كل قواه الممكنة: يحشد قواته المنتشرة فى قواعد مقامة فى كافة أنحاء العالم، يضاعف من إحكام قبضته على كافة أعضاء أحلافه وضم الجديد منهم إلى القائم منها، يجرب خططا سبق أن جربها فى سنوات هيمنته ليحافظ على إمبراطوريته الغربية مثل الدخول فى سباقات تسلح باهظة التكلفة لردع طموحات المنافسين أو إخراجهم نهائيا من المنافسة مثلما فعل مع الاتحاد السوفييتى أواخر القرن الماضى. يجرب أيضا تشجيع الأطراف المتجاورة على تصعيد نزاعاتهم انتهاء بنشوب حروب بالوكالة تستنزف طاقات القوى الدولية المنافسة للهيمنة الأمريكية والمعترضة على سياساتها. لاحظنا بكل الغضب الممكن والحسرة المؤلمة الحال المزرى الذى تدنى إليه الاستقرار وأوضاع التنمية الاقتصادية فى مختلف أرجاء العالم فى ظل قيادة أمريكية غير رشيدة.
لا أتبنى هنا بالضرورة زعم وافتراءات خصوم أمريكا بالقول إن أصابعها تمتد الآن إلى مواقع ودول تعبث فيها بالفوضى الخلاقة أو الهدامة. العالم فى فوضى لأسباب متباينة بعضها خارج عن إرادة أمريكا ولكن بعضها وربما أكثرها، كما يتردد، نتيجة عبث أمريكى متعمد، ولعل الشرق الأوسط ساحة تؤكد الرأى الغالب فى دور أمريكا ومسئوليتها عن حال الفوضى السائدة فى آسيا عموما وأوروبا خصوصا وفى أفريقيا وفى جزر المحيط الهادى. أنا هنا لا أستبعد تماما أن أمريكا فى سعيها لتقليص نفوذ الصين وتقييد فرص روسيا فى التوسع فى أفريقيا والشرق الأوسط تتعمد إثارة هذه الفوضى. أنا هنا أعبر عن اعتقادى أن أمريكا وبدعم أستراليا واليابان والمملكة المتحدة تضع الأساس لتمديد عمر المصير المقترب من نهايته والذى يعيش فيه العالم وهو المصير القائم على مبادئ ومؤسسات وأخلاقيات وتوازنات النظام الذى نشأ وتبنته وقتها، بعد مشاركة صورية، بقية دول العالم.
يحسب له، وأقصد النظام القائم، أنه سمح بهيكل ومؤسسات تعمل فى إطار نظام ثنائى القطبية بقواعد تمنح حق ومزايا الهيمنة لأحد القطبين وفى الوقت نفسه تساعد على حفظ السلم الدولى بمعنى الحيلولة دون نشوب حرب عالمية بين القطبين. سمحت أيضا هذه القواعد بصعود قطب جديد (الصين) وانحدار ثم انفراط قطب مؤسس (الاتحاد السوفييتى) ولكن بشروط وتدخلات حالت حتى وقت كتابة هذه السطور دون تغيير جذرى فى شكل وقواعد عمل النظام. لا يفوتنا أن نؤكد مرة أخرى أن النظام عمل بالفعل لسنوات غير قليلة كنظام أحادى القطبية، وهى السنوات التى شهدت غزو أمريكا واحتلالها لكل من أفغانستان والعراق وتطاولها على شعوب ودول عديدة ومنها شركاؤها فى الحلف الأطلسى مثل بعض دول أوروبا. شهدنا أيضا ونشهد التصعيد الكبير فى الخلافات مع الصين وروسيا وفى الإساءة لفرص الشعب الفلسطينى فى العيش بحرية وفى تقرير مصيره.
• • •
ليس وحده الشعب الفلسطينى الذى يحرمه من حق تقرير مصيره النظام الدولى الراهن والقائم على قواعد جرى تفصيلها بالدقة الممكنة لصالح الدولة المهيمنة. كلنا، بشكل أو بآخر، يجرى حرماننا من ممارسة الحق فى صنع مصيرنا فى ظل نظام جديد يستعد لمنع أو دعم قيامه دول عظمى وبالتحديد أمريكا والصين وروسيا، ونتمنى أن تشترك فى الاستعداد له أمم عديدة منها أمتنا العربية. حانت فرصة للمشاركة فى صنع البديل. كثيرون فى هذه الأمة عادوا يعتقدون أن لا حول لنا ولا قوة للتأثير فى العمل الدءوب الدائر حاليا فى شأن مصير العالم. أعرف أن مصائر الأمم تختلف باختلاف المسافة التى تفصل بين اهتمامات قادتها وبين المساعى والجهود التى تجرى لصنع مصير العالم.
تحركت القافلة فى اتجاه الجزائر. أتمنى تزويدها وهى على الطريق، أو أن يكون فى انتظار وصولها وقبل بدء أعمالها الرسمية، مشروع وثيقة تمثل حصيلة جهد فكرى من جانب مفكرين عرب يجتمعون خصيصا لإنتاجها. هذه الوثيقة يفترض أن تستعين بها القمة العربية فى وضع محددات وشروط مساهمة الأمة العربية والمبادئ التى يجب أن تلتزمها القوى صانعة مصير البشرية. أفترض أيضا أن الوثيقة سوف تتضمن نوع المصير الذى تريده الأمة العربية لنفسها.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرب والعالم فى انتظار المصير العرب والعالم فى انتظار المصير



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:17 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار
 العرب اليوم - الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab