نحلم لنعيش

نحلم لنعيش

نحلم لنعيش

 العرب اليوم -

نحلم لنعيش

بقلم: جميل مطر

فؤادة: اشتقت لك. تباعدت المسافات فلم نعد نلتقى كثيرا كما تعودنا. تعرفين كم فرحت بزواجك. لم أقدر وقتها صعوبة الفراق. لعلك تذكرين لحظة ودعتك عند باب غرفتك فى الفندق وأنت ترفلين فى فستان عرسك وزوجك يستعجل رحيلى بعينيه وتوتر ساقيه وتلعثم كلماته، أنا أّذكرها. كانت لحظة مشحونة بتفاصيل علاقة حب توشك أن تتحول إلى علاقة أخرى. كدت، من فرط تأثرى بمشهد فتاة رائعة بكل المقاييس تسلم نفسها لغريب بعقد طويل الأجل إن لم يكن أبديا، كدت أكرر السؤال ونحن على باب الغرفة، هل أنت يا صديقتى واثقة من هذا الخيار؟. كنت أعرف حرصك على ضرورة توخى الحذر عند اختيار رفاقك من جنس الرجال. كنت أعرف أيضا أن الرجل فى حساباتك مسألة معقدة لا تنفع العاطفة وحدها فى حلها. تذكرين كم اختلفنا عند الحكم على رفيق فى رحلة أو زميل فى العمل أو معلم فى الفصل أو مدير فى العمل. كنت أضع شرطا للحكم عليه ترفضينه على الفور.
مريم: عزيزتى فؤادة، أعرف تماما ما تفكرين فيه وأتحسب له. أظن أن الفارق بيننا يتجاوز موضوع الحكم على أشخاص. نحن مختلفتان فى طبيعتنا وأعتقد أن لهذا الاختلاف فضلا على متانة العلاقة التى تربطنا. كنت دائما تنتقدين ما كنت تطلقين عليه برودا عواطفيا بل وذهبت إلى حد إنكار حيازتى لعاطفة تجاه أى كائن وأى شىء. تحدثت يا صديقتى عن ليلة زفافى وبالتحديد عن لحظة وصولنا معا إلى باب الغرفة التى سوف تكون الشاهد الوحيد على تفاصيل وأحداث الليلة الأولى فى حياتى الزوجية. رأيت فى وجهك فى تلك اللحظة نظرة إشفاق وكأنك جازمة فى اعتقادك أننى أخطو نحو أولى مراحل الزواج متحررة من أى عاطفة تجاه الرجل الذى سبقنى فى الدخول إلى غرفة النوم. أعذرك إن صح ما رأيت على وجهك من إشفاق أو ما يشبه الإشفاق فلم أتحدث أمامك عن خطيبى كما تتحدث صديقاتنا عن أحبابهن وخطابهن وكيف أن العشق كاد يذهب بعقولهن. كثيرات منهن انتهى زواجهن إلى انفصال أو إلى كارثة الطلاق المصحوب بأطفال بدون ذنب ارتكبوه. تعرفين كما أعرف أنهن لم يكلفن أنفسهن عمل حسابات ضرورية تحصن العلاقة ضد جنون العواطف.
• • •
فؤادة: نعم نحن مختلفتان، ونعم أنا أشفقت عليك ليلة زفافك من برود عواطفك، ونعم أنا قلقة على مستقبل هذا الزواج، ومع ذلك يبقينى متمسكة بك حبى لك وكل التجارب التى دخلناها معا. تعرفين أننى أعيش لأحلم.
أحلم فى النوم وأحلم فى اليقظة. تستنكرين ولعى بأحلام اليقظة التى فضلتها على أحلام الليل. يا صديقتى، أحلام اليقظة تعيش أطول من أحلام الليل وتتطور بإرادتنا الحرة والواعية. أحلام الليل يضيع بعضها أو أكثرها فى النوم، أفضلها لأنى خالقتها ومهندستها على عكس أحلام الليل التى لا تخضع لأهوائى ولا تتأثر بطموحاتى وأهدافى. أحلام اليقظة تسمح لى بأن أعيش مع أحبابى وأصدقائى فى الوقت الذى أختاره وأن اشتبك مع المتنافسات ومثيرى ومثيرات الفتنة والمفسدين والمفسدات. أستخدم فيها أسلحة أبتكرها وأسلحة استنسخها من أدوات الحب والحرب والكيد الناعم والمبالغة المحببة والكلمات المطعمة بعظائم المشاعر والعواطف. تأتى النهاية وأخرج دائما منتصرة فأنا لا أسمح لخصومى بتحقيق فوز على أرضى وتحت سمائى أو لحافى. تمتعنى أحلام اليقظة بصخبها وانحناءاتها ومبالغاتها بقدر ما تقلقنى أحلام النوم بصراحتها وصعوباتها وسرعة توالى أحداثها وعجزى عن التأثير فيها.
عزيزتى، لا أنكر ولا أقلل من فضل انحيازك للواقعية واعتمادها فلسفة حياة وأسلوب ممارسة ومعايشة. أنا نفسى أستعين بها أحيانا، وإن نادرة، لأخفف من غلواء سلطان العاطفة على أجهزة صنع القرار فى قلبى وعقلى وباقى جسدى. أدعوك أيتها الصديقة الفضلى إلى الإكثار من تشغيل عاطفة أو أكثر من عواطفك وتنصيبها بين الحين والآخر حكم شرف فى منظومة علاقاتك بأصدقائك ولكن بزوجك بخاصة. أخشى ما أخشاه أن يهرب هؤلاء من شدة برودة أعصابك وتصلب أوتار قلبك وجفاف منابع الإحساس فى جسدك، أحسوا بها أو نقلتها إليهم أحاديث السير والنمائم.
• • •
مريم: يا فؤادة يا أقرب الناس إلى عقلى، تطلبين منى أن أتغير لغرض لا ألمسه ولا أحسه. تذكرين أننى استجبت لك أكثر من مرة، جربت وفشلت. تيقنت من ناحيتى أن مثل هذه الأمور لا تخضع للتجارب إلا فى معمل مغلق وليست فى عالم مفتوح يضج بالعواطف والرغبات والشهوات غير المحكومة. جربت فيما جربت، كما لا شك تذكرين، أحلام اليقظة وكنت إلى جانبى عندما تأكدنا معا أن هذا النوع من الأحلام يشترط لوقوعه توفر مؤهلات بعينها أهمها اعتماد الخيال مصدرا رئيسا للابتكار والتأليف، والحب إذا احتاج.
أقولها لك مرة أخرى وأكررها لثقتى فى صحتها، أنا يا فؤادة كما تعلمين بنت الريف. فى الريف ولدتنى أمى وفى الريف نشأت. هناك تلقيت على أيدى جدتى وخالاتى وأخوالى أهم دروس الحياة. أنا لست مثلك بنت مدينة تعج بالصخب والعلاقات والمشكلات وحبلى على الدوام بكل أنواع التحدى وألوان الغواية وحوافز المغامرة. أنا بنت ريف ساكن وحافل بكل مألوف ومعتاد وكل ما هو غير قابل ببساطة للتغيير والتجديد. نعم أنا مختلفة عنك. أحبك ولكن لا أريد أن أكون مثلك وأتمنى ألا تجربى أن تكونى مثلى.
فؤادة: هنيئا لك يا مريم أسلوبك فى الحياة طالما وهبك السعادة وراحة البال وأمنك ضد عواصف الدنيا وأنوائها. أود فقط وأنا أودعك أن ألفت انتباهك إلى حقيقة تمس حياتنا نحن الاثنتين. يا صديقتى، قد لا يكون الخيال ضروريا لانطلاق علاقة زواج ولكنه بالتأكيد ضرورى لاستقرار هذه العلاقة واستمرارها.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحلم لنعيش نحلم لنعيش



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:08 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل
 العرب اليوم - أفضل خامات الستائر وتنسيقها مع ديكور المنزل

GMT 13:03 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025
 العرب اليوم - البطولات النسائية تسيطر على دراما رمضان 2025

GMT 13:51 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها!

GMT 17:42 2025 السبت ,01 شباط / فبراير

برشلونة يتعاقد مع مهاجم شاب لتدعيم صفوفه

GMT 02:25 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

سنتان أميركيتان مفصليتان في تاريخ العالم

GMT 12:15 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب جنوب شرق تايوان

GMT 12:05 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

انفجار قنبلة وسط العاصمة السورية دمشق

GMT 02:41 2025 الأحد ,02 شباط / فبراير

ترامب والأردن... واللاءات المفيدة!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab