مقاهٍ مصرية في حياتي

مقاهٍ مصرية في حياتي

مقاهٍ مصرية في حياتي

 العرب اليوم -

مقاهٍ مصرية في حياتي

بقلم: جميل مطر

كانت نيتى أن أجمع تجاربى مع المقاهى الداخلية والخارجية فى مكان واحد. لم يسعفنى المكان الواحد. ضاق عن استضافة جل ما تذكرت فاخترت مجبرا أن أكتب عن التجارب الداخلية الآن لتلحق بها الخارجية فى تاريخ مقبل.
• • •
أدركنا مبكرا، نحن المراهقين، أن لارتياد المقاهى فى مصر طقوسا واجب احترامها. غير جائز مثلا لنا كشباب فى سن المراهقة ولجنس النساء فى كل أعمارهن، باستثناء المالكات، الجلوس فى مقاهى ذلك الزمن. كان مألوفا للزبون، أيا كان وضعه الاجتماعى، أن يقضى فى المقهى كل ساعات العصرية وبعض ساعات المساء والسهرة على فنجان واحد من القهوة. لا يليق لنادل تنبيه الزبون إلى ضرورة الاستزادة بطلب آخر. كانت بعض المقاهى وفى أحياء بعينها تشترط ارتداء البدل كاملة مع ربطات العنق والطربوش وإن خصص له شماعته فى أحد أركانه.
• • •
نشأت فى حى يسكنه موظفو الحكومة العاملون فى وزارتى المالية والداخلية ومجلسى النواب والشيوخ وديوان الموظفين وقريب منها جميعا وزارتا المعارف والحربية، ووسط هذه المؤسسات ميدان لاظوغلى ويطل عليه من أسفل بيت عتيق «مقهى المالية». أذكر أبى وهو يعبر بى شريط الترام فى شارع خيرت ليتركنى عند عم توفيق حلاق الحى فى دكانه الصغير ليقص لى شعرى، وبعد القص يصطحبنى ممسكا بذراعى إلى حيث يجلس أبى داخل المقهى.
• • •
يكسونى وأنا أكتب الآن عن هذا المقهى شعور بالاحترام يذكرنى بما كنت أشعر به وأنا أمر على الرصيف المقابل له متوجها إلى مدرسة عابدين الابتدائية. تغير مالك المبنى المكون من طابقين وقام محله تمشيا مع التطور الحادث فى الحى مبنى من تسعة طوابق استطاع مالك المقهى الاحتفاظ بحقه فى إعادة شغل مساحته وتشغيله تحت نفس الاسم. كان التقليد يقضى بأن يتناول كبار رجال الحى مع عوائلهم وجبة الغذاء فى بيوتهم وبعد القيلولة يتوجهون إلى مقهى المالية لشرب القهوة وتبادل الأحاديث حول شئون المجتمع والدولة.
• • •
كان هناك على بعد أمتار وعلى شارع متفرع من شارع مجلس النواب مقهى من نوع مختلف. رواده أصغر سنا من رواد مقهى المالية واهتماماتهم شديدة التنوع. كان لى عم وهو أصغر أعمامى كثير التردد على المقهى يصاحبه دائما شاب كفيف فى جلباب أبيض و«جاكتة» أفرنجى لا يفارق آلة العود. أتصور أن حبى للموسيقى عموما والشرقية بخاصة ولد على «دكة» بواب البيت الملاصق للمقهى. هناك كنا نسهر وآذاننا مسلطة على صوت سيد مكاوى وأنغام آلة العود وردود فعل وآهات أصدقائه وحوارييه وبينهم عمى. مرت السنون وتعرفت فى دبى على ابنة الشيخ سيد واسمها إيناس. تابعت صعودها المهنى وشعبيتها الفائقة من مواقعى الخارجية بالسؤال والاهتمام وعرفان الجميل. صارت كما سمعت سفيرة للجامعة العربية لدى الكرسى المقدس، أقصد الفاتيكان، فى روما. مثل أبيها تميزت بشخصية محببة وجذابة ومريحة.
• • •
خلال عملى فى الخارج ومتابعتى من بعيد للحياة الثقافية فى مصر كنت أسمع وأقرأ عن مقهى ريش. عدت للقاهرة وكثيرا ما مررت بجانبه وتوقفت مترددا فى دخوله. كنت أشعر وبحق أن للمكان رهبة وكثيرا ما غلبنى شعور بالنقص فأنا الدبلوماسى أو الباحث لا أملك مسوغات كان الظن عندى أن توفرها ضرورى إن رغبت فى أن أكون يوما زبونا من زبائن هذا المقهى.
ذات أمسية ثقافية فى أحد فروع دار للنشر قابلت صديقة كنت تعرفت عليها وهى بالكاد بالسنة النهائية بكلية آداب القاهرة وقد صارت صاحبة مشاركة لدار نشر. وبينما نحن نتأهب لتوديع بعضنا البعض الآخر على مدخل محل الكتب دعتنا سوسن بشير لقضاء ساعة زمان فى مقهى ريش القريب جدا من حيث كنا. رفضت ترددى وأصرت. لم أندم. كانت صحبة سوسن دائما ممتعة وكذلك الصديقة المشتركة والرائعة داليا شمس. انضمت إلينا الأديبة الإماراتية ميسون القاسمى وآخرون. بعد قليل خلت نفسى وقد صرت واحدا من هؤلاء، حلت الثقة بالنفس محل الشعور بالنقص. ارتحت إلى المكان وأصحابه وزبائنه. مع ذلك، ورغم تبدل الشعور، لم أدخل إلى المكان مرة أخرى.
• • •
لإسكندرية زمان مكانة خاصة فى نفسى. وقعت فى حبها وأنا طفل وأنا مراهق وأنا شاب وأنا زوج ورب عائلة. زرتها كل صيف. مرارا زرتها طفلا فى صحبة أخى وأصحابه، ومرارا زرتها مراهقا فى صحبة أصحابى، ومرارا زرتها وأنا شاب يافع وأقمت فى بنسيون فى كامب شيزار وأنا أبحث عن عمل دائم بعد تخرجى، ومرارا زرتها فى صحبة عائلتى الأصغر وفى صحبة عائلتى الأكبر. تعرفت بواسطة زوج شقيقتى الأكبر سنا على القهوة التجارية على الكورنيش عند أحد مداخل المنشية. كنا نجرى فى السادسة من كل صباح من الشاطبى أو نمشى مشية سريعة من سيدى بشر حتى الميناء الشرقى حيث كانت القهوة التجارية، أذكرها صالة بالغة الاتساع وعلى المائدة ولخدمة مخصوصة لنا بالتعاون مع مطعم شهير مجاور، صحون فول وفلافل وسلطات وجبنة بيضاء وبيض مقلى وخبز بلدى، على المائدة أيضا براد شاى وأكواب ومن حولها العميد الدكتور فريد وأنا.
• • •
إن نسيت فصعب أن أنسى تجارب مع مقاهٍ عابرة فى معظم عواصم ومراكز المحافظات. أخص بالذكر هذا المقهى المنحشر على مفارق ثلاثة شوارع. كنت أمشى ويمشى معى الصديق جورج إسحاق أملا فى أن نحرك من عضلات ساقينا ما تيبس من طول الجلوس فى المؤتمر.
• • •
اقتربنا من مقهى وكان الليل قد هبط وغامت الرؤية. عرضت عليه أن نجلس بعض الوقت لنرتاح. جلسنا وإذا بجميع زبائن المقهى يسحبون مقاعدهم ويلتفون حولنا، وبدقة أكبر، حول جورج. كلهم سعداء ولكل منهم شكوى وأكثر واختلفوا جميعا على من يدفع منهم فاتورة «اتنين شاى». كل منهم أصر وأقسم و.. إلا...
وعند منتصف الليل تحركنا فى اتجاه الفندق ومعنا حتى الباب زبائن المقهى. فى اليوم التالى حضر إلى قاعة المؤتمر سيادة المحافظ محاطا بكبار المسئولين وكان جورج جاهزا بورقة سجل عليها شكاوى الناس سلمها إليه مع تعليقاته عليها.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقاهٍ مصرية في حياتي مقاهٍ مصرية في حياتي



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab