الهند حلم عشناه وكابوس استبعدناه

الهند... حلم عشناه وكابوس استبعدناه

الهند... حلم عشناه وكابوس استبعدناه

 العرب اليوم -

الهند حلم عشناه وكابوس استبعدناه

جميل مطر
بقلم:جميل مطر

تعيش حيةً في ذاكرتي مرحلةٌ رائعةٌ من مراحل استقلال وتطور عدد غير قليل من الدول النامية، رائعة بمقاييس شباب تلك الأيام وتطلعاتهم وطموحاتهم. كنت أعمل في العاصمة الهندية عندما كانت الهند ومصر ويوغوسلافيا وإندونيسيا تنفذ مبادئ وتطلب من دول عظمى التزام قواعد سبق أن وضعتها هذه الدول الأربع مع الصين ودول نامية أخرى في باندونغ. كنا نقارن. نقارن بين ما تتطلع لتحققه دولنا مجتمعة، ونقارن بين الدول الأربع الواحدة بالأخرى وبقريناتها من الدول حديثة الاستقلال. كم كان ممتعاً أن نجلس لنناقش ونتابع علاقات الدول بعضها ببعض، أو أن نركز بشكل خاص على طبيعة الحكم في كل دولة وعلاقة الشعوب بحكامها ونظرة الحكام إلى شعوبهم. أذكر بصفة خاصة انبهارنا بأن يكون على قمة الحكم في الهند أبو بكر زين العابدين أبو الكلام رئيساً للجمهورية وهو مسلم، ومانموهان سنغ رئيساً للوزراء وهو من طائفة السيخ، أما القوة السياسية الحقيقية فكانت في يد مهاجرة إيطالية الجنسية اسمها سونيا غاندي وهي كاثوليكية العقيدة. هؤلاء القادة المنتخبون بشفافية وأمانة آمنوا إيماناً قوياً بتقاليد نظام سياسي يعتمد على ثلاثة أعمدة: الديمقراطية والفيدرالية والعلمانية.

مرّت عقود عديدة. تغيرنا. انتقلنا من مرحلة الشباب. وتغير العالم الذي كنا فيه نمارس المتابعة والتأمل. بقيت الهند في مخزون ذكرياتنا تداعب أحلامنا وتثير خيالاتنا. صارت في مناهج جامعات الغرب نموذجاً فريداً قبل أن ينفضّ عن الرَّكْب الرومانسيون من السياسيين والأساتذة والشباب. قيل لنا إن الهند لن تستمر طويلاً كما عهدناها، فالعولمة غيّرت أشياء وخصالاً وميولاً. قيل لنا أيضاً إن النيوليبرالية وأدت تحت أقدامها اشتراكية الآباء المؤسسين مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو. ثم قيل لنا إن ثورة الهويات أطلقت بعصبياتها وتعصبها الرصاص على علمانية الهنود. هكذا سقطت الأعمدة دفعة واحدة فأهلكت مَن أهلكت من قادة في طبقة سياسية مخضرمة وأطلقت محلهم «قديسين» جدداً يؤمنون بالهندوسية عقيدة دينية وعقيدة قومية لا تقبل الشراكة مع الإسلام ديناً وهويةً وتاريخاً.

الحزب المتطرف الذي استفاد من سقوط أعمدة الصرح القديم لم يكن جديداً على الساحة السياسية الهندية. أنقذه وجوده على هامشها. تعود جذوره الأحدث إلى مرحلة في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي حين كانت أفكار الفاشية تدغدغ مشاعر القوى الوطنية والدينية التي شمّرت عن سواعدها لطرد المستعمر الأوروبي. عرفناها في عالمنا العربي وخصوصاً في بلاد الشام على اتساعها وفي مصر، وأثمرت أحزاباً وحركات سياسية ما زالت تمارس أنواعاً شتى من العنف والمناورة السياسية. إحدى هذه الحركات يُذكر لها أو ضدها في الهند أن أحد أعضائها قتل المهاتما غاندي وأنها اتخذت من فساد حزب المؤتمر، الحزب الذي قاد النضال السياسي من أجل الاستقلال، وأقام، مع الإنجليز، دعائم الدولة الهندية المستقلة، ذريعة لتبرير سلوكها وتنظيماتها. قاد هذه الحركة، وقد صارت حزباً يُحسب له حساب، نارندرا مودي، وحقق معه إنجازاً ملموساً عندما فاز في الانتخابات النيابية في إحدى الولايات الفقيرة واستطاعا معاً تحقيق نمو اقتصادي فيها، ومنها قفزا معاً، بالديمقراطية والميليشيات، نحو الساحة القومية ليحكما الهند على اتساعها.

بعض دعايات الحزب الحاكم تحت قيادة السيد مودي ومجموعة من المتعصبين بشدة للقومية الهندية تعدّ المسلمين في الهند مهاجرين، بينما لا تعد المسيحيين أو السيخ أو البارسيس غرباء عن الهند. لن يكون من حق المسلمين أن يطالبوا بحقوق ولن يستحقوا أي امتيازات أو معاملة تفضيلية. هؤلاء، كما تقول الدعايات في بعض أنحاء الهند، هم في الأصل من طبقة الداليت، الأدنى اجتماعياً في سُلّم الطبقات الدينية، أجبرتهم السلطة السياسية في عصور الدولة الإسلامية على اعتناق الإسلام لتحسين مكانتهم وظروفهم الاجتماعية. هذه الحركة التي يقودها السيد مودي تملك مدارس تضم ملايين التلاميذ، وتكاد تهيمن على الإعلام، إذ تهيمن على 400 قناة تلفزيونية، وتزعم أن للهندوسية جذوراً ومصالح في أفغانستان وبنغلاديش فهي بالتالي توسعية. هكذا ضاقت حلقات الحصار حول المسلمين إلى حد أنه في الانتخابات الأخيرة لم يصل إلى البرلمان سوى 27 نائباً مسلماً.

في أجواء آسيوية لا تحمل لمسلمي هذا الجانب من القارة بشائر عدل وأمان لا يخفي المسلمون في الهند مخاوفهم من أن يكون هدف الحزب الحاكم طرد ملايين المسلمين «الهنود» إلى باكستان وأفغانستان وإيران. يعتقدون أن التهجير بدأ بالفعل، ودليلهم ما يحدث في ولاية آسام التي يمثل المسلمون فيها ما نسبته 34% من السكان. يزيد من خوف هؤلاء وغيرهم من المسلمين في الهند أن قليلين جداً من سكان الهند يحملون وثائق تعريف أو هوية. هؤلاء، وكما وقع بالفعل في دويلة بوتان وغيرها، راحت السلطات الهندية تطلب من كل مسلم لا يستطيع إثبات موقع ولادته مغادرة الهند، وهي لا تطلب من غير المسلمين هذا الطلب فهي تعلم أن الغالبية العظمى من سكان الهند لم يسجلوا بيانات عند الولادة.

كنا عندما نقارن الهند بغيرها من دول الجوار نطمئن إلى أن التعددية في الهند سوف تبقى صمام الأمان ضد أي تيار فاشي متسلط يريد أن يتحكم في مستقبل الهند. تخوفنا من سعي إسرائيل للتأثير على النخب الحاكمة في الهند. كان كل ما يعرضه القادة الصهاينة مصدر إعجاب قيادات التطرف الهندوسي. عرضوا مشروعهم للدولة الدينية والقومية الخالصة حيث لا مكان أو حقوق أو امتيازات لأقلية أخرى دينية كانت أم إثنية. وبالفعل وقع التقارب الموصّل حتماً إن استمر إلى حلف عنصري جاهز لاستخدام العنف ووسائل أخرى لطرد الأقليات غير المرغوب فيها. الهند في عصر نارندرا مودي والتوتر المستمر في شبه جزيرة الهند منذ الاستقلال يقدمان الدليل على فشل حل الدولتين وكذلك على فشل حل الدولة الواحدة إن جرى تطبيق أيهما في فلسطين. التجربتان في رأي قادة الحزب الحاكم في الهند فشلتا. بمعنى آخر لا سبيل إلا بالتهجير.

لم يرتكب خبراء أميركا خطأ كبيراً عندما أقنعوا الرئيس باراك أوباما بأن التركيز على آسيا سوف يفرض نفسه على خطط وسياسات الدفاع والعمل الدولي الأميركي في السنوات والعقود القادمة. رأينا بعد قليل الرئيس دونالد ترمب يأتي إلى البيت الأبيض مقتنعاً وعازماً على الأخذ بهذا الرأي رغم أنه جاء عاقداً العزم على رفض كل ما تبناه سلفه اللدود. يكفي لنفهم أو نتفهم أن نتخيل لبرهة وضعاً آسيوياً يشهد تنفيذ سياسة تهجير جماعي لمسلمي الهند يلحق بها تنفيذ سياسات مشابهة جرّبتها بالفعل ميانمار وقد تجرّبها تايلند، وكنت حتى وقت قريب أستبعد أن تلجأ الصين إلى هذا النوع من الحلول للأزمة الدائمة في مقاطعة سنكيانغ ذات الأغلبية المسلمة.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهند حلم عشناه وكابوس استبعدناه الهند حلم عشناه وكابوس استبعدناه



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab