سهرات الخميس

سهرات الخميس

سهرات الخميس

 العرب اليوم -

سهرات الخميس

بقلم - جميل مطر

كانت للخميس مع تجارب حياتنا طقوس اختلفت باختلاف النوع فليس كل ما كان يحق للصبيان يحق بالضرورة للبنات. اختلفت أيضا باختلاف العمر فما استحق لى فى مطلع شبابى لم يكن مسموحا لى على امتداد سنوات المراهقة، وما مارست واحترمت من طقوس ومتع مؤسسة على مصروف مقرر سلفا من أهلى حلت محلها طقوس ومتع أخرى معتمدة على دخل أو دخول مقابل أعمال أو خدمات قمت بها، بمقتضاها توقف مصروف الأهل وبالتالى تحررت الطقوس والمتع ولأول مرة من سلطة الأهل.
• • •
أذكر أيضا أننا، سواء كنا فى سن المراهقة أو الشباب، لم نختبر الطفرة عند الانتقال من مرحلة فى الطقوس والمتع المتاحة إلى أخرى. لا شك أننا مررنا داخل كل مرحلة كبرى بمراحل أصغر فالمراهقة فى حد ذاتها مجموعة مراحل. مثلا علمت من أمى فيما بعد أن صحة أبى تراوحت صعودا وهبوطا مع مفاجآت سنوات مراهقتى. كان قلوقا إن صح التعبير أو على الأقل هذا ما فهمت عندما فاجأتها ذات مرة، وما أزال طالبا بالثانوية، بما انتويت فعله. أشفقت على زوجها من الصدمة. تحدثنا وانتهينا إلى حال ألفة جميلة بقيت معنا حتى رحلت المسكينة عن عالمنا.
• • •
الخميس كان «نص يوم» دراسى. نذهب إلى المدرسة فرحين. فاليوم الدراسى قصير وقد خططنا لما بعده. لم يكن لى أصحاب من المدرسة أو على الأقل لا أّذكرهم إن وجدوا. ربما يكمن السبب فى أن أمى لم تكن ترحب بالغرباء، ومنهم رفاق المدرسة وهؤلاء لم يخضعوا للفحص الذى خضع له أصحابى من الحى. غريب أمر أمى. أمى على امتداد عشرين عاما، مدة إقامتنا، لم تقم علاقة مع أى عائلة خارج بيتنا ذى الشقق الثمانية. ولكنها ومن موقعها فى الشرفة المطلة على شارعين رئيسيين استطاعت أن تجمع معلومات شافية عن كل عائلة سكنت فى دائرة قطرها يزيد عن الكيلومتر الواحد. لم أفلح فى التوصل إلى مصادرها. أنكرت دائما أن يكون لها مصادر غير المراقبة عن بعد. أصدقائى فى الحى تعرفهم بالاسم وبالسير الشخصية والعائلية واجتهادهم فى الدرس والتحصيل وحسن «ملافظهم» أثناء اللعب أو الدردشة. كانت فى هدوء الليل تسمع ما نحكيه فيما بيننا على ناصية الطريق غافلين عن حقيقة أن الصوت يمكن أن يصعد مسموعا حتى شرفات الطابق الثالث.
• • •
مع اقتراب الصيف كنا، أقصد تلاميذ الحى، ننتقل خلال الليل مع مصابيحنا الكهربية وكتبنا والكراريس إلى الشرفة لندرس حتى ساعات متأخرة. أذكر أنها لم تفوت ليلة دون أن تمر على شرفتى لتطمئن. تعرض أن تعد كوبا من الشاى وشطيرة مزودة بما تخزنه لمثل هذه الظروف. أو لمجرد أن تتأكد من أن النعاس لم يغلبنى. أو، وهو الأهم كما تيقنت فيما بعد، أن شاغلا معينا عاد يشغلنى عن تحصيل دروسى. أما الشاغل فهو غرفة نوم مضاءة فى بيت عبر شارعنا تنام فيها وتذاكر دروسها فيها فتاة فى مثل عمرى كانت تفضل المشى ذهابا وإيابا فى الغرفة وفى يدها كراستها. كنا فى الحى نعرف أنها مجتهدة فى مدرستها ومستقيمة فى سلوكها وعلاقاتها. كان لأمى رأى آخر وأظن أنه سبب وجيه لزياراتها الليلية المتكررة. قالت ذات مرة، وكأن الأمر لا يعنيها، «إن (ن) متميزة خلقا وخلقا، وهى مهتمة بك ولكنى أعرف أنك منشغل عن هذه الأمور بدراستك. رغينا كتير، أسيبك ترجع إلى مذاكرتك. بس أنا خايفة عليك تبرد، قوم ذاكر جوه». عادت إلى غرفتها وتركتنى أتعامل مع أمر فى شكل النصيحة من أم رحيمة.
• • •
فى الليلة التالية زارتنى أمى كالمعتاد وفى يدها صينية نحاسية تعرف أننى أفضلها على كل الصوانى المتراصة فى خزائن مطبخنا. قالت وهى تزيح إحدى كراساتى لتضع الشاى والشطائر المعدة خصيصا وعيناها لا تغيبان أطول من اللازم عن شرفة زميلتنا (ن)، «أعلم يا حبيبى أن أمها تسعى للاجتماع معك لحاجة فى نفسها، فهى كما تعلم عاشت محرومة من أن يأتيها صبى. أعلم أنها ترتاح لك لطيبة تربيتك وسمعتنا فى الحى». أزحت بوجهى بعيدا عن حيز إبصارها دليلا مكشوفا عن نيتى ممارسة كذب أبيض. قلت هامسا «لا أظن يا أمى».
***
غريب أمر أمى. كانت تقرأنا. مرات كثيرة كانت تقاطعنى فى وجود أبى حتى لا أسترسل فى خطأ أوشكت أن أقع فيه. مرات كثيرة تدخلت عند أبى ليفاتحنى فى أمر ترددت فى إطلاعهما عليه. كانت تعلم ما فى النفوس وكل ما نخفيه عنها. أخفيت عنها قصة لقائى مع السيدة أم (ن). التقيتها بالصدفة المحضة على محطة الترام فى أول شارع خيرت، ابتسمت لها محييا. جاءت ناحيتى ومدت يدها. قالت بصوت خفيض هل يمكن أن أراك مساء اليوم؟ أقابلك على أول طريق الشيخ ريحان لنتكلم خلال الطريق إلى مقر عملى. فى العاشرة مساء اعتذرت من الأصدقاء عن الذهاب معهم إلى السينما واعدا بأن أنضم لاحقا. قابلتها ومشينا نحو شارع عماد الدين. قالت «أعرف أنك تعرف أين أعمل. لن نناقش هذا الموضوع. كل ما يهمنى فى هذه الدنيا ابنتى. أريد لها النجاح فى دراستها كما تنجحون، وأتمنى أن تساعدها فى بعض المواد التى أعتقد أنها فى حاجة لمن يقرأها معها. أنا أعرفك وأثق بك ولبيتكم فى الشارع مكانة محترمة. فكرت فى مدرس خاص خارجى ولكنى أخشى من مغبة أن يدخل رجل غريب بيتى وأنا غير موجودة. هل تقبل هذا التكليف وأنا مستعدة لدفع أى مكافأة ترى أنك تستحقها؟». قبلت التكليف بدون مقابل طبعا.
• • •
هناك فى هذه الشقة البسيطة عرفت أن للشرف معانى متعددة وله مضامين شتى، كلها كريمة. عرفت أن المظهر لا يعكس بالضرورة واقع الحياة والأفضل تجاهله عند تقييم الناس.
• • •
تعلمت أن أغفر قبل أن أعلم وقبل أن أقرر وقبل أن أحكم.

 

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سهرات الخميس سهرات الخميس



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:05 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن القضاء على 200 مسلح في ريفي حماة وإدلب
 العرب اليوم - الجيش السوري يعلن القضاء على 200 مسلح في ريفي حماة وإدلب

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab