دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

 العرب اليوم -

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

بقلم - جميل مطر

بأى حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة فى التاريخ الحديث للمنطقة التى نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جدا تحديد نقطة بداية هذه المرحلة وبطبيعة الحال يصعب أيضا وربما أكثر التنبؤ بلحظة نهايتها.
• • •
اجتمعت على منطقتنا وشعوبها فى هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد. يواكبها فى أحسن الظروف انحسار فى الديموقراطية وفى احترام الحقوق الإنسانية وإنكار متعمد أو رخيص لمبادئ سيادة القانون وانتشار البطالة بكل أشكالها. يلحق بها التضخم بكل صوره ودرجاته وينتشر الفساد. أفلتت دول أو قطاعات فيها وغطست دول أخرى بكاملها أو انفرطت.
• • •
اهتزت الأرض تحت مدينة مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المملكة المغربية، سبقتها فى تركيا هزة ليست أقل عنفا وتدميرا، والهزتان خلفتا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد فى البلدين. مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالا مماثلة، أى لم تولد بعد، فى دول فى المنطقة تهاونت فى إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية وبعضها استمر يشجع لأغراض جيوسياسية لم تكن خافية.
• • •
فى ليبيا شن إعصار قادم من الغرب هجوما بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضاريا لم تنج منه مسئولية الفوضى السياسية الناشبة فى ليبيا. اتهم حكام الغرب فى طرابلس حكام الشرق فى بنغازى، اتهموهم بالتقصير واتهموا معهم الفساد وظهر من خارج ليبيا من اتهم المؤامرة الدولية التى دبرت وخططت لنشوب إعصار توراتى مكمل بشكل ما للإعصار الإبراهيمى. وكما هى العادة فى هذا الإقليم العابر للحضارات العظمى يسرع البعض ليلقى بالمسئولية عن كارثة أو مصيبة على نصوص تاريخية أو دينية أو أسطورية قابلة لتفسيرات شتى.
• • •
لم تقتصر أوجاع الشعوب فى الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك فى انتسابه بالكامل إلى الطبيعة فللإنسان دور فى الإساءة إلى المناخ ودفعه نحو ارتكاب الكوارث الواحدة بعد الأخرى. الإنسان أيضا مسئول عن كارثة سوريا والسوريين. شعب خلاق فى تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة وفى مصادر القوة والهيبة. الإنسان مسئول أيضا عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره وهجرة خير زهراته وتهريب ثروته النقدية وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة وإعادة بعض كراسى السلطة إلى رجال الدين أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وتنازلت عن مكانتها عروسا للشرق الأوسط.
• • •
كان الأمل أن ينشأ السودان واحدا مكتملا ويبقى واحدا مكتملا. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين وهو الآن مرشح ليزداد عددا وضعفا. ثرواته مثل كل ثروات أفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه على دول الجوار وفى معسكرات لاجئين أو تبعثر فى الصحارى وعلى الحدود. يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة فى شمال السودان ترث أرضا سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة. مرة أخرى يتدخل التاريخ ليعيد لنا صراعات نشبت بين شعوب تاريخية كان الظن أن القرون العديدة والحضارات الجديدة طوتها أو على الأقل كتمت صوتها.
• • •
أذكر، وفى ظنى أننى سجلت فى مكان ما بعضا من حديث جرى أمامى قرب نهاية عقد التسعينيات فى ندوة أقيمت فى بيروت. كان طرفا فى الحديث رجل عرفت فيما بعد أنه فى حقيقة أمره خبير فى شئون الشرق الأوسط لدى جهاز استخبارات غربى. يومها طرح اعتقاده أن الشرق الأوسط، الإقليم الفريد فى تكويناته الطبقية والعرقية والطائفية، عاجز بنفسه عن تحقيق عدالة فى توزيع مقاليد السلطة على جميع تشكيلات ومكونات المجتمعات الشرق أوسطية، وأنه لا بد من تدخل «جراحى» من الخارج يعيد حقوق السلطة إلى أصحابها بحجة أن الطائفة التى احتكرت السلطة لقرون عديدة لن تسمح لطوائف أو أى قوى داخلية تغيير واقع الحياة السياسية والاجتماعية فى دول المنطقة. فهم المجتمعون القصد ودخلوا فى حوار ممتد كشف فى نهايته أن قوة خارجية تسعى للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذرى فى بعض مجتمعات الشرق الأوسط. مرت سنوات معدودة وفى أثرها قامت قوى عسكرية مزودة بخبراء سياسيين، وبينهم الرجل الذى نقل فكرة التدخل الخارجى، بترتيب عملية غزو للعراق لتحقيق التغيير المنشود، وبالفعل ما يزال العراق يحاول التأقلم مع ظروف ومكونات مختلفة، سواء فى داخله أو على جميع حدوده الخارجية، جميعها بدون استثناء.
• • •
لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث فى نظام توازن المكانة والهيبة والقوة فى النظام العربى، صارت مطروحة الحاجة إلى نظام إقليمى يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة. المواكبة التى أتحدث عنها أقصد بها توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع هذه الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من سبعين عاما. المواكبة يمكن أيضا أن تأخذ شكل إقامة نظام إقليمى آخر، شرق أوسط جديد مثلا تجتمع فى ظله جميع التفاعلات القائمة بين جميع دول الشرق الأوسط، أى الدول العربية ودول جوارها كتركيا وإيران وما يستجد بتدخل قوى دولية.
• • •
لا أمل فى استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعى إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث أو إعادة بث روح « قومية« فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوى فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا وفى الفكر العسكرى والأمنى، فيها جميعا أو فى واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضرورى.

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab