بين ذات وذات أخرى

بين ذات وذات أخرى

بين ذات وذات أخرى

 العرب اليوم -

بين ذات وذات أخرى

بقلم - جميل مطر

زميلة مهتمة بالكتابة وحوارات الرأى ودور الدولة فى صنع أو حرف الرأى العام اتصلت بى قبل أيام لتنقل خبر وصول الدكتور هنرى كيسنجر إلى العاصمة الصينية. أذكر أننى سألتها عن مستوى الاستقبال ونوعه وطبيعة المرافقين وهوياتهم وهوية الطائرة التى حملتهم. أذكر أيضا، وتذكر زميلتى بدون شك أننى وأنا أستأذنها فى إنهاء المكالمة علقت على الخبر قائلا «الراجل ده حيجننى».
• • •
وصل خبر وصول كيسنجر إلى بكين بينما كنت منشغلا بالمقارنة بين طموحات الإنسان فى مرحلة مبكرة من حياته وبين طموحاته فى مراحلها المتقدمة جدا. هذا الرجل الذى بلغ المائة من عمره يركب طائرة مع هيئة مكتبه متوجها إلى الصين عارضا مبادرة من صنعه أو جاهزا لتنفيذ مبادرة موحى بها إليه من واشنطن أو من الصين أو من كليهما معا. هذا الإنسان لم تنطفئ بعد لديه شعلة الإبداع. لماذا لم تنطفئ أو تخبُ عنده وتنطفئ أو تخبو عند كثيرين غيره؟ ثم ما نوع هذه الطاقة الداخلية التى تستطيع أن تبقى هذه الشعلة مشتعلة سنة بعد سنة وتحولا بعد آخر فى معادلة توازن القوى وفى حال السلم والأمن الدوليين. هل لما يفعله الإنسان فى بداية حياته أثر على ما يحققه فى نهايتها؟
• • •
تختلف الآراء بين من يقول ويعتقد أن الامتداد قائم ومستمر بين المرحلة الأولى من تشكل الإنسان وبين المرحلة أو المراحل الأخيرة، وهناك من يعتقد أن المراحل الأخيرة بعيدة الصلة عن المبكرة أو لا تمت لها بصلة. أهتم بهذا الموضوع اهتماما خاصا فأنا واحد من كثيرين اقتربوا بالفعل من ولوج باب من أبواب المرحلة الأخيرة أو لعلنى واحد من قليلين فتحوا بابا من هذه الأبواب عنوة وبعزم وهم على يقين من أن ما فعلوه متصل بكل تأكيد بما قرروه وخططوا له أو على الأقل فكروا فيه وهم يجتازون الخطوط الفاصلة بين الطفولة والمراهقة.
• • •
للكاتب الأرجنتينى خورخى لويس بورخيس كتاب شهير بعنوان «الآخر». أما الآخر الذى يقصده بورخيس ليكون عنوانا لروايته فهو الإنسان عندما يصل إلى مرحلة متقدمة جدا من حياته. بهذا المعنى يقصد أن إنسان المرحلة المتقدمة من العمر مختلف جدا عن إنسان المراحل الأولى. أتفق مع الرأى القائل إن المرحلتين ليستا بالضرورة متكاملتين ولا متواصلتين ومع ذلك فليستا بالضرورة متناقضتين ولا متنافرتين. العلاقة بينهما يمكن أن تكون كالعلاقة بين ذات وأخرى متنافستين. إحداهما تعالوا نسميها «ذات الماضى» والأخرى «ذات الحاضر».
قرأت أن بعض علماء النفس اهتم بصراع أو تنافس الذاتين، ذات الماضى وذات الحاضر، سعيا وراء حلول أو علاجات لانحرافات طارئة قد تصيب الشخصية فى مسيرتها العمرية. تكاد «ذات الحاضر» وهى تستعد لتبوء مكانتها فى المرحلة الأخيرة من العمر تلقى باللوم على «ذات الماضى» البعيد مسئولية الإهمال فى التخلى عن ممارسة التمارين الرياضية وتناول الأغذية المفيدة للصحة وفى وقف التدخين، ومسئولية التقصير فى اكتناز المدخرات، وعدم الإقبال على تحصيل العلم، والتقاعس عن زيادة حصيلة المعلومات، وغيرها من التصرفات التى تسببت فى أن يصل الإنسان إلى مرحلة النهاية غير لائق لظروفها الصعبة أو غير مستعد لأحلامها الكبار. نعيب أحيانا على ذاتنا المبكرة تفضيل المتعة الوقتية والعاجلة على المتع الأطول أمدا والأغلى استحقاقا التى يمكن أن تتاح للذات الثانية، الذات المؤجلة التى أطلق عليها الكاتب العظيم والمحروم من نعمة البصر وصف «الآخر»، أى الغريب والبعيد والمنزوع الهوية والجذور.
• • •
لن أكون بين من يحملون المسئولية كاملة «للذات الأولى» وأقصد الإنسان فى مرحلته المبكرة من العمر. فالأهل أيضا مسئولون والمجتمع والتقاليد. صحيح أننا نشأنا بين جدران وحول أثاثات مزدانة بصور كبار السن من أجدادنا وشيوخنا الأجلاء يبدون فيها متعبين ومنحنى الظهور. أغلبهم فى الصور رافل فى ثياب أوسع مما تستحق أجسادهم وبعضهم محتاج إلى من يرشده إلى الطريق السوى متجنبا حفراته ومطباته، وكثيرات وكثيرون يظهرون فى الصور متكئين دائما إلى عصى أو إلى ظهور مقاعد خشبية ثقيلة الوزن وبين أرجلهم أطفال من الذات الأولى يرتدون الزى الرسمى لضباط فى الجيش. تظهر الجدات والجدود فى الصور وكأنهم أفلتوا من مطاردة زمن ولى أو باعتبارهم كائنات بلا أدوار وأحلام وطموحات. صرت أعتقد أن جيلنا يجب أن يقف متفاخرا فى صدارة أجيال جديدة حطمت بنجاح أسوارا كانت تفصل بين ذوات العمر الواحد. أجيال كسرت قيودا وأزالت أوهاما رسمت لكبار السن فى ذاكرة الأطفال وأبناء وبنات الذات المبكرة صورا ذهنية حقيقية لأقاربهم من رجال ونساء متقدمين ومتقدمات فى العمر.
دانيا تقول عنى إنها عندما تقرأ لى أو تناقشنى فى أمور حياتية تخصها وتخصنى لا تشعر وهى حفيدتى ابنة العشرين أنها تتناقش مع أو تقرأ لإنسان مختلف أو غريب أو «واحد من الآخرين» كما وصفهم بورخيس وأيده فى هذا الوصف جيل من علماء النفس. لم نعد نحن أبناء وبنات «الذات الأخرى» غرباء. لم نعد نحن كبار السن فى مخيلة جيل الشباب مجرد كائنات أخرى منبتة الصلة عنهم. بمعنى آخر لم نعد «ذاتا أخرى».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين ذات وذات أخرى بين ذات وذات أخرى



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab