أجراس الخطر تدق

أجراس الخطر تدق

أجراس الخطر تدق

 العرب اليوم -

أجراس الخطر تدق

بقلم - جميل مطر

لا تكاد دولة فى العالم تخلو من أعراض أزمة اقتصادية عميقة فى أسوأ الأحوال أو من تباطؤ فى النمو وبوادر كساد اقتصادى فى أحسنها. الشرق الأوسط ليس استثناء بل لعله صار الآن يجمع بين تراجع الاقتصادات فى أكثر دوله وتدهور السياسة والأمن فى بعضها فضلا عن الهيمنة المرعبة لحالة فريدة من الميل لاستخدام أحط أشكال تدمير العمران والإبادة البشرية.

ليس هنا المكان المناسب ولا المساحة اللائقة بالبحث فى أزمات العالم الخارجى رغم أنها فى مجملها وتفاصيلها تؤثر فى استقرار وأحوال دول الشرق الأوسط، إنما أكتفى هنا بعرض أحد أهم عناصر تكوين الأزمة الشاملة فى الشرق الأوسط، وهى الأزمة التى تنذر بوادرها بخطر جسيم يهدد سلامة وأمن كثير من دول وشعوب المنطقة.

بعض قادة هذه الدول يقلل من شأن هذه الخطورة، يظن أن الخطر بعيد رغم أنه صار بالفعل يهدد دولا وشعوبا أخرى فى الإقليم منها دول وشعوب فى جوارنا. أخشى أن يكون الصواب قد جانب هؤلاء القادة فى قرارهم إهمال ما يحدث فى موقع أو آخر فى المنطقة طالما بدا لهم من على البعد بمنأى عن حدودهم أو فاترا أو لا يخصهم بشكل مباشر. لاحظنا فى الآونة الأخيرة زيادة مبالغا فيها لدى هؤلاء القادة فى الاطمئنان لحليف أكبر فى الخارج، حدث هذا بالرغم من أن دولا فى العالم الخارجى هى نفسها تشكو قلة أو انعدام الثقة داخل الحلف الواحد، وبالرغم من أن الحليف الخارجى إما صار يتواطأ مع القوى الظالمة أو يتباطأ فى مد يد العون لحلفائه فى الشرق الأوسط فى لحظات الصعوبة والخطر الواقع فعلا أو الوشيك.

●●●
كثيرة هى أعراض الأزمة ومتغيراتها وأسبابها الظاهرة فى الشرق الأوسط، بعضها قديم قدم المنطقة وتراثها وأديانها وجغرافيتها وهجرات شعوبها التاريخية وتكوينات هذه الشعوب، وبعضها حديث عمره من عمر معظم دول المنطقة ونتيجة تفاعلاتها البينية. بعضها الثالث طارئ أو مستجد. دفعت إليه تطورات نشأت نتيجة سوء إدارة أو تطرف متشدد أو تدخل أجنبى أو تراكم هذه النقائص واجتماعها فى وقت واحد، وقت انحباس حريات وتضييق خناق واستهتار بالقيم والحقوق وفساد خانق فى أنحاء متفرقة من الشرق الأوسط وبخاصة فى منطقة القلب. نعم، المتغيرات والأسباب كثيرة أنتقى منها فيما يلى المتغير الفاعل بشدة.
●●●
مذكرة جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية وشهادات المحامين وقرار المحكمة، كلها مجتمعة صدمت الغرب وأذهلت الجنوب العالمى وجددت فى قيمة مفهوم العدالة لدى جيل ناشئ فى مختلف الشعوب وأبرزت من جديد قوة الأكثرية على حساب قوة وهيمنة الأقلية ودرسا مهما للصين بخاصة.
●●●
لا خلاف كبيرا فى الرأى الثابت الآن والقائل بأن إفريقيا شهدت بدايات صحوة خلال الشهور السابقة على إعلان جنوب إفريقيا عن موقفها من عملية الإبادة البشرية التى تنفذها إسرائيل فى فلسطين. أظن، وهو ظن أو رأى شخصى، أن الاثنين مترابطان أو بينهما صلة. ما كانت جنوب إفريقيا لتتخذ هذا الموقف «الأسطورى فى جرأته وشجاعته وصدقه» لو لم تتوحد فى نظرها إفريقيا وشعوب الجنوب بفخر وثقة تجاه الثورة الناشبة ضد الاستعمار الغربى فى منطقة الساحل. من ناحية أخرى ما كانت مذكرة جنوب إفريقيا لتحظى بهذا الاستقبال «الأسطورى أيضا» من الرأى العام العالمى وبخاصة رأى أساطين القانون الدولى لو لم تكن شعوب الجنوب جاهزة للتغيير والتصدى لظلم الغرب ولأسطورة تفوق وسيادة الرجل الأبيض. فى رأيى، ولا مبالغة كبيرة فيه، أن هذه الصحوة الشاملة فى عالم الجنوب فى قيمتها التاريخية لا تقل أهمية ووزنا عن أهمية ووزن واقعة انطلاق أساطيل الغرب قبل قرون لإقامة إمبراطورياته فى آسيا وإفريقيا وفى الأمريكتين. لذلك لست متفاجئا بكثافة الزيارات والضغوط الغربية الراهنة للعواصم الإفريقية سعيا للجم هذه الصحوة ومنع تمددها ووقف آثارها، وبخاصة ما يتصل بعناصر الانحدار فى مؤسسات النظام الدولى الراهن، وبخاصة مجلس الأمن، وعدم التزامها قواعد النظام الدولى. لست متفاجئا بسخاء العروض الغربية ومنها الوعد الأمريكى بتصعيد دور إفريقيا فى مجلس الأمن أسوة بمكانة الدول العظمى أو اقترابا منها. لعله وعد صادق وإن صدر من طرف لم تعد تأتمنه الدول الإفريقية بعد ما اكتشفت موقفه من إبادة إسرائيل لشعب فلسطين فى غزة والضفة وموقفه من مذكرة جنوب إفريقيا وحكم المحكمة.
●●●
لست متفاجئا بموقف دول الغرب ولن أتفاجأ بموقفها فى حال فشلت فى لجم إرادة إفريقيا وغيرها من أقاليم الجنوب. سلميا لن تعترف هذه الدول الغربية أن دورها انتهى، ولن تتنازل عن مكانتها ومستعمراتها بدون مقابل. فورا سوف تحاول، بالقوة إن استدعى الأمر، وقف انهيار دفاعاتها الإمبراطورية. لعل من بين هذه المحاولات تعزيز قواعدها العسكرية فى الشرق الأوسط وبعضها يعيد الرأى العام العربى اكتشاف وجوده، ويكتشف فى الوقت نفسه أن بعض العلاقات الأمنية لدول كبرى بدول فى المنطقة تجرى سرا بعيدا عن العيون والآذان، وهو الأمر المفهوم فى ضوء التهاب مشاعر الشعوب وإن كان إدراكها الحقيقة يصب فى خانة غضبها، أو على الأقل فى خانة الزيادة الملحوظة فى أنشطة التنظيمات المسلحة غير الحكومية.
●●●
إسرائيل بالمثل لن تقبل التوقف عن أعمالها البربرية ضد شعب فلسطين وشعوب أخرى. حانت فى أكتوبر فرصتها التاريخية لإثبات أن شعبها ولا غيره هو الشعب المختار. لم تكن زلة لسان تصريحات هذا الوزير أو ذاك عن الكائنات غير البشرية التى تسكن غزة والضفة. ولا كان اعترافها الضمنى فى أوسلو بسلطة فلسطينية تشاركها على جزء من الأرض قبولا باحتمال إقامة دولة فلسطينية فى زمن قادم. خططت ليوم تضعف فيه أمريكا والغرب عموما فتنفذ الإبادة مستندة إلى تواطؤ حلفائها. عرفت وتعرف أن واشنطن لأسباب داخلية قد تناور ولكنها شريك لا يخون فإسرائيل إلى حد غير بسيط مهيمنة فى أمريكا وبريطانيا العظمى وفرنسا وبشكل من الأشكال أثبتت ألمانيا خلال الشهور الأخيرة أنها ليست حرة الإرادة فى كل شأن يتعلق بإسرائيل واليهودية العالمية، ولن تكون حرة فى أى وقت قريب. أخشى، ويشاركنى الخشية أفراد عديدون فى ألمانيا وخارجها، نخشى أن تقدم ألمانيا على اتخاذ إجراءات غير رشيدة فى المستقبل القريب تتعلق بأمن دول فى الشرق الأوسط وفى أوروبا انصياعا للضغط الصهيونى وخوفا من عواقب الزيادات المتتالية فى قوة اليمين المتطرف الأوروبى عموما والألمانى بخاصة. يكفى هنا الإشارة إلى النية الألمانية استعادة مكانتها العسكرية التى فقدتها بأوامر أمريكية، تستعيدها الآن أيضا بأوامر أمريكية. وهذا خطر كبير، أو على الأقل الشعور السائد فى دول وسط وشرق أوروبا.
●●●
لن أذهب بعيدا. أمريكا تعود إلى الشرق الأوسط. كان قبل أيام عنوانا لتصعيد خطير فى الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط بين دولة احتلال وعدد كبر أو صغر من المقاومين لهذا الاحتلال. بالنسبة لى ولآخرين كانت العودة دليلا على مزيد من الانحدار فى قوة ومكانة هذه الدولة العظمى وانتقاصا مؤكدا من قوتها فى المواجهة مع الصين فى الجبهة الباسيفيكية. نعرف، من أمريكا نفسها، أن عظمتها كانت مستمدة بشكل أساسى من التزامها منظومة قيم إنسانية وانحياز كامل للعدالة وحقوق الشعوب. أما أن تعود لتتدخل بالقوة لحماية دولة قررت أن تسود فوق غيرها بحجج التاريخ والأساطير والدين ونقاء العنصر أو تميزه ففى النهاية هى الخاسرة. لسنا غافلين، ولا غافلة شعوب الشرق الأوسط، ولا غافلة إدارة الرئيس بايدن فى سنتها الانتخابية، عن عدد الضحايا الذين خسرتهم أمريكا خلال أقل من أسبوع نتيجة تدخلها غير الرشيد. مثل هذا التدخل كان فى أفغانستان والعراق وهو الذى أطلق مسيرة انحدارها. وأراها، وأقصد إدارة بايدن ومختلف تيارات الحزب الديموقراطى فى الكونجرس، مرتبكة إزاء انتشار ظاهرة الاحتجاج بين العاملين فى عدد من مواقع اتخاذ القرار السياسى الأمريكى وبخاصة الكونجرس ذاته ووزارة الخارجية. يحتجون على سياسات الاستمرار فى دعم إسرائيل عسكريا. وفى ظنى أن هذا الاحتجاج أثمر خلافا علنيا بين واشنطن وبنيامين نتنياهو، الذى قرر من ناحيته تصعيد الخلاف ليس فقط مع واشنطن ولكن أيضا بافتعال مشاكل حدودية مع بعض دول جواره المرتبطة بسياسات تحالف أو تفاهم مع الولايات المتحدة أو حتى بعلاقات طبيعية مع إسرائيل نفسها. وفى هذا الشأن لا أستبعد منه أو من يأتى بعده تصعيد هذه المشكلات مع الجيران ومع شعب فلسطين فالفرصة التى حانت لإسرائيل لن تسمح لها قوى الصهيونية العالمية، العميقة منها والأعمق، أن تضيع، وهى القوى الأكثر استفادة من وجود إسرائيل مهيمنة فى الشرق الأوسط.
●●●
أشباح الخطر تخيم على الشرق الأوسط أكثرها منبعث من داخله وبدعم من خارجه. قليل أو دون المستوى استعداد أو تضامن دول الإقليم القادرة والفاعلة لمواجهته، ويكاد يكون منعدما للعين المجردة دور لروسيا أو للصين فى هذه المواجهة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أجراس الخطر تدق أجراس الخطر تدق



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab