حول ما قبل غزة وما بعدها

حول ما قبل غزة وما بعدها

حول ما قبل غزة وما بعدها

 العرب اليوم -

حول ما قبل غزة وما بعدها

بقلم - جميل مطر

علمونا فى فصول الدراسة أنه لا يستحسن صنع قرار أو اتخاذه فى أوقات الأزمات، إنما يمكن استغلال هذه الأوقات فى الاستعداد للخروج من وضع الأزمة وصنع بدائل فكرية لما بعد الأزمة وجس نبض مختلف الأطراف حول هذه البدائل جملة واحدة أو بديلا بعد الآخر.
• • •
نحن، وأقصد مختلف أطراف القضية الفلسطينية وبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، نمر الآن فى وقت أزمة. لسنا كلنا شركاء فى الأزمة بنفس القدر. بعضنا عاش فى قلب القضية أو الموضوع إن صح التعبير، وبعض آخر اقترب من هذا القلب وابتعد عنه خلال مسيرة عاشت معنا لأكثر من خمسة وسبعين عاما. بعض ثالث شارك بالتعاطف فى أحيان وبالابتعاد فى معظمها وهو محسوب عليها فاستحق صفة «الدول الأرجوحة». من البعض الأول فلسطين وإسرائيل بطبيعة الحال ودول سماها العرب فى إحدى مراحل القضية بدول الطوق وهى الدول التى اشتبكت فى حروب ومقاطعة ثم تطبيع سمى فى حينه أو بعد حين سلام بارد، وفى الغالب بقيت تفاصيل هذا السلام ونواياه محاطة بقدر كبير من السرية والشكوك والشائعات. ضمن هذا البعض الأول وجدت دائما ومنذ اليوم الأول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى. وفى مراحل تالية وبخاصة خلال الأزمة الراهنة انضمت ألمانيا بشكل ومحتوى أثارا من القلق والغضب أكثر مما أثارا من اهتمام واندهاش. وفى مرحلة متأخرة انضمت إيران إلى هذا البعض الأول فاتسع الطوق، مجبرا فيما يبدو، ليحتويها وقد تعددت شقوقه وتكسرت حوافه بفعل فاعل أو أكثر.
• • •
تابعت بمزيد القلق والاهتمام خلال الأزمة الجهود الخارجية نحو العثور على صيغة جديدة للوضع فى مرحلة ما بعد غزة. كلاهما، وأقصد القلق والاهتمام، نابعان من شبهة تواطؤ أو تآمر طرفاه حكومة الرئيس جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو. الحكومتان، بدعم من حكومتى بريطانيا العظمى وألمانيا وحكومات غربية أخرى، قررتا استخدام، أو الموافقة على استخدام، صيغة الإبادة الجماعية على أمل أن تفرغ غزة كلية أو معظمها من السكان الفلسطينيين، ثم يأتى الدور على الضفة الغربية لتفريغها هى الأخرى من خلال الصدامات الجارية، والتى يمكن أن تزداد، بين المستوطنين اليهود القادمين من الولايات المتحدة وبعض منهم، حسب الروايات الصحفية، هاربون من أحكام أو مشتبه قيامهم بأنشطة إجرامية.
• • •
تسربت أخبار تفيد بأن الأمريكيين توصلوا متأثرين بموقف الرأى العام الغربى ثم العالمى إلى قناعة بأن نتنياهو وحكومته حققا فشلا ذريعا فى خطة تفريغ غزة تمهيدا لتهويدها. المؤكد الآن أن جهاز صنع السياسة الخارجية فى واشنطن كان متواطئا منذ اللحظة التى نصح فيها أو أمر بتحريك قطع من الأسطول الأمريكى إلى شرق البحر المتوسط لحماية عدوان إسرائيل. وصلت قطع الأسطول تحت الادعاء بأنها ستكون موجودة لمنع توسيع الحرب، وبكلمات أخرى منع الدول العربية وأى دول أخرى فى الشرق الأوسط من التدخل للوقوف بجانب المقاومة الفلسطينية أو لحماية سكان غزة.
• • •
لم يخف السيد بلينكن حقيقة ما كانت أمريكا تأمل فى تحقيقه من خلال هذه الحرب عندما أدلى بتصريحاته فى دافوس. وقتها تحدث عن ضرورة إصلاح منظمة التحرير وإصلاح أخطاء التطبيع وتشجيع المرشحين الجدد له، الأمر الذى فهمته الدول المطبعة مع إسرائيل على أن خطة موضوعة بالفعل قبل الحرب أو أثنائها تهدف لوضع منظومة إقليمية جديدة تضمن تسريع إدماج إسرائيل فى الإقليم. كان مفهوما أيضا أن المقاومة الفلسطينية للعدوان، إلى جانب الأثر الهائل عالميا فى حجمه لبشاعة عمليات الإبادة البشرية، فضلا عن تقاعس معظم دول التطبيع عن دعم إسرائيل، وعن تراجع بعض الدول الأعضاء فى الحلف الغربى عن موقفها الداعم لإسرائيل، كلها عناصر ساهمت فى اكتمال عودة واشنطن للتدخل السياسى المكثف فى المنطقة.
هذه العودة ذات مضمون مهم ومعنى كبير. خرجت أمريكا من الشرق الأوسط عندما شعرت أن الحاجة إليها فى الشرق الأقصى تفوق حاجة الشرق الأوسط. عادت عندما شعرت أن الشرق الأوسط عاد إلى طبيعته المشاكسة، كما يقول المثل المصرى «عادت ريما إلى عادتها القديمة». عاد إلى رفض وضعه وشكله وميوعة دوره. إسرائيل عازمة على التوسع، وإيران مستعدة لتغيير الوضع القائم، والصين وصلت وتدخلت تصلح بين إيران والسعودية وتعقد اتفاقيات تمس مصالح أمريكا وإن بقيت أنشطتها داخل المجموعة الخليجية غير مستقرة، وروسيا تغازل المملكة وتنسق معها فى إدارة بعض شئون النفط.
• • •
مرة أخرى تعود أمريكا لتهيمن فى الشرق الأوسط وفى نيتها أن تصلح ما فلت عياره وتنقذ إسرائيل من «عالم جنوبى» يتربص بها. بدأت بالكشف عن «العين الحمرا» كما توصف الشدة فى تربية الأطفال. لن نوقف القتل والقتال. وإمعانا فى التشدد كشف بلينكن عن يهوديته وشكل جهاز مبعوثين للشرق الأوسط غالبيته العظمى من اليهود وكأن الخارجية الأمريكية ومراكز البحث خلت جميعها من غير اليهود. وبكل الصلافة الممكنة جاء الرئيس جو بايدن بنفسه ليحضر فى انعقاد مجلس الحرب فى إسرائيل، وكأنه يقول «الحرب حربنا» ولن نترك إسرائيل إلا وهى منتصرة على جحافل (العماليق) الجدد»، الاسم الذى استعاره نتنياهو من الكتاب المقدس ليطلقه على الفلسطينيين وخصوم إسرائيل.
بعد قليل ومع ضراوة المقاومة وتوسع جبهة الاشتباكات إلى جنوب البحر الأحمر وصعود مبهر لمكانة واسم فلسطين انتقل الحديث إلى الصالونات المغلقة مع تسريب هنا أو هناك. تكرر ذكر عبارة شرق أوسط مختلف ودولة فلسطينية مستقلة. سمعنا عن تقارب عاجل بين السعودية وإسرائيل كشرط أول ورئيس لتشكيل هذا الشرق الأوسط الجديد. سنحت لأمريكا الفرصة لربما أفلح رسلها فى استعادة المملكة من براثن الصين وإيران بينما يبقى الهدف ماثلا وهو تحقيق بناء المؤسسة الإبراهيمية كنواة للإقليم الجديد.
فى مرحلة أخرى ظهرت تلميحات بأن يدير أمور غزة بعد الوقف المؤقت للقتل والتدمير كل من مصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية تحت عنوان دولة فلسطين المستقلة. العنوان شديد الإغراء ولكن الحقيقة شديدة الكذب والنفاق تماما كعادة دول الاستعمار الغربى. فالدولة لن تكون إلا منزوعة السلاح وناقصة السيادة و«ضامنة لأمن دولة إسرائيل». يعنى لا دولة. أضيف إلى ما سبق قناعتى بأن مصر، لأسباب عديدة، لن تقبل أن تعود إلى قطاع غزة حاكمة أو ضمن جهاز حاكم. لقد جربت وعانت ولن تجرب مرة أخرى عرضا مغلفا بالحرير وفى باطنه شر أثيم.
• • •
كهذا وبكل تعالٍ وجسارة أطل النفاق والغرور والشر الأكيد من ثنايا مشروع سلام جديد فى شرق أوسط جديد.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول ما قبل غزة وما بعدها حول ما قبل غزة وما بعدها



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab