علامات الطريق نحو المجهول

علامات الطريق نحو المجهول

علامات الطريق نحو المجهول

 العرب اليوم -

علامات الطريق نحو المجهول

بقلم - جميل مطر

علمونا فى المدارس ثم فى الجامعات ثم فى سنوات الممارسة العملية كما العلمية قراءة وتحليل علامات الطرق الموصلة إلى المستقبل. كنا نخطئ، وفى بعض الأحوال ومع مرور الوقت والاجتهاد كنا نصيب. أصبنا فى بعض محاولات استشراف مستقبل المراحل الانتقالية فى النظام الدولى، وهى بلا شك الأصعب فى الرؤية أو التخمين وأخطأنا فى أكثرها. نحن الآن، وأقصد البشرية فى وضعها الراهن، على أبواب مرحلة انتقالية تبدو من كثير من علامات الطريق المؤدية لها أنها ربما تكون من نوع المراحل الأشد غموضًا مقارنة بمراحل عديدة تابعناها فى كتب التاريخ وبخاصة فى القرون والسنوات الأخيرة.
• • •
قمت فى الأيام الأخيرة بتجميع عدد من هذه العلامات قابلتنى خلال محاولة استطلاعية لاستشراف مصيرنا كبشر فى عالم ينتقل من حال إلى حال جديد تماما وكأمة فى نظام إقليمى ينتقل بدوره وتحت أقصى درجات العنف والتآمر والتشدد الدينى أو القومى من حال إلى حال، نظام إقليمى ما يزال مجهولا لجمهرة الباحثين وما يزال عصيا على فهم وربما على إرادة جماعات صنع السياسة والقرار فى عالمنا العربى، أعرض فى السطور التالية، ودون ترتيب أولويات، بعضًا من هذه العلامات المحيرة والمثيرة للجدل وكثير من الغضب.
• • •
أولًا: شخص دونالد ترامب، بصفاته العديدة وبعضها خارق للمألوف، وبموقعه رئيسًا لدولة هى القطب الأقوى، وليس الأعظم، فى النظام الدولى بشكله الراهن. صفاته بلا شك عديدة واجتماعها فى شخص واحد صدفة مذهلة. من هذه الصفات ما يصنف تحت عنوان علل نفسية نوقشت وتناقش فى دور العلم وأجهزة الاستخبارات لن ندخل فى تفاصيلها باستثناء صفة النرجسية الشديدة والمتفاقمة، بسبب تقدم العمر ودورها فى صياغة متغيرات وصنع ظروف وأحوال تتعلق مباشرة بالحال الانتقالية. يحسن فى البداية التصريح بأن ترامب متغير فريد بين متغيرات فى جماعة تصنع السياسة وتتخذ القرار وتحوز على الحق المطلق فى إصدار قرار الحرب.
• • •
ثانيًا: مصير يتكرر لشعب أعزل، أقصد الشعب الفلسطينى القاطن غزة والضفة الغربية. يتعرض هذا الشعب لما سبق وتعرضت له أمة سكنت قارة أمريكا الشمالية قبل قرنين من عمليات تهجير بالحرب والتجويع والمطاردة من مكان إلى آخر حتى تحققت الإبادة. أبيدت القبائل واحدة بعد الأخرى وفى النهاية امتدت الإبادة إلى الأمة باستثناء أقلية أسكنتهم حكومة المستوطنين البيض فى «معازل» مغلقة. أعلم علم اليقين أن هذا المصير يعيش فى وعى كل فلسطينى يهدد استقراره وطموحاته ويبقى دافعًا قويًا له وأولاده وأحفاده من بعده للانتقام والمقاومة. نحن شهود على فشل كل المحاولات الراهنة لفرض شرط محو المقاومة من وعى الإنسان فى غزة والضفة فى إطار اتفاق سلام يعقد بين الاحتلال وهذه المقاومة.
• • •
ثالثًا: كان ظهور «كير ستارمر» على مسرح المرحلة الانتقالية للعب دور فى ساحة معبأة باليأس والخوف والغضب مفاجأة للكثيرين فى أوروبا ولترامب نفسه. ففى غياب لاعب فاعل فى أوروبا، وفى خضم حملة «إنكار» أمريكى لوجود أوروبا لاعبًا أساسيًا فى هذه المرحلة، وفى وقت اشتعال أزمات سياسية فى كل من فرنسا وألمانيا وجنوح كل من إيطاليا وإسبانيا إلى جانب المعارضين لأمريكا الترامبية وموقفها من قضية أوكرانيا، وفى ظل غضب عارم فى جميع دول البلطيق من أسلوب تعامل ترامب مع رئيس أوكرانيا واعتبار هذا الأسلوب فى التعامل درسًا موجهًا لكل الدول المتاخمة لروسيا وبخاصة بولندا، فى ظل هذه العوامل مجتمعة أظهر كير ستارمر رئيس وزراء المملكة المتحدة شجاعة فائقة فى محاولة لإنقاذ أوروبا. عرض الاستعداد لتعود بريطانيا لملء فراغ القوة فى الاتحاد الأوروبى رغم أن بلاده سبق وتمردت على عضويتها فى برامج تكامل أمنى وسياسى للقارة الأوروبية. كان ستارمر أول من تحرك لتخفيف الواقع الرهيب الذى خلفه اللقاء العاصف والحامل لكثير من المغزى والمعنى بين ترامب وزيلنسكى فى المكتب البيضاوى، مرة أخرى عادت بريطانيا، وليست فرنسا ولا ألمانيا ولا روسيا، لتلعب دور القوة الموازنة الذى مارسته خلال اهتزازات نظام توازن القوة فى القارة الأوروبية، هذه المرة راح ستارمر يطبق الدور فى نظام الحلف الغربى إن صح التعبير. أظن أنه انتبه إلى أن تطورًا غير مألوف فى نظام الحكم داخل الولايات المتحدة مسئول عن حال الحلف وأنه لا بد من التدخل بالسرعة الممكنة لإصلاح الخلل بتوحيد أوروبا لتتمكن من مواجهة القطب الأمريكى المتجاوز لكل الحدود الدبلوماسية والمتلاعب بمصائر وأوضاع حلفائه، مثلما يفعل مع أوكرانيا ومع مجموعة الدول العربية الحليفة ومع بنما وكندا والمكسيك. لاحظنا أن ستارمر تفادى دعوة دول البلطيق لمؤتمر القمة الأوروبية مراعاة لظروفها واحتمال رفضها الانصياع لبعض سياسات قد يفرضها ترامب ضمن تحالفه المتطور مع روسيا، إجراء تكرر فى دعوة عدد من الزعماء العرب لمؤتمر التنسيق لقمة القاهرة ولأسباب شبيهة.
• • •
رابعًا: لاحظنا أنه فى لحظة الغضب والخوف على مصيره الشخصى لجأ الرئيس زيلنسكى إلى الأملين الباقيين، وهما بترتيب ما فعل، الأول، لجأ إلى الصهيونية العالمية التى ينتمى لها بالدين والمجاهرة بدعم مبادئها التوسعية فى فلسطين والثانى إلى أوروبا وبالتحديد العنصر القادر فى تلك اللحظة، وهو بريطانيا، وحليف عضوى لأمريكا، إن ابتعد عنها فإلى غير بعيد وإن اختلف معها فلصالح تحالفهما.
• • •
خامسًا: مرة أخرى تتقدم تركيا باقتراح أن تتدخل لدى الأطراف المعنية داخل حلف الناتو لتقريب وجهات النظر وبخاصة المتعلقة بقضية الأمن الأوروبى، تتصور تركيا أنها بصفتها مالكة لثانى أكبر جيش فى الحلف بعد بولندا تصبح الأقدر على تجميع الآراء وقيادة الاتصالات الضرورية لتحقيق هدف إقامة قوة عسكرية أوروبية مستقلة نوعًا ما عن الولايات المتحدة. لا يخفى أن الأوروبيين مدركون أن هدف تركيا كان ولا يزال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وهو ما ترفضه أوروبا رغم المحاولات الدائبة من جانب أنقرة مستغلة الظرف الذى تراه مناسبًا.
• • •
سادسًا: مرة بعد أخرى يلاحظ مفكرون أوروبيون وأمريكيون أن أمريكا وروسيا صارتا تتشابهان فى أمور تتزايد بمرور الوقت. لم تعد الأيديولوجيا عامل افتراق واختلاف، استمرت سياسات الدولتين تتجه نحو التوسع فى السيطرة والهيمنة، زيادة مطردة فى اعتماد النخبة الحاكمة فى الدولتين على جماعة المطورين، أقصد المقاولين الكبار، وهى الجماعة التى صار لها دور معترف به فى صنع السياسات الداخلية والخارجية للبلدين وبلاد أخرى. أضف إلى ما سبق الميل المتزايد فى روسيا لاستخدام أساليب دكتاتورية فى الحكم والميل المتزايد فى أمريكا نحو استخدام أقل للأساليب الديمقراطية فى الحكم، وبطبيعة الحال تتأثر السياسات الخارجية بهذا الميل فى السياسات الداخلية كما اتضح مؤخرا فى تعامل إدارة الرئيس ترامب مع قضية فلسطين وتعامل روسيا مع أوكرانيا. اتضح أيضًا بشكل بارز فى الميل المتزايد لاستخدام أساليب استعمارية قديمة فى تعامل إحداهما مع قضية تهجير شعب غزة لإقامة ريفييرا سياحية ومع أوكرانيا للاستيلاء بالابتزاز على الثروة المعدنية لأوكرانيا، ولا تخفى على أحد المصلحة الروسية فى الهيمنة على ثروات أوكرانيا الزراعية والنفطية والمعدنية. كلاهما يطبقان استعمار رجل أبيض على رجل أبيض بعد أن كان مفهوم الاستعمار يرتبط فقط بهيمنة الرجل الأبيض على الإنسان الأسود.
• • •
ما أكثر علامات الطريق! اخترت بعضًا قليلًا منها وبقى الكثير فى انتظار مناسبات أخرى تفرز عند حدوثها أو فى أعقابها علامات جديدة أو تؤكد وتثبت علامات قائمة بالفعل. نبقى فى انتظار أحداث داخلية فى أمريكا أغلبها مرتبط بوجود عنصر غريب ومثير للجدل فى أداة الحكم، بل وفى قلبه وأقصد فى المكتب البيضاوى إلى جانب الرئيس وبعضها متعلق بتطور الأمور فى الشرق الأوسط وبخاصة استمرار إسرائيل فى انتزاع إقليم بعد إقليم أو أقلية بعد أقلية من وطنها الأم ووضعها تحت الحماية أو الاحتلال الصهيونى، واحتمالات رد فعل النظام الإقليمى العربى ابتداء من احتمال تكرار العجز المؤقت للنظام فى مواجهة كل حالة على حدة وانتهاء باحتمال انفراطه نهائيًا.

 

arabstoday

GMT 08:43 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

بعد القمة.. المهم الحفاظ على التوحد

GMT 08:35 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

عبير الكتب: هارون الرشيد... المحظوظ!

GMT 08:32 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

ماذا تعني «طبخة نيروبي» للسودان؟

GMT 08:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

تحدي إنهاء السلاح اللاشرعي!

GMT 08:26 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

الفراعنة في براغ

GMT 08:24 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

جوزيف عون في الرياض... أفكار وآمال

GMT 08:22 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

أميركا المحافظة... هل هو العصر الذهبي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علامات الطريق نحو المجهول علامات الطريق نحو المجهول



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:49 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

السجائر تجعل مضادات الحيوية عديمة الفائدة
 العرب اليوم - السجائر تجعل مضادات الحيوية عديمة الفائدة

GMT 18:31 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

طارق لطفي يكشف أسباب غيابه عن المهرجانات
 العرب اليوم - طارق لطفي يكشف أسباب غيابه عن المهرجانات

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

الميليشيات والشّرعيّات: استدامة مستحيلة

GMT 18:32 2025 الثلاثاء ,04 آذار/ مارس

إلهام شاهين توضح أسباب فشلها في الإنتاج

GMT 06:33 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

إلى الفريق كامل الوزير!

GMT 02:08 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

زلزال يضرب ولاية سيدي بوزيد في تونس

GMT 10:35 2025 الأحد ,02 آذار/ مارس

حمادة هلال يتحدث عن الفن وأول أجر تقاضاه

GMT 19:03 2025 الثلاثاء ,04 آذار/ مارس

هل يتأهل المحليون هذه المرة؟

GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,04 آذار/ مارس

ترامب وزيلنسكى.. عودة منطق القوة الغاشمة!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab