مستقبل معقد وصعب وغريب

مستقبل معقد وصعب وغريب

مستقبل معقد وصعب وغريب

 العرب اليوم -

مستقبل معقد وصعب وغريب

بقلم - جميل مطر

تكثر هذه الأيام فى عديد مواقع التأثير والنفوذ الكتابة والتفكير عن مستقبل العالم. بعض ما يتردد من أفكار واجتهادات وينشر أو يتسرب يعكس حالة أقرب ما تكون إلى الحالة السابقة مباشرة للمراحل الثورية التاريخية، مراحل وقعت فيها تحولات جذرية فى منظومات فكرية وعقائد دينية وسياسية واجتماعية، مراحل شهدت كثرة فى مظاهر ومؤشرات وبوادر انحدار أو صعود امبراطوريات وقوى عظمى، ومنظومات فكرية سياسية واجتماعية رسخت لعقود أو قرون، وعقائد دينية انتسب أو ينتسب لها ملايين أو بلايين البشر، شهدت أيضا موجات هجرة كثيفة من أقاليم إلى أخرى حاملة معها شذرات أو كتلا من المفاهيم والممارسات المختلفة فى الجوهر والمظهر عن السائد فى الأقاليم المستقبلة للهجرات، حاملة أيضا مزيجا قلقا من خيبات أمل عميقة وأحلام صعبة المنال.
أشهد بأن الظاهرة، وأقصد الحالة «الثورية» أو «الحالة ما قبل الثورية» الراهنة فى عالم اليوم، صارت تعكس نفسها فى كثير من سلوكيات وكتابات وخطب مسئولين ومفكرين لهم قيمتهم ومكانتهم فى مجتمعاتهم، وبالتالى تؤثر مباشرة وبعمق فى معتقدات شعوبهم وسلوكياتها. أخص بالمثال مجموعات من مؤشرات راهنة للتغيير القادم، أو المحتمل، فى أربع حالات، وهى الحالة الأمريكية والحالة الإسرائيلية والحالة الأوروبية والحالة الدينية إن صح التعبير على ضوء شهادة لافتة للنظر والاهتمام صادرة عن، أو باسم، بابا الفاتيكان. كلها معا بالإضافة إلى مؤشرات أخرى لحالة فى الهند وحالات من نوع مختلف فى اكوادور وهايتى وميانمار وحالات عربية فى أربع أو خمس دول على الأقل، أقول كلها معا ترسم خريطة تؤذن بمستقبل للعالم عنيف ومحفوف بمخاطر جمة.
على كل حال تختص هذه المقالة الموجزة بأهم هذه الحالات، على الأقل فى اللحظة الراهنة، باعتبار أن التطورات فى كل مكان تحدث بسرعة فائقة وبغير نظام.

• • •

الحالة الأمريكية: حالة أراقبها عن كثب منذ مدة غير قصيرة، ولعلها أهم الحالات باعتبار مكانة أمريكا كقطب أعظم فى نظام دولى لا يزال يحمل صفة أو عنوان نظام أحادى القطبية. لفت نظرى إليها فى بداية الأمر، وأقصد ببداية الأمر المرحلة التى انفردت فيها أمريكا بالقمة الدولية، درجة من انحناءة تلمح لو استمرت أو تزايدت إلى احتمال دخول أمريكا فى مرحلة انحدار فى القوة الكلية وفى المكانة، متناسب مع صعود متدرج ولكن حثيث من جانب الصين.
أعتقد، مستندا إلى وقائع بعينها، أن الانحدار حدث. صار واقعا فى السياسة الدولية ولم يعد مجرد احتمال، ومع الوقت وفى ظل تطورات عديدة صار أمرا مقلقا وتهديدا حقيقيا لمستقبل الولايات المتحدة. لم يعد سرا أو خبرا مكتوما أن هواجس عديدة أصبحت تخيم على أجواء العمل السياسى. من أهم هذه الهواجس وبخاصة تلك التى كشف عنها بوضوح كبير وبقلق بالغ الحديث المتكرر عن احتمالات نشوب حرب أهلية فى زمن قريب فى الولايات المتحدة. قيل لى من رفاق أمريكيين لهم قيمتهم فى منظومة العصف الفكرى، أن الحديث عن حرب أهلية فى أمريكا مبعثه الاستقطاب السياسى المتزايد داخل المجتمع الأمريكى من ناحية والزيادة الكبيرة فى هيمنة الميول القومية المتطرفة داخل قطاع السكان البيض ضد المهاجرين والأقليات الأخرى. هذه الميول استجاب لها قادة سياسيون وقيادات فى الحزبين الحاكمين مثل دونالد ترامب وجو بايدن اللذين رفعا شعارات من نوع «استعادة أمريكا قوية مرة أخرى».

• • •

اختلف المحللون على توصيف وليس على تشخيص مستقبل أمريكا. هناك أكثرية وبخاصة فى صفوف الإعلاميين ومن علماء السياسة تعتقد أن القادم حرب أهلية. من هؤلاء باربرا والتر عالمة السياسة التى أعلنت أن الحرب الأهلية قادمة لا محال والأسباب فى نظرها عديدة وواضحة أهمها أن النظام القائم بوضعه الحالى غير قابل للإصلاح. هناك على الجانب الآخر من يرفض احتمال نشوب الحرب ولكنه لم يستبعد نشوب حالة من العنف قابلة للاستدامة، وعلى رأس هذا النفر من المحللين ريتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكى للسياسة الخارجية.

• • •

يقول ريتشارد هاس ما معناه إنه لا يستبعد أن يحدث فى الولايات المتحدة حالة من العنف المستدام على نمط الحالة الأيرلندية. من مؤشرات هذه الحالة المستدامة من العنف على سبيل المثال وليس الحصر أحداث العنف ضد المدارس والأسواق التجارية والزيادة الملحوظة فى اتجاهات التطرف القومى ضد المهاجرين اللاتينيين والابتعاد الواضح عن التمسك بقيم الديموقراطية والحقوق والحريات، وهو ما كشفت عنه عملية غزو الكابيتول، مقر السلطة التشريعية احتجاجا على عدم فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الماضية. هنا لا بد أن نتذكر جزءا من خطاب انتخابى ألقاه المرشح الرئاسى فى الانتخابات القادمة دونالد ترامب بلسانه وليس نقلا عنه، تعمد فيه أن يصف شعوب أمريكا اللاتينية بأنهم ليسوا بشرا، وهو الجزء من الخطاب الذى حظى بتصفيق شديد وتداولته بالتعليقات والاهتمام معظم أجهزة الإعلام.

• • •

لم أذكر أن وزارة الأمن الداخلى الأمريكية فى تقرير حديث لها كانت قد تنبأت بأن الانتخابات الرئاسية التى ستجرى هذا العام قد تشهد، أو تسفر، عن عنف محتمل. المدهش فى الأمر أن الرئيس السابق ترامب هدد فى خطاب انتخابى عقد قبل أيام بأن حماما من الدم سوف يقع فى حال لم يفز فى انتخابات نوفمبر القادم. وبالفعل ففى كثير من التصريحات والتعليقات الصحفية الأمريكية التى أيدت نفس الاحتمال أو تصدت له وردت الإشارة إلى أن الاحتمال كبير أن لا تعود أمريكا إلى نظامها الديموقراطى بعد انتخابات هذا العام. الأغلب أنها ستعود بنظام استبدادى ومتطرف قوميا وعنصريا.

• • •

وسط هذه المواقف ظهر موقف هو الأشد تشاؤما. إذ أعلن أفراد عن نظرية سياسية جديدة تجد مؤيدين غير قليلين، تدعو النظرية إلى ضرورة «تسريع» عملية الانحدار للوصول بالسرعة الممكنة وفى أقصر وقت ممكن إلى محطة النهاية، أى إلى المصير المحتوم، وحينها يبدأ التغيير وإلا ستبقى أمريكا فى هذا الوضع من العنف الداخلى وتخبط الإرادة والخضوع لما يسمى ابتزاز المهاجرين والدول الحليفة فى أوروبا وغيرها كإسرائيل وتايوان للحصول على الدعم المالى والعسكرى الأمريكى رغم الظروف الصعبة التى يمر فيها الاقتصاد الأمريكى.

• • •

أمريكا قطب أعظم. انحدرت مكانتها وتراجعت الثقة فيها وبخاصة فى الآونة الأخيرة نتيجة تخبط سياستها الخارجية وارتباكها. لكنها تبقى إلى حين لا نعلم مداه قطبا أعظم له دوره فى صنع السلم كما له دور فى تخريب أمن وفى إبادة شعوب كالحادث الآن مع شعب فلسطين فى غزة. نعيب عليها انزلاقها وراء إسرائيل وهو الانزلاق الذى كشف عن مدى الضعف الذى تسرب بالفعل إلى قلب وأحشاء القطب الأعظم الذى كثيرا ما عشنا معه أحلام الحرية وقدسية الحقوق ومنها حق تقرير المصير فتخلى عنا، أو لعله هو نفسه يستعد ليتخلى عن نفسه بتخليه عنها.

arabstoday

GMT 08:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:23 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:17 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 08:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانون السوريون وفخ المزايدات

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل معقد وصعب وغريب مستقبل معقد وصعب وغريب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول

GMT 06:02 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

ريال مدريد يخطط لمكافأة مدافعه روديجر

GMT 00:30 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

25 وجهة سياحية ستمنحك تجربة لا تُنسى في عام 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab