تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

 العرب اليوم -

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

بقلم - نجيب صعب

تحقيق هدف زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030 لن يكون متاحاً وِفق المسار الحالي. لكن الأمر قابل للتنفيذ من الناحية التقنية، ويتمتع بجدوى اقتصادية كبرى، شرط تبنّي الدول سياسات داعمة وتوفير استثمارات على نطاق واسع. هذا الهدف، الذي وضعته القمة المناخية الأخيرة في دبي، ضروري لتخفيض الانبعاثات، بما يمكِّن من التصدّي، في الوقت المناسب، لارتفاع معدلات الحرارة إلى حدود لا يمكن السيطرة على تأثيراتها الكارثية.

‏جاء هذا التحذير الصريح من أن العالم ليس على المسار الصحيح في العمل المناخي في التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، على أبواب مؤتمرها السنوي بعد أسبوعين. غير أن التقرير حمل أيضاً معطيات إيجابية. فقد سجّل عام 2023 رقماً قياسياً في نشر مصادر الطاقة المتجددة، بدعم من السياسات المتطوّرة التي اعتمدتها بعض البلدان، والتحوّلات الجيو-سياسية، خاصة الحرب الروسية-الأوكرانية، عدا عن انخفاض التكاليف على نحو سريع، بحيث أصبح إنتاج الكهرباء من الشمس الأرخص على الإطلاق. لكن التقدّم كان محصوراً في بلدان محددة، وهو بعيد جداً عن هدف زيادة الإنتاج ثلاثة أضعاف. وإذا كانت كِلفة إنتاج الكهرباء من الشمس شهِدت انخفاضاً كبيراً، فما زال التخزين عملية مُكلِفة، يتطلّب تجاوزها تطوير تقنيات ثورية، مثل الهيدروجين، كناقل ومخزّن للطاقة، وتعميمها على نطاق واسع.

‏كما أن لهدف زيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات متطلّبات ضخمة، يسير العمل عليها ببطء حتى الآن. ومن أهمّها توافر ‏إرادة سياسية قوية تُترجَم في برامج وقوانين لا تتغير وفق الظروف والتظاهرات والشعارات الانتخابية الشعبوية، وتعزيز البُنى التحتية من شبكات نقل وتوزيع، وتدريب القِوى البشرية المؤهلة للتنفيذ، وقفزة عملاقة في التمويل من جميع المصادر المتاحة، وتعزيز التعاون الدولي. ذلك أن الزيادة المستهدَفة تعني تركيب ما يفوق ألف غيغاوات من الطاقة المتجددة سنوياً، ومضاعفة الاستثمارات من 570 مليار دولار حالياً إلى ما يزيد على 1550 مليار دولار سنوياً حتى 2030. كل هذا يتطلّب التغلُّب على كثير من العوائق المنهجية والهيكلية المعرقِلة لتَحوُّل الطاقة، التي تبعده عن المسار الصحيح.

‏من الواضح أن الوقائع والأرقام تؤكد أن الأهداف المُعلنة لتحوّلات الطاقة والعمل المناخي ما زالت بعيدة المنال. والتصحيح يتطلّب تدخلاً عاجلاً على مستوى السياسات، يؤدي إلى: زيادة ميزانيات البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة، ومضاعفة الاستثمارات في الشبكات وأنظمة التخزين، وتطوير المهارات البشرية، وضخّ الاستثمارات الجديدة عبر القِطاعين العام والخاص والشراكات الدولية.

‏لكن لن تتحقق أهداف التحوّل الطاقوي والعمل المناخي إذا انحصرت الاستثمارات في الدول الغنية، وما لم تحصل الدول النامية على ما يكفي من فرص الاستثمار. فلا بد من وصول التدفقات المالية إلى الدول الفقيرة اقتصادياً والغنية بالموارد الطبيعية والبشرية، على شكل استثمارات لا مجرّد قروض، ورفع مساهمة صناديق التنمية الوطنية والإقليمية والدولية. فلا تكفي مواعظ التحوّل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، في غياب الدعم التقني والمالي وضخ الاستثمارات الكافية في الدول الفقيرة. كما لا يجوز استمرار بعضهم باتخاذ «فقر الطاقة» حجّةً للاستمرار في استخدام المصادر الملوِّثة، إذ إنه، مع انخفاض تكاليف الطاقات النظيفة والمتجددة، لا يجوز تجاهلها كعنصر رئيسي للقضاء على فقر الطاقة.

‏هذه كلّها تدابير في متناول اليد، إذا توافرت الإرادة السياسة لتنفيذها، بما يضمن تحقيق الأهداف في الوقت المطلوب. غير أن القِوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العُظمى هي التي تُعيق التنفيذ أساساً، إلى جانب تلكُّؤ قسم كبير من الدول النامية عن اعتماد مبادئ الحكم الرشيد.

‏العالم أمام معضلة حقيقية، يتطلّب الخروج منها تعاوناً من الجميع لاعتماد مسار جديد واقعي وعادل. ولا يفيد استغلال البعض لخطأ من هنا وعرقلة من هناك للتهديد بأن التحوّل الطاقوي يهدد بإرجاع البشرية إلى العصر الحجري. فالتغيُّر المناخي ليس وهماً، لكنه حقيقة يهدد التقاعس عن مواجهتها الوجود البشري برمّته. لذلك على الجميع العمل لتصحيح المسار بما يُفضي إلى تحقيق الأهداف الكبرى، وِفق خطة واقعية.

‏إلى أن يستقرّ التحوّل الطاقوي على المسار الصحيح، لا بدّ من اعتماد مزيج للطاقة لا يستثني أي مصدر على نحو اعتباطيّ، كما لا يستثني أي تقنية ممكنة للاستخدامات الأنظف. لكن الأساس يبقى إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك، وليس وضع اللوم على الدول المنتِجة التي تلبّي حاجة الأسواق.

‏تقرير «إيرينا» الأخير يؤكد أنه، مع ضرورة العمل على تصحيح المسار بما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المناخية المتفق عليها، لا بد من الاستعداد لخطة بديلة إذا استمر البطء في تنفيذ التغيير المطلوب. غير أن تصحيح المسار لتسريع التنفيذ يجب أن يسبق الانتقال إلى «الخطة ب» البديلة.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة تصحيح المسار قبل الخطة البديلة



نانسي عجرم تتألق بالأسود اللامع من جديد

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 12:43 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

السودان .. وغزة!

GMT 11:36 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

عودة النّزاع على سلاح “الحزب”!

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ماذا تفعل لو كنت جوزف عون؟

GMT 15:55 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال عنيف يضرب إسطنبول بقوه 6.2 درجة

GMT 02:27 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 23 إبريل / نيسان 2025

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

ثمة ما يتحرّك في العراق..

GMT 15:56 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب ولاية جوجارات الهندية

GMT 15:51 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

وفاة الإعلامى السورى صبحى عطرى

GMT 15:48 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

"بتكوين" تقفز لأعلى مستوى فى 7 أسابيع

GMT 03:26 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة

GMT 03:29 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

توقعات الأبراج اليوم الخميس 24 إبريل / نيسان 2025

GMT 03:24 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

قتلى وجرحى في انفجار لغم أرضي شرقي حلب

GMT 01:13 2025 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

جليد القطب الشمالي يسجل أصغر مساحة منذ 46 عاماً

GMT 03:46 2025 الخميس ,24 إبريل / نيسان

ارتفاع حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي لـ23 شخصًا

GMT 12:58 2025 الأربعاء ,23 إبريل / نيسان

اعترافات ومراجعات (103) رحيل الحبر الأعظم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab