«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

 العرب اليوم -

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب

بقلم - نجيب صعب

.

السقوط المدوّي لرجل الأعمال الهولندي، الذي ادّعى قدرته على تنظيف المحيطات من البلاستيك، أعاد إلى الواجهة ضرورة التحقّق من المشروعات التي تتلطّى بشعارات «الاقتصاد الدائري» وحماية البيئة، للتأكد من التزامها الوعود والمبادئ والأهداف التي أعلنتها. وإذا كان من الطبيعي لأي نوع من الاستثمارات التجارية أن تحقّق ربحاً، فمن غير المقبول خداع الناس بشعارات ووعود كاذبة، لتحقيق مزيد من الأرباح فقط.

حتى قبل أسابيع من اختفائه مع عشرات الملايين التي جمعها من المستثمرين، كان جيورد فاوزر يُعدّ من روّاد الاقتصاد الأخضر في آسيا وأوروبا. وقد وضعته مجلة «فوربس» في يوليو (تموز) الماضي في طليعة رجال الأعمال القادرين على حلّ مشكلات التلوُّث البلاستيكي في العالم، كما وضعت سابقاً صورة سام بانكمان فريد على غلافها، بصفته «مَلِك العملة المشفرة»، قبل أن تنفضح البورصة الوهمية التي أسسها ليسرق من خلالها مليارات الدولارات. وكانت إحدى الهيئات صنّفت فاوزر عام 2022 «أفضل قياديّ في مجال الأعمال المستدامة في آسيا». لكن القصور الخضراء التي بناها من ورق بدأت تنهار تدريجياً، إلى أن كشفت تقارير حكومية وصحافية أخيراً تفاصيل الخديعة التي استمرت 8 سنوات، بمساعدة شركات العلاقات العامة والصحف ذات الأسماء اللماعة والغلافات المدفوعة الثمن، وفي غياب قوانين صارمة تحدد ما هو «الأخضر» وتميّز الرديء من الجيّد.

مع ازدياد الحديث عن إدارة الموارد على نحو مستدام، بإعادة الاستعمال والتدوير والحدّ من تلويث البيئة، طرأت على فاوزر فكرة مثيرة يمكنه من خلالها تحويل الاهتمام إلى مشروع تجاري مربح. انطلقت الفكرة من علّاقات الثياب البلاستيكية في متاجر الأزياء، والمقدّرة بنحو 85 مليار علّاقة سنويّاً. ولأن نوعيتها سيّئة، فهي تُستخدم مرة واحدة لعرض الثياب في المتجر، قبل أن تنتهي إلى مكبّات النفايات ومجاري المياه والمحيطات. الفكرة كانت جمع علّاقات البلاستيك المستعملة، من المحلات كما من مجاري المياه قبل وصولها إلى المحيطات، لاستخدامها في تصنيع علّاقات جديدة، بنوعية أفضل وشكل أجمل، بحيث تتناسب مع تصاميم الأزياء الراقية وتشجّع الناس على إعادة استعمالها.

استخدم فاوزر لإطلاق مشروعه عبارات جذابة تستقطب اهتمام المستثمرين والمستهلكين معاً، مثل «تنظيف المحيطات»، و«التخضير»، و«الاقتصاد الدائري». هذه الشعارات النبيلة جذبت عشرات ملايين الدولارات من المستثمرين، بعضهم بهدف ركوب «الموجة الخضراء» لمراكمة الأرباح، وآخرون عن رغبة برعاية البيئة والحفاظ على الموارد، مع تحقيق هامش معقول من الربح. ورافقت بدايةَ الإنتاج عام 2019 حملةٌ كبرى على هامش «أسبوع الأزياء» في لندن، ادّعت أن مصدر البلاستيك المعاد تدويره هو البحر، والمواد المستعملة معادة التصنيع كلياً وقابلة لإعادة التصنيع مرات أخرى. ومع ارتباطه بأسماء دور أزياء راقية، استقطب المشروع مزيداً من التمويل. لكن جائحة «كورونا»، التي ضربت بعد شهور، عطَّلت تجارة الأزياء، ومعها سوق علّاقات الثياب.

غير أنّ فاوزر وجد في «كورونا» فرصة تجارية أخرى، فحصل على عقود سخيّة لبيع أجهزة للتنفس الاصطناعي وكمامات للوجه، بمساعدة سياسيين فتحوا له الأبواب بصفته «مستثمراً أخضر»، بعدما سوّقها على أنها «مصمَّمة محلياً» ومصنّعة من «مواد مستدامة» ومكوِّنات قابلة للتدوير. لكن تبيّن لاحقاً أنها جاءت جاهزة من مخازن في الصين ولم تكن تتمتع بالمواصفات المطلوبة. وبعد غروب الجائحة، أعاد «رجل الأعمال الأخضر» إطلاق مشروع العلّاقات من سنغافورة، في حفل ضخم أقامه عام 2022، وَصَفَ فيه منتوجاته بـ«الموجة الزرقاء»، مع حملة إعلامية وقعت في خداعها كبريات الصحف والشبكات التلفزيونية العالمية، التي اعتبرت عمل فاوزر «معجزة ستنقذ البحار من التلوُّث البلاستيكي». لكن عندما «ذاب الثلج وبان المرج» بعد سنة، تبيّن أنّ الوعود كانت سراباً، وأنّ مَصدر 25 في المائة فقط من البلاستيك المستعمل كان من الأنهار والبحيرات، بينما البقية من مكبّات النفايات في الصين. ولم يكن المنتَج النهائي مختلفاً في النوعية والمكوّنات عن أي علّاقات ثياب أخرى من المصانع الصينية. كما تبيّن أنّ العلّاقات الجديدة «المستدامة» تنتهي، مثل سابقاتها، إلى مكبّات النفايات والبحار. حتى إنّ الصين لا تسمح باستقبالها لإعادة التصنيع، لأنها تمنع استيراد البلاستيك المستعمل. وهكذا، تبيّن أنّ البرنامج يقتصر على استبدال نفايات بنفايات، ولا يحمل أيّاً من شروط الاستدامة.

ليس جيورد فاوزر الوحيد الذي ركِب موجة الاقتصاد الأخضر الدائري لتحقيق ربح سريع، باستقطاب مموّلين يجدون فيه فرصة سانحة ومستهلكين يتوقون فعلاً إلى المساهمة في رعاية البيئة وتخفيف الانبعاثات. فالأكيد أنّ «الغسل الأخضر» ممارسة شائعة اليوم بين الشركات الكبرى والصغرى والهيئات الحكومية والخاصة، وفي المنطقة العربية نماذج كثيرة منه. وأوضحُ وصف له هو صرف شركة أو هيئة ما قدراً أكبر من المال والوقت لتسويق نفسها على أنها صديقة للبيئة، مما تصرفه فعلاً لتحسين أدائها البيئي. ومكافحة هذا النوع من الخداع شرط أساسي لتطوير اقتصاد دائري أخضر حقيقي، يقوم على إدارة متوازنة للموارد، ويحقق الربح المشروع في الوقت نفسه.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب «الغسل الأخضر» من الكمّامات إلى علّاقات الثياب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab