الوزارة ليست جمعية أهلية

الوزارة ليست جمعية أهلية

الوزارة ليست جمعية أهلية

 العرب اليوم -

الوزارة ليست جمعية أهلية

نجيب صعب
بقلم -نجيب صعب

قال لي وزير بيئة يوماً: «نحن وزارة للبيئة، لذا لا نتعاطى السياسة». فأدركت منذ تلك اللحظة أن وزارته لن تنجح في تحقيق أي مهمة جدية، لأن الوزارة كيان سياسي، مهمّتها وضع التشريعات والقوانين التي ترعى البيئة، وإدخال البُعد البيئي في عمل جميع الوزارات، والضغط للحصول على حصة كافية من التمويل في الميزانيات، وإقناع بقية أعضاء الحكومة بمطالبها، وضمان إقرار مشاريعها في مجلس النوّاب، عدا عن إدارة المفاوضات الدولية والثنائية المعنية بجميع شؤون البيئة والمناخ. وهذه كلّها أمور تتطلب إدارة سياسية على أعلى المستويات.
ذكّرني تعليق الوزير بإعطاء بعضهم وصف «التسييس» في صيغة تهمة شائنة لكل من يطلق موقفاً لا يعجبهم، وكأن السياسة ممارسة معيبة، أو لا تحقّ إلا لصفوة مختارة من الذين يتفقون مع محتكري حق التصنيف. مع أن السياسة، في المفهوم الصحيح، يجب أن تكون فن تحقيق المصلحة الوطنية العامة. ومطالبة الناس بحقوقهم الأساسية، وبسلطة القانون والنظام العام فوق أي سلطة أخرى، وبحق المشاركة في القرارات الوطنية الكبرى، بما فيها تلك المتعلقة بالبيئة، هي ممارسة سياسية طبيعية وحقّ مكتسب.
وتتساوى مع وزارات البيئة التي تتنصّل من السياسة تلك الأحزاب التي تحمل اسم «البيئة» أو «الخُضْر»، وتقتصر أهدافها على شعارات مثل التشجير ومحاربة التلوُّث وتنظيف الشواطئ. فالحزب هو كيان سياسي بامتياز، وإلا أصبح جمعية أهليّة. وهدف كل حزب جدّي هو الوصول إلى السلطة، وهو أمرٌ يتطلّب أن يكون جاهزاً للمهمة، عبر برنامج مفصَّل. هذا البرنامج يتضمن خططه في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والصناعية والزراعية والصحية والثقافية، إلى جانب تلك المرتبطة مباشرة بالقضايا البيئية. ولا بدّ من أن تكون له رؤية واضحة للعلاقات الدولية، ما يتيح فهماً أفضل لكل ما ينعكس على التنمية والبيئة والمناخ. فلماذا الإصرار على تسمية مجموعة معيّنة حزباً، إذا كانت مبادئها وأهدافها أقلّ من جمعية أو مؤسسة خيرية حتى؟ وما الضير إذا سمّوها جمعية؟ أم أن اسم «حزب» أعلى مقاماً وأكثر وجاهة؟
يحق للجمعيات الأهلية المختصة بالتوعية أو المساعدات الاجتماعية الابتعاد عن السياسة. لكن قد يتوجب عليها أيضاً، في بعض الحالات، تعاطي شؤون سياسية مرتبطة بعملها، وهذه ليست تهمة إذا تحلّت الممارسة بالشفافية. فمقاطعة جمعية خيرية لنظام سياسي فاسد، ورفض التعامل من خلاله، للحفاظ على حقوق الناس وضمان وصول المساعدات إليهم وليس فقط لمن ترضى عنهم السلطة الفاسدة، هو موقف سياسي ذو طابع إنساني، وهو ليس خياراً بل هو واجب على جميع المتعاطين في الشأن العام.
كما أن جمعيات البيئة التي تكتفي بحملات تنظيف الشواطئ أو إزالة النفايات عن الطرقات، وتتجنب الضغط على المسؤولين السياسيين لإقرار قوانين رادعة وتطبيقها، بما يمنع التلويث من الأساس، تتقاعس عن واجبها بحجّة عدم التعاطي في السياسة. لكنها هكذا تحكم على نفسها بالفشل، وتُبقي نشاطها في إطار الاستعراضات الترويجية.
إحدى أكثر الشخصيات إخلاصاً بين الذين تولّوا وزارة البيئة في المنطقة العربية، حاولت تغطية العجز عن إقرار قوانين ملائمة وفرض تطبيقها، بالنزول شخصياً إلى الشارع وإعطاء ملاحظات للمخالفين أكانوا ممن يرمون النفايات أو يقودون سيارات تنبعث الغازات السامة من عوادمها، وفي بعض الحالات مع اصطحاب شرطي لتوقيفهم. لكن هذه المبادرات، على أهميتها في إعطاء قدوة حسنة، بقيت إجراءات فردية محدودة الفائدة، في غياب قوانين صريحة ورادعة، تفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن على المخالفين. ورغم النيات الحسنة ودماثة أخلاق هذه الشخصية الوزارية، ازدادت الحال سوءاً بعد عشرين عاماً على المبادرات الشعبية في الشارع، في غياب الإرادة السياسية. وتكرّرت هذه التجربة مع وزراء مخلصين يحملون شغف البيئة، نزلوا إلى الشارع والشاطئ للمشاركة في حملات التنظيف، وصعدوا إلى الجبال للمشاركة في التشجير، لكن الأثر كان موضعياً مؤقتاً في غياب الإرادة السياسية التي تنتج قوانين.
فلنترك الجمعيات الأهلية تقوم بعملها التطوّعي النبيل بلا ضغوطات ومحاولات هيمنة، ولنطالب وزارات البيئة بتأدية دورها كهيئات سياسية تضع خططها وفق ما يقتضيه العِلم. فالوزارة التي تتصرف كجمعية أهلية محكومة بالفشل، لأن مهمة المسؤول إيجاد حلول لا طرح الشكوى على الناس بصفتهم حائط مبكى.

 

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

arabstoday

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

GMT 19:32 2024 الأربعاء ,11 أيلول / سبتمبر

عن دور قيادي أميركي مفقود...

GMT 12:58 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 04:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوزارة ليست جمعية أهلية الوزارة ليست جمعية أهلية



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:43 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً
 العرب اليوم - نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالة مختلفة تضج جمالاً

GMT 00:23 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 العرب اليوم - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 19:41 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إطلاق نار بمحيط إقامة دونالد ترامب

GMT 02:19 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

حالة طوارئ في جنوب ليبيا بسبب السيول

GMT 17:46 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

إصابة شرطي إسرائيلي في عملية طعن في القدس

GMT 04:25 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سماع صوت انفجار بمحيط مخيم العين غربي مدينة نابلس

GMT 17:24 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

قصف إسرائيلي عنيف على بلدة عيتا الشعب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab